أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: أهمية النظرية العروضية القوية في أبحاث العربية- نظام قضاعة نموذجا

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 111
    المواضيع : 23
    الردود : 111
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي أهمية النظرية العروضية القوية في أبحاث العربية- نظام قضاعة نموذجا

    - أبو الطيّب ياسر بنُ أحمد القريني البلوي القُضاعي/ صاحب علم عروض قضاعة

    بحور الشعر هي قوالب صوتية موسيقية تُسكب فيها تراكيب اللغة المفهومة، فتجتمع بذلك في قوالب الشعر روعة الموسيقى المطرِبة، وروعة البيان والتصوير اللغويان، فتكون بذلك محببة للآذان والأذهان. فالمتلقون للشعر المتذوقون له، لا يقبلون من الشاعر أن يقول لهم ما يعرفونه بالطريقة التي يعرفونها، إنما هُم يتوقعون منه أن يقول لهم ما يعرفونه بطريقة لا يعرفونها. (الجملة في الشعر العربي، ص 22)

    وهذا هو الدافع الأول لنشوء الإيقاع الصوتي اللغوي، والذي أصبح البشر يطلقون عليه مسمّى (الشعر). وتالياً برزت الحاجة لدراسة الناحية الصوتية والإيقاعية لهذا الشعر، من أجل محاولة فهمه وتقعيده عقلياً، أو لأجل محاولة تقليده عند النظم؛ والذي أصبحنا نطلق عليه مسمّى (علم العروض). فعلم العروض يبحث في الإيقاع الصوتي اللغوي بهذا الاعتبار الذي قلناه. وبذلك يتضح لنا أنّ مفهوم الشعر أوسع من مفهوم العروض بكثير.

    والعرب يتعلمون علم العروض العربي لأسباب متعددة، فعامة العرب يتعلمونه لِما استقرّ في الأذهان من أنّ نظم العرب الجاهليون ومن هم في حكمهم، هو أعلى طراز من النظم يطمح إليه الشاعر العربي. ولذلك هم يتعلمونه من أجل تصويب ما نظموه ليكون على طريقتهم. أمّا خواص العرب، البحّاثة منهم خاصة؛ فيتعلمونه لعلاقته بعلوم اللغة العربية لكونه لازماً لها، ولأن له علاقة بما قد يُشكِل من كتاب الله تعالى من جهة الضبط الصحيح لتشكيل المفردة اللغوية. (المعيار في أوزان الأشعار، ص 11).

    والذي يجب على معلّم ومتعلّم العروض العربي أن يدركه، أنّ هناك فرقاً جوهرياً بين أمرين هما في غاية الخطورة إذا لم يُفرَّق بينهما، الأول: أنّ الإيقاع مجرّداً هو إيقاع. فأن تُبدع كشاعر سلسلة صوتية وتمضي عليها في كل أشطر قصيدتك، ودون إمضاء للقانونين الصوتيّيَن عليها [التكافؤ والخبب]، فهذا إيقاع، سواء وافق نظم العرب أم لم يوافقها؛ وهذا التقرير صحيح أيضاً مع عَروض غير العرب.

    والأمر الثاني: أنّ محاولة معرفة القوانين الصوتية والإيقاعية التي أمضاها شعراء العرب المعتَد بنظمهم على شعرهم المتوج بالقافية، لخلق إيقاع ثانوي يسير بموازاة الإيقاع الأولي في القصيدة. وبعد ذلك محاولة معرفة طبيعة القوانين الإيقاعية التي راعتها قرائحهم، وصناعة نظرية عروضية مع مسطرة لها لقياس لذلك، لأيّ سبب كان (1)؛ فهذان أمران مفصولان عن بعضهما تماماً كما ترى.

    (1): فقد يكون السبب وراء ذلك هو من أجل فهم العروض العربي في ذاته، أو من أجل تسهيل سير الشاعر الآتي بعد زمن الشعراء أصحاب العلم الأول، على ما ساروا عليه؛ رغبة منه بذلك أو رهبة من الخروج على قوانينهم. وإمّا لمحاكمة تلك السلاسل في بطون الكتب القديمة التي غابت عن الخليل عروضياً. أو لمحاكمة السلاسل المستجَدة بعد عصر الخليل عروضياً، هل هي موافقة لقوانين العرب في النظم أم مخالفة لها.

    فالتفريق بين هذين الأمرين جد خطير، لأن له تبعات على باقي علوم اللغة العربية. ففي ظل أنّ الشعر الجاهلي ومن هو في حكمه، هو من أحد مصادر المواد الخام الرئيسية في استنتاج وتقعيد قواعد اللغة العربية والنواحي الصوتية، وتعلّق هذا المصدر بلغة القرآن الكريم ومحاولات تفسيره؛ فإنّ معرفة الأصول الصوتية الصحيحة التي قام عليها عروض الشعر العربي، ومعرفة القواعد الإيقاعية الحقيقية الناظمة للشعر العربي [أحكام الإيقاع العربي]؛ هي من الخطورة بمكان لعلاقته بما ذكرنا.

    فقد يحتاج الباحث النحَوِي أو اللغوي أو الباحث الأصواتي، لعلم العروض العربي من أجل التدليل على ظواهر صوتية، على اعتبار أنّ العروض العربي هو الميدان الحقيقي لاختبار النظريات الصوتية كما يزعم صاحب عروض قضاعة. أو قد يحتاج هذا الباحث لمعرفة العروض العربي من أجل التدليل على ظواهر نحوية صحيحة في العربية، أو حتى على الظواهر الخاطئة التي جلبتها ضرورة شعرية متعسفة أو مقبولة مع كراهة، ولم يجلبها النحو.
    وقد ذكرنا عدة أمثلة على ذلك في الكتاب الأم لعروض قضاعة. بينا فيها كيف أنّ النظرية العروضية المتوفرة في الساحة العروضية، إذا كانت نظرية قوية كنظرية قضاعة؛ فسوف تأخذ بيد الباحث النحَوِي أو اللغوي أو الباحث الأصواتي لأقرب ظن ممكن من الصواب. أمّا إذا كانت النظرية العروضية بها أخطاء كنظرية الخليل بتقدير صاحب عروض قضاعة؛ حتى لو أدت الغرض منها طوال مئات السنوات الماضية؛ فسوف توقعه في خطأها. مع الانتباه هنا إلى أنّ هناك فرقاً بين الخطأ والبطلان؛ فالخطأ فيه بعض الصواب، أمّا البطلان فلا صواب فيه.

    نتابع فنقول: وهذا التفريق بين هذين الأمرين يجر إلى الفصل بين نقطتين أُخريين مترتبتين عليهما، ألا وهما: أنّ النظم بهدي من قوانين العرب، بنظر الباحث بعد استخراجها واستحقاقها لدرجة ظن عالية [درجة الثاقب فما فوق]؛ لا يعتبر خروجاً عن قوانينهم، ولا تجديداً في أصولهم، إنما هو تجديد على قوالب بحورهم يحتملها نظامهم. وهذا الكلام أكثر ما يصدُق إنما مع نظرية قضاعة، فنظرية الخليل تعجز عن الحكم على ذلك.
    أمّا النظم بغير هدي من قوانين العرب، فهو لا يعتبر تجديداً بأيّ حال من الأحوال، إنما هو خروج عن نظام شعر العرب. أو ربما ظنّ عروضي أو شاعر أنّ هذا النظم موافق لقوانين العرب وهو ليس كذلك؛ ومثال هذا سلسلة الدوبيت غير العربية، والتي حاول الدماميني إلصاقها بنظام العرب مستعملاً بعض التقريرات الباطلة في نظرية الخليل بنظر قضاعة. (الغامزة، ص 20). أو قد يكون العكس من ذلك هو الحاصل، أي ربما ظنّ عَروضيّ أو شاعر أنّ هذا النظم غير موافق لقوانينهم، لكنه يكون موافقاً لها. فهذا الاضطراب الأخير سيكون سببه عُقم النظرية العروضية ومسطرتها التي جاءت لتصف وتـقنّن عروض شعر العرب.

    ولا يغب عن بالك في هذا المقام، أنّ أيّ نظرية عروضية حاولت فهم الإيقاع العربي، تقبع ضمن خانة الظن، بما فيها نظرية قضاعة ونظرية الخليل، وذلك لأن البحث هنا متعلق بالماهية (راجع مختصر خريطة العقل: البند 10)، والذي يـرجّـح بين النظريات هو قوة الظن.

    وعلى ذلك، ففهم العروض العربي، ما يجوز فيه حقاً وما لا يجوز، وما هو حسن وما هو صالح وما هو قبيح، أي ما هو كسر نغم وما هو كسر وزن أو كسر إيقاع. ومنها ما هو قابل للإصلاح مع تأويل ممكن غير متعسّف، وما هو غير قابل للإصلاح لا بتأويل ممكن ولا بتأويل متعسف؛ هو ضرورة للباحث النحَوِي واللغوي والأصواتي في اللغة العربية.

    وهو ما سوف يساعدهم به عروض قضاعة لأنه معنيّ بإيقاع الشعر العربي الجاهلي وما سار على نهجه حصراً. هكذا أزعم، والبيّنة على من ادّعى واليـمين على من أنـكر. وليس لي عند العرب حقٌ قد أنكروهُ فـيلزَمـهُم اليـمين، إنما أنا الذي ادّعَيتُ فـلـزِمتني البيّنة، فكان الكتاب الأُم الضخم لعلم عروض قضاعة، الذي لم يصدر بعد عن دار نشر. وكان كتاب المنتج الجاهز المتاح للتنزيل في الانترنت، كافياً للتدليل على ما زعمت هنا.
    التعديل الأخير تم بواسطة ابو الطيب البلوي القضاعي ; 02-11-2022 الساعة 01:21 AM سبب آخر: تعديل تنسيق