وزن المسحوب ووزن السريع هل بينهما علاقة؟
*******
كثر الحديث عن المسحوب وهل هو وزن مستقل عن أوزان الفراهيدي أم أنه ينسب للسريع بعد (ترفيله) وحتى أبين وجهة نظري بوضوح أكثر ودون التوسع لمواضيع أخرى لا علاقة لها بالموضوع كما حدث في الحوارات الأخيرة عن المسحوب.
سأستعرض أولا وزن السريع المعتمد في الشعر العربي:
السريع المعتمد في النظم هو:
مستفعلن مستفعلن فاعلن * مستفعلن مستفعلن فاعلن
وهذا الوزن وضعه الفراهيدي في دائرة المشتبه واستنبطه من البحر الأول الأساسي في الدائرة وهو:
مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ * مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ
وبالطبع أفترض الفراهيدي زحافات في (مفعولاتُ) هي:
تسكين آخر الوتد المفروق (مفعولاتْ)
حذف الساكن السابع لينتج (مفعولن)
طي التفعيلة بحذف الحرف الرابع الساكن لينتج (فاعلن)
(وسوف لن أتحدث بالأرقام وسأكتفي بالترميز العروضي حتى يكون الموضوع مفهوما من قبل من يتابعه).
أي أن التفعيلة تتكون من سبب خفيف /ه + سبب مزاحف / + وتد مفروق مقطوع /ه
وجاء الضرب الأول في السريع:
مستفعلن مستفعلن فاعلن * مستفعلن مستفعلن فاعلاتْ
و(فاعلاتْ) هنا ليست (تفعيلة مذيلة) كما يظن بعضهم بل هي:
مفعولاتُ , تم تسكين آخرها وطيها فأصبحت (فاعلاتْ)
أي أن الضرب يتكون هنا حسب ترميزه العروضي ( سبب خفيف /ه + سبب مزاحف / + وتد مفروق تم تسكين آخره /ه ه ).
وهذا الضرب الأول للسريع لا يجوز فيه أي إضافة أخرى.
ومن يدعي أنه يمكن استنباط المرفل منه بعد أن يحرك الحرف الأخير الساكن ويشبعه عليه أن يثبت وجود وتد مجموع في وزن السريع في الأعاريض والضروب.
ثانيا: هل وزن السريع لا يمكن استنباطه من وزن الرجز؟
هذا السؤال مهم جدا فالتداخل بين سريع المشتبه ووزن الرجز وارد جدا.
وكما لاحظت أن مراجع العروض تذكر (شطرا) من السريع على أنه مشطور السريع والشاهد الذي تذكره يقول عنه المحقق أنه من (أرجوزة) لشاعر عربي مشهور (أموي وعباسي) وعاصر الفراهيدي وهو رؤبة بن العجاج والذي حينما توفاه الله قال عنه الفراهيدي " اليوم دفنّا الشعر واللغة والفصاحة"
ونعرف أن الأراجيز هي أشطر من الرجز وليس من سريع المشتبه , وسأعالج هذا الموضوع في بحث آخر.
ولاستنباط السريع من الرجز:
الرجز: مستفعلن مستفعلن مستفعلن * مستفعلن مستفعلن مستفعلن
أي أن العروضة والضرب هي مستفعلن أي أنها ( سبب خفيف /ه + سبب خفيف /ه + وتد مجموع //ه)
وبقطع الوتد المجموع تتحول مستفعلن إلى مفعولن (/ه + /ه + /ه)
وبطيها بحذف الساكن من السبب الثاني تتحول إلى (سبب خفيف /ه + سبب مزاحف / + وتد مجموع مقطوع /ه)
وهذه فاع لن (/ه,/ /ه) وتساوي فاع لن (/ه, /, /ه) في وزن السريع.
إذن التغييرات هي نفس التغييرات على (مفعولات) في المشتبه.
فالتغييرات حدثت أولا على الوتد المفروق في المشتبه بينما في الرجز على الوتد المجموع ثم حذف ساكن السبب الثاني والنتيجة واحدة (فاع لن /ه, /, /ه)
لذا كان يمكن أن يكون السريع مشتقا من الرجز.
وفي هذه الحالة أيضا لا يمكن إضافة حرف ساكن أو إضافة سبب خفيف كي يقال أنه (سريع مرفل.
وسؤالي هنا لمن يقول بأن المسحوب هو مرفل السريع هل يجوز تحويل (مفعولات) إلى فاعلاتن) وبأي منهج هذا أدى لاختفاء وتد مفروق وظهور وتد مجموع في تفعيلة سباعية ؟

ثالثا:
أما إذا اعتمدنا أن السريع وزن مستقل ولا علاقة له بدائرة المشتبه:
1 - مستفعلن مستفعلن فاعلن * مستفعلن مستفعلن فاعلن
فتدويره باعتماد أن فاعلن تتركب من سبب خفيف + وتد مجموع
ستنتج لدينا الأوزان التالية:
2 - مفاعيلن مفاعيلن فعولن * مفاعيلن مفاعيلن فعولن (الهزج المحذوف سبب من آخره) ووزن نراه كثيرا في الوافر عند عصب (مفاعلتن)
3 - فاعلاتن فاعلاتن فاعلن * فاعلاتن فاعلاتن فاعلن (الرمل المحذوف)
4 - فعولن مفاعيلن مفاعيلن * فعولن مفاعيلن مفاعيلن (معكوس الهزج المحذوف)
5 - فاعلن فاعلاتن فاعلاتن * فاعلن فاعلاتن فاعلاتن (معكوس الرمل المحذوف)
6 - مستفعلن فاعلن مستفعلن * مستفعلن فاعلن مستفعلن (مجزوء البسيط)
7 - مفاعيلن فعولن مفاعيلن * مفاعيلن فعولن مفاعيلن (مجزوء المستطيل)
8 - فاعلاتن فاعلن فاعلاتن * فاعلاتن فاعلن فاعلاتن (مجزوء المديد)

ومن الواضح أن تدويره وفق ما افترضته ينتج أوزانا معروفة في أوزان الشعر العربي.
وهذا البناء الشعري يمكن أن يعتمد لدائرة خاصة تعتمد في بنائها على تفعيلتين سباعيتين وتفعيلة خماسية خاصة وأن بعض الأوزان التي ظهرت ضمنها الفراهيدي في بحور أخرى تامة واعتبرها من المجزوء وبعضها (مجزوء وجوبا).
في هذه الحالة يمكن اعتبار المسحوب:
مستفعلن مستفعلن فاعلاتن * مستفعلن مستفعلن فاعلاتن
أنه من السريع المرفل (عروضة وضربا) أي بإضافة سبب خفيف للوتد المجموع في (فاعلن) لأن فاعلن هنا تتكون من (سبب خفيف /ه + وتد مجموع //ه) وبالترفيل سيتم إضافة (سبب خفيف /ه) على التفعيلة وتصبح (سبب خفيف + وتد مجموع //ه + سبب خفيف /ه)
كما أن الضرب الأول في السريع (فاعلاتْ) يمكن اعتباره في هذه الحالة تذييلا للضرب بإضافة حرف ساكن , وعروضيا يجب أن يعتبر هذا هو الضرب الثاني لأن التذييل عادة يأتي بمرتبة بعد الضرب السليم.
وطبعا عند التدوير يجب إعادة العروضة والضرب للأصل بحذف ما لحقها من زيادة أو نقصان أي نعود للدائرة التي نتجت أعلاه, وهذا منهج الفراهيدي عند التدوير.
علما بأن منهج الفراهيدي لم يجز الترفيل في الأعاريض بل في الضروب فقط إلا عند التصريع.
وأول شاعر عربي كبير تعامل مع الوزن على أساس هذا الافتراض هو البحتري بأبياته:
إِن رَقَّ لي قَـلبُـكِ مِمّـا أُلاقي * مِن فَرطِ تَعـذيبٍ وَفَرطِ اِشتِياق
وَجُـدتِ بِـالوَصــلِ عَـلى مُـغــرَم * فَزَوِّديـنـي مِنـكِ قَبـلَ اِنطِلاق
إِن أَنـتِ وَدَّعـتِ بِـتَــقــبــيــلَةٍ * كانت يَداً مَشـكـورَةً لِلفِراق

ومن الواضح أنه اعتمد العروضة (فاعلن) بوتد مجموع والضرب جاء مرفلا بزيادة سبب أما البيت الأول فهو مصرع لذا جاءت العروضة كالضرب مرفلة.
وهذه الفرضية تخالف منهج الفراهيدي باعتبار وزن السريع من دائرة المشتبه.
لكن بما أن السريع الذي اعتمده الفراهيدي ليس في عروضته وضربه أي وتد مجموع لذا لا يجوز الترفيل ومن قال إن المسحوب هو سريع مرفل فقد أخطأ وخالف منهج الفراهيدي.

رابعا:
ثم نأتي لما يترتب على ذلك وهو عدم عائدية المسحوب لبحر السريع أو حتى الرجز وفق قواعد الفراهيدي.
إذن لا خيار أمامنا إلا أن نجري على الوزن عملية تدوير:
مستفعلن مستفعلن فاعلاتن * مستفعلن مستفعلن فاعلاتن
وبمجرد تحريك السبب الأخير إلى أول البيت يظهر ما يلي:
مفعولات مفعولات مستفعلن * مفعولات مفعولات مستفعلن
وهذا يعني أن الدائرة العروضية بوتدين مفروقين وتنتج الأوزان التالية:
1 – مستفع لن مستفع لن فاعلاتن * مستفع لن مستفع لن فاعلاتن
2 مفعولات مفعولات مستفعلن * مفعولات مفعولات مستفعلن
3 مفاعيلن فاع لاتن فاع لاتن * مفاعيلن فاع لاتن فاع لاتن
4 فاعلاتن مستفع لن مستفع لن * فاعلاتن مستفع لن مستفع لن
5 مستفعلن مفعولات مفعولات * مستفعلن مفعولات مفعولات
6 فاع لاتن مفاعيلن فاع لاتن * فاع لاتن مفاعيلن فاع لاتن
7 مستفع لن فاعلاتن مستفع لن * مستفع لن فاعلاتن مستفع لن
8 مفعولات مستفعلن مفعولات * مفعولات مستفعلن مفعولات
9 فاع لاتن فاع لاتن مفاعيلن * فاع لاتن فاع لاتن مفاعيلن

وواضح أن الدائرة تنتج 9 أوزان لأن الشطر الواحد يتكون من تسعة مقاطع عروضية وهو الأمر المشابه لدائرة المشتبه والتي تعتمد على وتد مفروق واحد.
كما أن أسلوب البناء الشعري يعتمد على استخدام تفعيلتين سباعيتين متشابهتين وتفعيلة سباعية تختلف عنهما وهذا عكس دائرة المشتبه التي تعتمد تفعيلتين بوتد مجموع وتفعيلة واحدة بوتد مفروق.
ولو عدنا للأصل في البناء كمقارنة:
مستفعلن مستفعلن مستفعلن (الرجز في دائرة المجتلب)
البناء في كل تفعيلة (سبب خفيف /ه + سبب خفيف /ه + وتد مجموع //ه)
مستفعلن مستفعلن مفعولات (السريع في دائرة المشتبه)
البناء في التفعيلة الثالثة (سبب خفيف /ه + سبب خفيف /ه + وتد مفروق /ه/)
مستفع لن مستفع لن فاعلاتن (المسحوب في دائرة المسحوب)
البناء هنا في التفعيلتين الأولى والثانية (سبب خفيف /ه + وتد مفروق /ه/ + سبب خفيف أما التفعيلة الثالثة فهو (سبب خفيف /ه + وتد مجموع //ه + سبب خفيف /ه)
أما التفعيلة الأخرى (مفاعيلن) فلا يمكن أن تأتي في النظم لأن التدوير ينتج مقاطع لا يمكن قراءتها وفق تفعيلات العروض في الشعر العربي, إضافة لتوالي ثلاثة أسباب خفيفة في الحشو عند التدوير وهو لا يجوز في بحور الشعر العربي.

خامسا:
ربما يتحفظ بعضهم على اعتماد وتدين مفروقين في دائرة عروضية, أو من يتحفظ على تدوير وزن السريع بتفعيلتين سباعيتين وتفعيلة خماسية, وبما أننا نبحث عن وزن مكافئ للسريع بوتد مجموع في عروضته وضربه فهناك احتمال آخر وهو ما يلي:
وزن السريع المطلوب: مستفعلن مستفعلن فاعلن * مستفعلن مستفعلن فاعلن
نعتبر الوزن هو مجزوء من وزن يتضمن تفعيلتين سباعيتين وتفعيلتين خماسيتين كما هو في دائرة المختلف لكن بتغيير أسلوب البناء في توالي التفعيلات أي أن الوزن التام هو:
مستفعلن مستفعلن فاعلن فاعلن * مستفعلن مستفعلن فاعلن فاعلن
وبتدويره تنتج الأوزان التالية:

1 - مستفعلن مستفعلن فاعلن فاعلن * مستفعلن مستفعلن فاعلن فاعلن
2 - مفاعيلن مفاعيلن فعولن فعولن * مفاعيلن مفاعيلن فعولن فعولن
3 - فاعلاتن فاعلاتن فاعلن فاعلن * فاعلاتن فاعلاتن فاعلن فاعلن
4 - فعولن مفاعيلن مفاعيلن فعولن * فعولن مفاعيلن مفاعيلن فعولن
5 - فاعلن فاعلاتن فاعلاتن فاعلن * فاعلن فاعلاتن فاعلاتن فاعلن
6 - فعولن فعولن مفاعيلن مفاعيلن * فعولن فعولن مفاعيلن مفاعيلن
7 - فاعلن فاعلن فاعلاتن فاعلاتن * فاعلن فاعلن فاعلاتن فاعلاتن
8 - مستفعلن فاعلن فاعلن مستفعلن * مستفعلن فاعلن فاعلن مستفعلن
9 - مفاعيلن فعولن فعولن مفاعيلن * مفاعيلن فعولن فعولن مفاعيلن
10 - فاعلاتن فاعلن فاعلن فاعلاتن * فاعلاتن فاعلن فاعلن فاعلاتن
وهنا يمكن أن نلاحظ ما يلي:
1 – أن وزن السريع هو مجزوء الوزن الأول بحذف التفعيلة الرابعة.
2 – أن وزن المسحوب هو من الوزن الأول بعروضة وضرب حذف منها الوتد بما يسمى عروضيا (الحذو) أي أن المسحوب هو (مستفعلن مستفعلن فاعلن فا) وتقرأ (فاعلن فا) فاعلاتن.
3 – مجزوء الوزن الثامن (مستفعلن فاعلن فاعلن ) هو وزن أطلق عليه الدكتور عمر خلوف (بحر اللاحق), (والذي يمكن أيضا اشتقاقه من مجزوء البسيط حسب وجهة نظري والفرق أيضا في مقاطع فاعلن هل هي بوتد مجموع أو بالمتبقي من مستفعلن)
ولن أتحدث عن بقية الأوزان لأنها أيضا يمكن أن تتطابق مع أوزان مجزوءة أخرى في الشعر العربي.
تم وضع كافة الاحتمالات بمخططات بيانية وهي كما يلي:
1 – اللوحة الأولى تمثل تدوير وزن السريع من دائرة المشتبه.
2 – اللوحة الثانية تمثل تدوير وزن السريع المشتق من بحر الرجز في دائرة المجتلب.
ويظهر تطابق المخططين لأن العروضة والضرب (فاع لن) هي نفسها في الاشتقاقين. ويظهر باللون الأحمر موقع الوتد الذي تم قطعه وموقع زحاف الطي في العروضة والضرب.
3 – اللوحة الثالثة تمثل تدوير وزن السريع باعتباره وزنا مستقلا وفيه العروضة والضرب بوتد مجموع أي (فاعلن), وتظهر أرقام الأوزان الأخرى على المخطط.
4 – اللوحة الرابعة تمثل تدوير وزن المسحوب باعتباره وزنا مستقلا والتي تظهر ضرورة اعتماد وتدين مفروقين لضمان التدوير, وتظهر أرقام الأوزان على المخطط.
5 – اللوحة الخامسة تمثل تدوير الوزن التام للسريع باعتباره مجزوءا من التام, وتظهر أرقام الأوزان الأخرى على المخطط.

وسأترك اختيار الاحتمال الأكثر واقعية لكم, كما أدعو من لديه وجهة نظر أخرى أن يتفضل بها.
تحياتي وتقديري

وللاطلاع على المخططات يمكن فتح صفحة الرابطة على الرابط التالي:

https://web.facebook.com/groups/rabi...6150967793299/