جيلنا ... المفلس
لم تزل ابنتي ذات السنين التسعة تلح علي في التساؤل , لماذا ياأبي نحن نجوع ثم نفطر على مزاج من ينادي للصلاة ؟؟
ولقد استعجلها جدها بالنهر بان تكف عن طرح هذه الاسئلة التي سماها ..خطيرة قال لها ان الله اراد ذلك فما كان منها وهي تزداد حيرة لترد بان الل لايخلق احد ويعذبه ثم لاذت هاربة خائفة يائسة من جدها
والسؤال الان
هل نحن حقا" مهتمين بتنشئة عقول أطفالنا؟!
هل حقا" نسعى إلى تنمية مداركهم وبشكل جاد وممنهج بل كيف يتسنى لنا ترسيخ مفهوم الاستقلالية في أذهانهم؟!
ام اننا نباهي الامم بممارسة السيطرة التامة على اجيالنا، حين نصر على مطالبتهم بالتزام الهدوء طوال الوقت، وحرمانهم من اية فرصة للتعبير عن تطلعاتهم وهم يشرحون لنا رغباتهم ويعرضون لنا اعتراضاتهم
حتى وجدنا انفسنا مفلسين من الجيل الطموح المتطلع الى التبصر والرؤية المجدية لما يحيطنا يوم ان تبنينا مفاهيم التربية الصارمة وأشعنا القبضة الحديدية على سلوكهم، فساهمنا في بناء شخصيات ليست قوية في أعماقها
حاصرتني هذه التساؤلات، وتحسرت كيف ان الغرب يعد جيله في فن ادارة الذات من سن الثالثة فما فوق واضعين بذرة الابداع في شخصية هذا الطفل ليبني بداخله حبه لمهنته التي يتمناها في المستقبل حين يحلم الطفل باختيارها اذا ماكبر، والاهم انهم يصنعون له ارادته في رغبته
وحدها احترام رغبات طفل المستقبل، هي الطريق السليم لبناء مجتمعات متحضرة، قادرة على الإمساك بزمام الغد، وعلى إدارة دفة التقدّم في أوطانها• كما أن تشجيع الطفل على خوض التجارب على أنواعها، سيساهم في بناء شخصيته، وسيساعده على التمسك بخياراته، عندما يدخل معترك الحياة، من خلال الاستقلالية التي غرسها أهله في أعماقه•
ومما زادني قلقا" وحسرة تلك البرامج التي تدعي رعايتها للمواهب الغنائية مدعية لنفسها ... مسمى صناعة النجوم
ويتهافت عليها الساذجين ، معتقدين أنها الأضمن للكسب السريع، ومؤلم ان نشاهد الأجيال الجديدة وقد غدت تحمل ثقافة هشة، لا شأن لها بكل المجريات التي تحدث من حولها،
ان المسألة بالغة الخطورة ان تنمو اجيالنا العربية وهي مفلسة من الرؤية المجدية والحلم بالغد الزاهر, اجيال لا تتبنّى قضايا معينة، أو تتمسك بثقافتها، أو تُشيّد أحلامها بجديّة، كلها للأسف صارت تحمل في ذهنها، أوهاماً تطير على بساط الريح، مع حكايات سندباد البحري او عنتريات ابو زيد الهلالي
متى اذن يتسنى للامة صناعة أبطالهم، وتهيئ النشء الجديد لحمل شعلة الغد، وتحتضن من يتوسمون فيهم بذرة العبقرية والإبداع، اما كفانا الوقوف متفرجين في معركة صناعة الجيل الانور
إن تشجيع الأطفال على اختيار ما يريدونه، وتحميلهم مسؤولية قراراتهم، سيخلق على المدى البعيد، أجيالاً تدرك خطواتها، أجيالاً قادرة على أن تسير على الدرب الصحيح، أجيالاً واعية لتوجهاتها، عارفة ببواطن الأمور، التي تُحلّق فوق رأسها، أجيالاً قادرة على أن تقول لا، لكل عناصر التعرية الفكرية التي تريد أن تلوكها بأضراسها، أو في استخدامها كوسائل لتحقيق مآرب تخريبية
.....................