أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: "سلّم قضاعة" لقياس مستوى الظنيّة في الأفكار

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 111
    المواضيع : 23
    الردود : 111
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي "سلّم قضاعة" لقياس مستوى الظنيّة في الأفكار

    في ظل أنّ معظم أحكام العقل تقع ضمن فئة الظن، وأنّ الظن مداه واسع. وحيث أنّ الإنسان كائن اجتماعي يحتاج لأنْ يشارك أفكاره مع الآخرين حوله، وينفعل بالمقابل مع أفكارهم؛ فإنه ليس فقط يحتاج الإنسان للتعبير عن أفكاره بتجرّد، بل سيحتاج بالضرورة لأنْ يعبر عن مستوى ظنية هذه الأفكار لنفسه أولاً، وللآخرين من بني جنسه؛ فالنفس هي محل الفعل والانفعال.

    فإنه إذا عُرِفت الدرجة الظنية للفكرة، أمكن اتخاذ موقف صحيح منها ومن قائلها. فالخلاف على مستوى الظن المستحَق للفكرة بين المتنازعين، حتى لو لم ينتبه لذلك إلا القلّة بسبب انشغالهم بطرق الاستدلال والبرهان؛ هو أكبر عائق في التواصل الفعّال بين الإنسان ونفسه، وبين البشر بعضهم البعض. والذي سيرفع الاختلال في الفهم والنقاش بين الناس طالما أنّ الحال هو هكذا، هو بمنح الأفكار درجات ظنية؛ بحيث إذا ذُكِـرت درجة الفكرة عرف المتلقي مقدار ما تحتويه من الصواب بنظر قائلها؛ فالظن والشك واليقين ليست من فعل الواقع ولا من فعل العقل، إنما هي من فعل النفس كما قلنا.

    فليس الموقف الصحيح تجاه الأفكار هو بحصرها في العلاقة الـحَـدِّية بين طرفين أو ثلاثة على الأكثر: (مع الفكرة) - (ضد الفكرة) - (لا مع ولا ضد)؛ على ما هو مشاهد عند الكثيرين في هذا الزمن وفي الأزمان الغابرة. بل الصواب تفصيل حال هذه الـ (مَع)، إلى أيّ مستوى هي (مع)..؟ وهذه (الضد)، إلى أيّ مستوى هي (ضد)..؟ وتبيان حقيقية هذه التي (لا مع ولا ضد)، إلى أيّ جهة تميل، أإلى جهة (الضد)، أم إلى جهة (المع)..؟ وما هي درجة هذا الميلان..؟

    فقد لا تدل العبارات التي قد يستخدمها المؤلف، قديماً وحديثاً؛ على الدرجة الظنية المستحَقة لفكرته في جوفه؛ بل ربما نَطقت بعكس مقصوده؛ وفي هذا ظلم للمؤلف والقارئ على السواء؛ بل أنّ هذا قد يقود الجهلة لتكفير المسلمين بغير وجه حق، فمن الظلم جعل الفكرة المستحقة حتى لدرجة الظن الثاقب في جوف صاحبها، أنها بنفس دلالة كونها بدرجة اليقين؛ فدرجة اليقين يترتب عليها أمور خطيرة. كما أنّ بعض سلوك البشر يعتمد على معرفة مستوى ظن الشخص بفكرته، حتى لو لم يطلعوا على براهينها وقوتها.

    بل أنّ من احد أساليب الخداع هو التلاعب بمستوى درجة الظن عند الآخرين؛ فالنفس هي محل الفعل والانفعال كما قلنا. ولعلنا نلتمس العذر للسابقين من كل عنصر وملّة؛ في عدم تأصيلهم للظن كما فعلنا في "سلم قضاعة" المقترَح؛ فهُم وإن أشاروا إلى أنّ الظن يقبل القوة والضعف؛ لكن لغياب الأساس العقلي المتين، أي (خريطة العقل)؛ فهذا جعل من إمكانية تأطير الظن في درجات متعذراً فيما مضى. فالمساطر العقلية السابقة المتوفرة في الساحة، أي فن المنطق وعلم الكلام ومنهج الشك الديكارتي، عاجزة عن تفصيله عجزاً مزمناً.

    وهذا ما يسعى “سلّم قضاعة” إلى تحقيقه، فإخبار الكاتب لقُرّاء كتابه من بدايته، باعتماده لخريطة العقل ولسلّم قضاعة، فهو يضرب عصفورين بحجر واحد. فهو سيوفر العُذر العقلي والنفسي الداعي للاطمئنان، للكاتب وللقارئ على حد سواء. فالإعلان عن الدرجة الظنية الفكرة سيزيل عن كاهل الكاتب الاعتذار إلى قرّاء كتابه عن أوجه القصور الحاصلة في بحث الفكرة، بأنّ هذا أقصى ما وصل إليه في بحثها، أو أنّ هذا أقصى ما يستطيعه بحسب ظرفه الزمني وقدراته.

    وبهذا الإعلان هو سيضمن في نفس الوقت، عدم الغُلـوّ في تقدير أفكاره فوق ما تستحق، ما قد يحمّل الكاتب ما لم يقل. ويمنع في نفس الوقت من الاستخفاف بقيمة الأفكار التي وصل لها الباحث. أمّا كون أنّ الفكرة بعد الاطلاع على براهينها وقرائنها، تستحق تلك الدرجة الظنية التي منحها الباحث لها أم لا تستحق، فهذا موضوع آخر.
    وهذه هي مسميّات الدرجات العشر الظنية في " سُلّم قضاعة" المصُمّم لقياس مستوى الظنيّة في الأفكار المطروحة، وكذلك النسبة المئوية من الصحة التي تعكسها: 1- بهرج (صفر %). 2- ظن هائم (1- 5 %). 3- ظن غافل (25- 29 %). 4- شك (49 - 51 %). 5- ظن شائك (55 - 57 %). 6- ظن ناقِب (65 – 69 %). 7- ظن ثاقِب (73- 77 %). 8- ظن عازم (85 – 89 %). 9- ظن جازم (93 – 97 %). 10- يقين (100 %).

    واطمئنوا: فإنه إذا ما تم اعتماد المؤلفين لسلّم قضاعة، فسيصبح كالسيف المسلّط على الرقاب؛ فمن سيتهاون بمنح أفكاره درجات عالية من الظن وهي لا تستحقها، فسيأتي مَن يخفّضها له بالحق، فسنّة التدافع في الأرض قائمة لا يلغيها إيمان ولا كفر؛ والحسد حاضر.
    وقد وفّـر أبو الطيب البلوي الأدوات العقلية اللازمة لذلك للجميع تقريباً [مختصر خريطة العقل والمتطلبات العقلية اللازمة لكل درجة في هذا السلّم]؛ ما سيضطر المؤلف إمّا لأنْ يبذل جهداً مضاعفاً في بحث فكرته ليجعلها تستحق درجة الثاقب على الأقل، أو يكتفي بمنحها درجة منخفضة من الظن [الناقب فما دون وصولاً لدرجة الشك]، فهذا سيكون أعذر له أمام خالقه وأمام الناس.

    وثانياً: أنه بإعلان الباحث عن درجة أفكار كتابه، فهو يُسقط نصاً عقلياً إضافياً من كتابه واجب الوجود، منعاً للإسهاب الممل، واستغناءً عن تنبيه عقلي أو تحذير؛ بما في ذلك الاستغناء عن عبارة (والله أعلم) المفروغ من الإقرار بها مسبّقاً. إذ سيفترض القارئ المطلع على متطلبات منح كل درجة في هذا السلّم، وجود هذا النص العقلي الغائب؛ قد أغنى عنه ذكر الدرجة.
    فمثلاً: إذا كانت الفكرة قد توجهت لبيان الماهية عموماً، وقد مُنِحت درجة الناقب [65–69 %]، وبحسب متطلبات منح درجة الناقب، فهذا يعني بأنّ الواقع الذي تتحدث هذه الفكرة عن ماهيته، قد حاز إثبات وجوده على درجة الثاقب فأعلى [البند 3]. ودرجة الناقب كثيرة الحضور في الحياة والعلوم عند البحث في الماهية.

    وعلى الرغم من سمة الضعف العام المميزة لهذه الدرجة، إلّا أنه من الصعب نقض الفكرة المقدّرة بها لإنزالها عن هذه الدرجة. فبرهان وقرائن الفكرة الباحثة في الماهية المقدرة بدرجة الناقب، متوسطة القوة، لكنها مع ذلك متماسكة على مستوى الجزء وليس على مستوى الكل، أي متماسكة على مستوى الجزئية التي يعالجها البحث، وليس على مستوى الصورة الكلية لموضوع البحث ولِما هو أعلى منه مما له علاقة ما به. وأنه لا يوجد هناك فكرة أخرى باحثة في نفس ماهيته تزاحمها على هذه الدرجة، ذلك أنه لا يجب أن تحتل فكرتان تبينان ماهية الواقع، درجة الناقب فصعوداً، لسبب سنعرضه لاحقاً. فكما ترى، فكل هذا التفصيل قد أغنى عنها ذكر درجة الناقب.

    كما يعتبر الإعلان عن درجة الفكرة، مؤشراً مفيداً جداً على ما يجب أن يُبحث، مما لم يصل به الباحث في بعض أفكار كتابه لدرجة ظن عالية؛ فيحفز ذلك آخرون لإكمال المسيرة، لمعرفتهم بالقرائن الواجب توفرها مع كل درجة. فالعلم ذو طبيعة تراكمية، فهو لا يقوم على كتف رجل واحد مهما بلغ شأنه. كما أنّ الإعلان عن درجة الفكرة يفيد في توجيه المخالف الرادّ على فكرة الكاتب، إلى الموقع المفضل الانطلاق منه، وإلى الكيفية التي يجب عليه البحث فيها.

    وليست كل الأفكار تحتاج من الباحث إلى منحها تقدير درجة لها على سلّم قضاعة؛ فلا يُلجَـأ إلى منح الفكرة درجة على سلّم قضاعة، إلّا إذا توجهت الفكرة نفسها لبحث وجود واقع محل خلاف، هل له وجود أم غير موجود، وهل وجوده حقيقي أم متوهّم. أو ربما قد يمنح وجود الواقع درجة من أجل لَفت الانتباه إليه لغاية اقتضاها الإثبات.
    أمّا عند البحث في الماهية عموماً، فهي بالضرورة تحتاج منا إلى تقدير درجة. ذلك أنّ معظم البحوث إنما تـتوجه إلى هذه الجانب؛ وأنّ أحكام العقل على الماهية هي نتائج ظنية مهما علَت درجتها؛ وذلك للسبب الذي شرحناه في (مختصر خريطة العقل)؛ كما أنّ الظن مداه واسع كما قلنا. وبالتالي، فالاختلاف بين الناس بسبب هذه الأفكار الظنية لا بد حاصل؛ لا يرفع الاختلاف بينهم أو يقلل من شأنه، إلّا البراهين والقرائن الداعمة للفكرة؛ وإلّا بتقدير الدرجة الظنية المناسبة لها على سلّم قياس معتبر كسلّم قضاعة.

    فالعاقل لا يقبل بمنح تفسير معيّن درجة الجازم أو درجة العازم، وبعد المعاينة والتفحّص ظهر أنه لا يستحق سوى درجة الناقب. بل ربما كان لا يستحق سوى درجة الشائك. فلو قَـدّر الباحث تفسيره منذ البداية بدرجة الناقب؛ فقد بـرّأ نفسه وعقله، وكان القارئ على بيّنة من أمره، فلا يَظلِم ولا يُظلَم.

    ولا يجب أن يغيب عن ذهن مستخدم سلّم قضاعة، ككاتب أو كناقد؛ أنّ مناط منح الفكرة درجة ظنية معيّنة على هذا السلّم المقترح، إنما هو جوف الباحث. أي هو متعلق بتقدير الباحث للدرجة الظنية المستحَقة لفكرته في كتابه، بحسب ما بذله من جهد في التفكير فيها، وبحسب ما يملك من براهين وقرائن لدعمها ونقض ما خالفها، وبحسب متطلّب كل درجة على هذا السلّم.
    وليس مناط ذلك متعلقاً بالضرورة بمطلق استحقاق الفكرة لهذه الدرجة الظنية أو تلك في واقع الحياة، ولا حتى في أجواف الآخرين. فإذا اقتنع آخرون بفكرة الكاتب، وتبنّوا مستوى الدرجة الظنية التي منحها للكاتب لها، أو فوق ذلك أو أدنى؛ فهذا مناط آخر غير الأول. وكون أنّ الناقد مؤهل للحكم على الأفكار أم غير مؤهل، منحازاً أم غير منحاز، فاهماً لسلّم قضاعة ولكيفية القياس به أم لا؛ فهذه قضية أخرى أيضاً.

    ونختم هذا المقالة بالقول: أنّ سلّم قضاعة حاله كحال أيّ مقياس عقلي وفكري آخر؛ كفنّ المنطق وعلم الكلام وغيرهما من المقاييس؛ فكلها عُرضة للنقد ولسوء الاستخدام؛ وكلها تتطلب المران لإتقان القياس بها بسرعة وفاعلية، دون إهمال الدقة طبعاً. وقد قيست عليه وبه الأفكار الكثيرة والمتنوعة في الكتاب الأم لعروض قضاعة، فأثبت لصانعه على الأقل، أنه يمكن الركون إليه، وأنه قد تحقق الهدف الذي صُنِع لأجله. ومع ذلك، فلست أزعم أنّ سلّم قضاعة خالٍ من العيوب، ولا أنه نهاية المطاف فلا يُعدَّل عليه؛ بل هو قابل للتعديل إذا رأى ذوي العقول النيّرة فيه ما يستوجب التعديل.
    والتفاصيل العميقة لهذه المقالة لا يمكن إدراجها هنا، ولذلك أجد نفسي مضطرا إلى وضع رابط لمختصر خريطة العقل، الذي يتضمن مقترح (سلم قضاعة) المذكور، (عدد الصفحات 40 صفحة). مع الإشارة هنا إلى أن هذا المبحث (أي مختصر خريطة العقل)، هو ضمن الكتاب الأم لعروض قضاعة.
    https://cutt.us/PNQJF
    التعديل الأخير تم بواسطة ابو الطيب البلوي القضاعي ; 23-10-2022 الساعة 06:49 AM سبب آخر: تعديل فقرة

  2. #2