بقلمي / محمد الحضوري
إن اليوم الآخر .. آت لا ريب فيه ..
ومما وصف الله به المتقين أنهم ( يؤمنون بالغيب ) ( وبالآخرة هم يوقنون ) .
إلا أن الكثير من الجهال يطالبون بأدلة علمية مادية يستوعبون بها جمعنا ودمج ذراتنا وإعادتنا أحياء مرة أخرى بعد مماتنا ( وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ) ؟
( إإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد )
وهنا ..
أذكرهم بأن يستخدموا عقولهم ليقرؤا كتاب الله المنظور من حولهم وليتفكروا في آيات الله المحيطة بهم والدالة على صحة ما وعد به في كتابه المقروء من بعث ونشور وغير ذلك من علم الغيب ( وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ [ يوسف: 105]
وسأركز على بعض هذه الآيات فأقول : -
إن الكثير من الناس لديه جهاز تلفزيون بتوابعه طبق أقمار صناعية به لاقط LNB + كيبل + جهاز ريسيفر + شاشة عرض + ريمونت يشاهدون عبرها ما يروق لهم من برامج رقمية تلفزيونية مختلفة في شتى بقاع الأرض ..
فهل فكر هؤلإ حول كيفية ظهور تلك البرامج على شاشة العرض ؟
كيف تتحول إلى ذرات متفرقة مبعثرة حول الأرص ثم تجمع من مصادرها ؟
وفي كيفية معالجتها حتى يتم استقبالها وعرضها ؟
عملية تصوير وتفريق إلى ذرات متناثرة لا ترى بالعين في نطاق واسع حول الأرض !
ثم تجمع وتعاد تارة أخرى !!!
كيف ؟
نفكر ونبحث !!!
عندما تبث أحدى المحطات التلفزيونية برنامجا يديره أحد المذيعين مع عدة اشخاص .
نتأمل
في كيفية تصويرهم وتحويلهم عبر الأجهزة الخاصة بمحطة التلفزيون أثناء البث إلى ذرات وحزم كهرومغناطيسية ترسل إلى الفضاء بترددات رقمية معينة - لتجنب التداخل مع بقية حزم البث الأخرى - إلى الأقمار الصناعية التي تستقبلها وتجمعها وتعيد بثها مرة أخرى عبر تقنية معينة وهي ذرات كهرومغناطيسية إلى نطاق جغرافي واسع حول الأرض لتلتقطها أجهزة ال LNB - أو الداعي لها . - المثبت في أطباق الأقمار الصناعية فتجمعها وتحولها مرة أخرى إلى ترددات كهرومغناطيسة لتمر عبر الكيبل إلى وحدات فك الترميز المدمجة في الريسيفر التي تقوم بترميزها إلى أصوات وصور فتجمعها إلي نقاط كثيرة لا تعد ولا تحصى تتجمع وتتشكل في شاشة العرض لتعيد المذيع مع ضيوفه مرة أخرى إلى أصلهم نشاهدهم بلحمهم وشحمهم بملابسهم وكل صفاتهم وبكل ماقترن بهم من أقوال وأفعال !!!
وبما حولهم من الأماكن وصفاتها بعد أن كانوا إشارات وذرات وذبذبات متفرقة ومختلطة مع بقية الإشارات الأخرى في نطاق واسع في الفضاء وحول الكرة الأرضية بواسطة وحدات الدمج داخل أجهزة الريسيفر وفك الشفرات أي بعد عمليات جمعها وحشرها بدمجها !!
ويمكن للمشاهد أن ينتقل من تردد معين إلى آخر بكل سهولة ويسر وبسرعة فائقة بكبسة زر …
وهذه الحقيقة العلمية لو تم إخبار الناس بها قبل أربعمائة عام لكذبوا قائلها واتهموه بالكذب والجنون !
لأنها كانت آنذاك من علم لغيب فمعطياتهم العلمية آنذاك وقدراتهم العقلية والمنطقية لا تمكنهم من استيعاب مثل هذه الأخبار
لكنا في هذا العصر أبصرنا ذلك وسمعناه
وأصبح جزءا من حياتنا اليومية أضف إلي ذلك النت ومايرافقه من برامج وتطبيقات فالواحد منا لديه جهاز تلفون يصور ويكتب به ما يريد ثم يقوم بأرساله إلى من يريد في جميع أنحاء الكرة الأرضية فهي عملية كتابه أو تصوير وإرسال بما يرافق ذلك من تفرقة للمواد المرسلة إلي ذرات ثم جمعها وإعادتها مرة أخرى في أجهزة أخرى بعد أن اختلطت بجميع ما يتم إرساله من آخرين واستقباله بأجهزتهم في أنحاء العالم بكل سهولة و بسرعة فائقة وبكبسة زر وكما هو معلوم ومشاهد !
مما يجعل الشخص المنصف يوقن بقدر الله في إعادتنا وكل ما عملناه مرة أخرى بعد أن نصير ترابا وذرات متفرقة في جميع أنحاء الكون بلمحة بصر ..
فسيدعونا الله في يوم البعث ﴿ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾
عندئذ يقول من كان يكذب به ( ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ) بعد أن تبدلت الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار .
ستحمل الأرض وتدك وتنقلب إلي غبار وذرات متناثرة
(وَحُمِلَتِ ٱلْأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَٰحِدَة ) فيعيد الله بعد ذلك كل شيئ إلي أصله وهذا لم يعد مستحيلا عقلا في هذا العصر بل أصبح متحققا علميا ومنطقيا
وأمر الله كلمح البصر
(وما أمره إلا واحدة كلمح بالبصر ) يستطيع أن يعيد الأرض وما فيها تارة أخري بعد أن يدكها ويبعثرها ؟
فهو على كل شيئ قدير ( يوم يجمعكم ) بإعادتنا كما كنا أحياء
لماذا ..؟
( ليوم الجمع )
وهو اليوم الذي سيجمع الله فيه الأولين والآخرين في صعيد واحد يوم الحساب ( يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ )
يوم يحشر ويزوج الله الأجساد المتفرقة
سالبها وموجبها
أرواحها وأجسامها وأعمالها
( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ )
بعد أن كانت ذرات لا ترى بالعين (وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً{49} قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً{50} أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبا.ً)
فاللاقط أو الداعي لإشارات البث التلفزيوني في أطباق الأقمار الصناعية هو جهاز LNB من صنع البشر وغيره من الأجهزة الأخرى وأجهزة التلفون ..
لكن الداعي والحاشر والجامع لنا يوم القيامة هو الله ﴿ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ۚ ذَٰلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾
لنتأمل بإنصاف ..
في قدرة الله الذي سيجمعنا بعد أن نكون ترابا وذرات متفرقة بعد الموت مرة أخرى مع بقية المخلوقات بدعوة منه وكيف أنه جعل لكل مخلوق من مخلوقاته شفرة في الحمض النووي والجينات بمثابة الترقيم ليميزها عن غيرها مما خلقه كشفرات الترددات الرقمية التي تميزها عن بقية الترددات والحزم المختلفة في الفضاء ...
وإذا كان الله قد أرى سيدنا إبراهيم كيف يحيي الموتى مرة واحدة فهو يرينا ذلك كل يوم ونقف عليه عدة ساعات
وقد علمنا بأن سيدنا إبراهيم عليه السلام قد طلب من الله أن يريه كيف يحيي الموتى فأراه بما يشبه ماأوضحناه بعاليه مع الفارق حيث قال الله تعالى : -
( وإذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )
نتأمل .. اربعة من الطير سليمة
ذبحها وفرق شحمها وعظمها ولحمها ثم جمعها ذلك وقسمه مرة أخرى وجعل علي كل جبل منهن جزءا ثم دعاهن فأتينه سعيا فكان سيدنا إبراهيم هو الداعي لها بعد أن كانت مخلوطة ببعضها ومفرقه فاجتمعت واندمج كل عضو في أصله وتجمع وبعد ذلك طارت إليه كما كانت قبل أن يذبحها ،
وهناك علاقة بين هذه المعجزة وبين عملية البث والإرسال التلفزيوني من حيث التفريق والبث في الأجواء وكذلك التجميع والإعادة وبين الطيور من حيث التفريق والتجميع في الهوء والوصول إلي إبراهيم من الأجواء بعد الطيران ..!!
فالقرآن جاء بالحق والعلم ومن يجادل فيه إنما يجادل بمنطق الجهل ..
أليست عملية الإرسال والإستقبال التلفزيوني ونشر هذا الموضوع على النحو الذي أوضحته دليل على صحة ما أخبرنا به الله من أنه سيدعونا بعد مماتنا فنخرج إليه أحياء .. ؟ { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَدْعُو الداع إلى شَىْءٍ نُّكُرٍ * خُشَّعاً أبصارهم يَخْرُجُونَ مِنَ الاجداث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ * مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع يَقُولُ الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ }
( يَوْمَئِذٍۢ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِىَ لَا عِوَجَ لَهُۥ ۖ وَخَشَعَتِ ٱلْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا )
وقال (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ )
﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ۚ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾
وقد يقول قائل من المتحمسين ومعه عذره !! : -
لا يجوز لك أن تقارن بين ماتوصل إليه العلم بشأن عمليات البث والإستقبال التلفزيوني وبين قدرة الله على إحياء الموتى !
فأرد عليه : -
بأني لم أقارن بين قدرة الله وقدرة البشر وإنما أوضحت أن ما كان مستحيلا عند الناس قديما أصبح غير مستحيل في هذا العصر وبالتالي فإن عدم استيعاب العقل البشري لعملية البعث والنشور لا يعني عدم تحققها فسيأتي اليوم الذي نشاهد فيه ذلك ( لِّكُلِّ نَبَإٍۢ مُّسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )
وعملية الإرسال والإستقبال التلفزيوني ذكرتها هنا كمثل نستتبط منه عدم استحالة البعث عقلا .
( لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ۖ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
ثم أن الله هو الذي علم الإنسان مالم يعلم وبما أذن له أن يتعلمه من علمه قال تعالى (یَعۡلَمُ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۖ وَلَا یُحِیطُونَ بِشَیۡءࣲ مِّنۡ عِلۡمِهِۦۤ إِلَّا بِمَا شَاۤءَۚ وَسِعَ كُرۡسِیُّهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ وَلَا یَـُٔودُهُۥ حِفۡظُهُمَاۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِیُّ ٱلۡعَظِیمُ﴾ [البقرة ٢٥٥]
وقال تعالى
( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)
وبهذا أرجو أن أكون قد وفقت في هذا الطرح إلى إثبات عدم استحالة الإحياء والإعادة بعد الموت و بما فيه إزالة شبهات الجاهلين وجهالاتهم .
أماالمؤمنون فهم يوقنون بيوم الوعد وبأن قدرة الله فوق كل شيئ ..
( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون * فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيئ وإليه ترجعون )
( " رَبّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْت وَاتَّبَعْنَا الرَّسُول فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ" )
ملحوظة : -
إعذروني هنا على التطويل فقد رغبت أن أكتب شيئا ليوزن في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم إنتهت الملحوظة