عيد ميلاد...

إنك حقا شبيه بالبشر، مالكا يدين ورأسا بين كتفين، ماشياً على اثنتين، وماذا بعد ؟ إنك تشبههم فقط ، والشّبَه والمماثلة أدنى درجات الأصالة... حقا إنك تشبههم لكن لستَ منهم... وقد يُقبل الشّبهُ إذا قيل: ما أشبهَ محمّداً بِرشيد، ولكن ماذا إن قيل: ما أشبهَ سُعْدى بسعيد ؟ ألستَ ترى من سفاهة العقل أن يُناظِر المِلحُ السُّكَّرَ وإن اشتركا في البياض ؟ وكم بين المسك والفحم وكلاهما من جِلدة سوداء ؟ وإن كنتَ تحمل جلداً يستُر لحمك فماذا بَعْدُ ؟ اعرض نفسك في سوق النّاسِ اليومَ حينها ستعلم كم يُدفع فيك !!
في عيد ميلادي لا حلوى تُقطع، ولا شموعَ يُزفرُ فيها لإطفائها، ولا أناشيد تُغنّى أو تُردّد على الأقل كتراتيل المآتم، ولا ألعابَ كالشُّهُب توقد لتملأ الفضاء نوراً... لا شيء من هذا كلّه كان أو سيكون، لأن السّرّ رُبّما في القلم الذي خطّ اسمي يومَ وُلدتُ في سِجِلّ الوفيات عوض سجلّ المواليد؛ والحق أن القلم ذَيّاكَ كان يعلم أني محض مولودٍ ميّتٍ أو ميّتٍ مولود... لا أدري... فهو عيدُ وفاة إذن، كأن الوجود في حقّي مكروه أو جائز في أحسن الأحوال...
أتعرفين يا نفسي لمّا طَوَتِ الدُّنيا أمام عيني بعضَها على بعض، عرفتُ _ على غفلة وسذاجة_ أن بعضنا يولدُ فقط وفقط لسدّ فراغاتٍ أربعة في الذين يُسمّون البشر، بمعنى أننا نحس بوجودنا بين أولئك :
_ إذا أحسّوا بفراغ في جيوبهم، حينها تكون مولوداً بالقوّة وبالجبر وبالفعل وبالقدر وبالإيمان وبالإلحاد وبكل معجم متاح...فبحثون عنك ولو باستعمال الأقمار الصناعيّة... لأنك حينئذ تتحوّل إلى آلهة اسمها "درهمٌ " ...
_ إذا أحسّوا بفراغ في عقولهم، حينها يُخرجونك من بطن العدم إلى الدُّنيا قيصريّا، لتملأ دفاترهم وكنانيشهم وأوراقهم... لأنك حينئذ ستمنحهم طيلساناً علميّاً يرفع أقدارهم... وقس على كلّ غرض...
_ إذا أحسّوا بفراغ في أوقاتهم، حينها سيصلون إليك زحفاً أو مشيا على يَدَيْن، لتلعب دور "بهلولٍ " أو " أبي دُلامَةَ " أو أمثالهما، لأنك حينئذ محضُ مَن يُزجى بهم الوقت ويُمضغ بهم الزّمن ويُرفع بهم الملل...
.... أما المستثنون من أصحاب الفراغات الثلاثة فهم قِلّة ويُجمعون في سلّة وحبلهم متّصل بحبلك بلا تَعِلَّة...

أنا البريءُ ولم تبرحْ تُعذِّبُني // فليتَ لي بينَ أقدارِ الدُّنا فادي
أهكذا صُحْبَةُ الدُّنيا التي ذكروا // أمِ الصِّحابُ في وادٍ وهي في وادي ؟
رحماكَ يا ربِّ عجِّلْ بالمماتِ إذا // قدَّرتَ أنَّ لهذا كانَ ميلادي

في الحقيقة
في يوم مولدنا علينا ألا نحتفي فيه أصلاً
ففي كل يوم يمر علينا يُخصم من عمرنا ، فلمَ الاحتفال به؟ ولماذا نغني له؟
الأجدى أن نبكي على سنة مضت منا وذابت في الوقت
..
على الرغم من التعبير الجميل عن يوم ميلادك
لكن القارئ له يشم فيه تشاؤماً
قل : يا رب
تحياتي ... ناريمان

كل عام وفي هذا اليوم احتفل بكل ما تحمله في قلبك من صفاء ونقاء
بإن هذا اليوم هو يوم ميلاد عبور وبناء وبلوغ محطة تحتضن أهداف أكبر
وبناء طموحات جديدة وأحلام أوسع.
فهنيئا لكل من أبدع في تشكيل أيامه بشتى الألوان.
اطفئ اليوم أخطاء وهفوات مضت في عمرك ، أطفئ كل الأحزان والآهات
وأشعل شموع الغد بكل معاني الأمل لتنير لك طريق المستقبل.