قراءة فى رسالة بيان حكم الأوراد البدعية والشركية المنسوبة إلى علي بن أبي طالب
الرسالة مؤلفها عبد العزيز بن باز وهى تتمثل فى سؤال طرحه أحدهم عن حكم بعض الأدعية والأوراد المنسوبة لعلى بن أبى طالب والتى تقرأ فى المساجد أو مجالس الذكر بعد صلاة المغرب والسؤال هو :
"من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم (. . . . . . . . . .) وفقه الله لكل خير آمين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فقد وصل إلي كتابكم الكريم وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة أنه يوجد في بلادكم أناس متمسكون بأوراد ما أنزل الله بها من سلطان منها ما هو بدعي ومنها ما هو شركي وينسبون ذلك إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره ويقرؤون تلك الأوراد في مجالس الذكر أو في المساجد بعد صلاة المغرب زاعمين أنها قربة إلى الله كقولهم:
بحق الله رجال الله أعينونا بعون الله وكونوا عوننا بالله.
وكقولهم: يا أقطاب ويا أوتاد ويا أسياد أجيبوا يا ذوي الإمداد فينا واشفعوا لله هذا عبدكم واقف وعلى بابكم عاكف ومن تقصيره خائف أغثنا يا رسول الله ومالي غيركم أذهب ومنكم يحصل المطلب وأنتم خير أهل الله بحمزة سيد الشهداء ومن منكم لنا مددا أغثنا يا رسول الله.
وكقولهم: اللهم صل على من جعلته سببا لانشقاق أسرارك الجبروتية وانفلاقا لأنوارك الرحمانية فصار نائبا عن الحضرة الربانية وخليفة أسرارك الذاتية، ورغبتكم في بيان ما هو بدعة وما هو شرك، وهل تصح الصلاة خلف الإمام الذي يدعو بهذا الدعاء كل ذلك كان معلوما.
وكانت إجابة المفتى هى:
والجواب: ..أما بعد: فاعلم - وفقك الله - أن الله سبحانه إنما خلق الخلق وأرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام ليعبد وحده لا شريك له دون كل ما سواه كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
والعبادة: هي طاعته سبحانه وطاعة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - بفعل ما أمر الله به ورسوله وترك ما نهى الله عنه ورسوله، من إيمان بالله ورسوله وإخلاص لله في العمل مع غاية الحب لله وكمال الذل له وحده كما قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} أي أمر وأوصى بأن يعبد وحده، وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ - إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
أبان سبحانه بهذه الآيات أنه هو المستحق لأن يعبد وحده ويستعان به وحده، وقال عز وجل: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ - أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} وقال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} "
والتعليق على إجابة المفتى وهى جواب صحيح ولكنه لا يفسر معنى الاستعانة بالله تفسيرا كثيرا فليست الاستعانة سوى الأخذ بالأسباب التى قررها الله مع الدعاء فمثلا المريض لا يكفيه أن يدعو الله أن يشفيه وإنما يكفيه الدعاء مع الذهاب للطبيب ليعالجه فيكون أطاع أمر الدعاء وأمر التداوى ومثلا محتاج المال لا يكفيه أن يقعد ويطلب بالدعاء الرزق من الله وإنما عليه أن يسعى إلى العمل مع الدعاء ومثلا من يريد زوج لابنته لا يكفيه أن يدعو أن يرزقها بابن الحلال وهى جالسة فى البيت لا يعرفها أحد ولا تخرج منه وإنما عليه أن يعرف الناس أن لديه ابنة فى سن الزواج لعل الله يجعل من يطلب يدها للزواج
ومثلا من وقع فى الطريق وانكسر أو عجز عن القيام لا يكفيه أن يدعو الله وإنما عليه أن ينادى على الناس لينقذوه فطلب العون من الآخرين الأحياء هو استعانة بالله لأن الله هو من شرع مساعدة الناس كما قال :
" وتعاونوا على البر والتقوى"والتداوى والسعى كما قال تعالى:
" فامشوا فى مناكبها "وغيره
وقال مفسرا الاستعانة بالأحياء على أنها استعانة بالله فقال :
"وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} والآيات في هذا المعنى كثيرة وكلها تدل على وجوب إفراد الله بالعبادة، ومعلوم أن الدعاء بأنواعه من العبادة فلا يجوز لأحد من الناس أن يدعو إلا ربه، ولا يستعين ولا يستغيث إلا به عملا بهذه الآيات الكريمة وما جاء في معناها، وهذا فيما عدا الأمور العادية والأسباب الحسية التي يقدر عليها المخلوق الحي الحاضر فإن تلك ليست من العبادة بل يجوز بالنص والإجماع أن يستعين الإنسان بالإنسان الحي القادر في الأمور العادية التي يقدر عليها، كأن يستعين به أو يستغيث به في دفع شر ولده أو خادمه أو كلبه وما أشبه ذلك، وكأن يستعين الإنسان بالإنسان الحي الحاضر القادر أو الغائب بواسطة الأسباب الحسية كالمكاتبة ونحوها في بناء بيته أو إصلاح سيارته أو ما أشبه ذلك، ومن هذا الباب قول الله عز وجل في قصة موسى عليه الصلاة والسلام: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} ومن ذلك استغاثة الإنسان بأصحابه في الجهاد والحرب ونحو ذلك."
وتحدث عن الاستعانة بالأموات والشجر والحجر والجن فقال :
"الاستغاثة بالأموات والجن والملائكة والأشجار والأحجار:
فأما الاستغاثة بالأموات والجن والملائكة والأشجار والأحجار فذلك من الشرك الأكبر وهو من جنس عمل المشركين الأولين مع آلهتهم كالعزى واللات وغيرهما، وهكذا الاستغاثة والاستعانة بمن يعتقد فيهم الولاية من الأحياء فيما لا يقدر عليه إلا الله كشفاء المرضى وهداية القلوب ودخول الجنة والنجاة من النار وأشباه ذلك، والآيات السابقات وما جاء في معناها من الآيات والأحاديث كلها تدل على وجوب توجيه القلوب إلى الله في جميع الأمور وإخلاص العبادة لله وحده؛ لأن العباد خلقوا لذلك وبه أمروا كما سبق في الآيات وكما في قوله سبحانه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} وقوله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث معاذ - رضي الله عنه: «حق الله علي العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» متفق على صحته، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه: «من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار» رواه البخاري، وفي الصحيحين من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: «إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله» وفي لفظ: «فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله» وفي رواية للبخاري: «فادعهم إلى أن يوحدوا الله» وفي صحيح مسلم عن طارق بن أشيم الأشجعي رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه علي الله عز وجل» والأحاديث في هذا المعنى كثيرة"
والاستعانة بمن ذكرهم المفتى ممتنعة لم يأمر بها الله لأن لا وجود للاتصال بين الملائكة وبقية الجن وبين الناس المستعينين ومن ثم لا يمكن الاتصال بهم بطلب العون وأما الأموات فهم عاجزون عن العمل الدنيوى ولا وجود لوسيلة الاتصال بهم
وأما الشجر والحجر فلا وسيلة كلامية للاتصال بينهم وهم عاجزون عن عمل شىء للناس
ومن ثم الاستعانة بهم ممتنعة ولذلك لا يمكن أن يشرع الله الاستعانة بهم وتحدث عن التوحيد فقال :
"التوحيد هو أصل دين الإسلام وهو أساس الملة:
وهذا التوحيد هو أصل دين الإسلام وهو أساس الملة وهو رأس الأمر وهو أهم الفرائض وهو الحكمة في خلق الثقلين والحكمة في إرسال الرسل جميعا عليهم الصلاة والسلام كما تقدمت الآيات الدالة على ذلك، ومنها قوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ومن الأدلة على ذلك أيضا قوله عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} وقوله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} وقال عز وجل عن نوح وهود وصالح وشعيب عليهم الصلاة والسلام أنهم قالوا لقومهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} وهذه دعوة الرسل جميعا كما دلت على ذلك الآيتان السابقتان، وقد اعترف أعداء الرسل بأن الرسل أمروهم بإفراد الله بالعبادة وخلع الآلهة المعبودة من دونه كما قال عز وجل في قصة عاد أنهم قالوا لهود عليه الصلاة والسلام: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} فقال سبحانه وتعالى عن قريش لما دعاهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى إفراد الله بالعبادة وترك ما يعبدون من دونه من الملائكة والأولياء والأصنام والأشجار وغير ذلك: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} وقال عنهم سبحانه وتعالى في سورة الصافات {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ - وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة، ومما ذكرناه من الآيات والأحاديث يتضح لك- وفقني الله وإياك للفقه في الدين والبصيرة بحق رب العالمين- أن هذه الأدعية وأنواع الاستغاثة التي بينتها في سؤالك كلها من أنواع الشرك الأكبر؛ لأنها عبادة لغير الله، وطلب لأمور لا يقدر عليها سواه من الأموات والغائبين، وذلك أقبح من شرك الأولين لأن الأولين إنما يشركون في حال الرخاء، وأما في حال الشدائد فيخلصون لله العبادة لأنهم يعلمون أنه سبحانه هو القادر على تخليصهم من الشدة دون غيره، كما قال تعالى في كتابه المبين عن أولئك المشركين: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} وقال سبحانه وتعالى يخاطبهم في آية أخرى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا}
وتحدث عن أن الناس يحتجون بأنهم لا يقصدون الاستعانة بغير الله وإنما يقصدون الشفاعة فقال :
"فإن قال قائل من هؤلاء المشركين المتأخرين: إنا لا نقصد أن أولئك يفيدون بأنفسهم ويشفون مرضانا بأنفسهم أو ينفعونا بأنفسهم أو يضرونا بأنفسهم وإنما نقصد شفاعتهم إلى الله في ذلك!! .
فالجواب أن يقال له:
إن هذا هو مقصد الكفار الأولين ومرادهم، وليس مرادهم أن آلهتهم تخلق أو ترزق أو تنفع أو تضر بنفسها فإن ذلك يبطله ما ذكره الله عنهم في القرآن وأنهم أرادوا شفاعتهم وجاههم وتقريبهم إلى الله زلفى كما قال سبحانه وتعالى في سورة يونس عليه الصلاة والسلام: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} فرد الله عليهم ذلك بقوله سبحانه: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} فأبان سبحانه أنه لا يعلم في السماوات ولا في الأرض شفيعا عنده على الوجه الذي يقصده المشركون، وما لا يعلم الله وجوده لا وجود له لأنه سبحانه لا يخفى عليه شيء. . وقال تعالى في سورة الزمر: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ - إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ - أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} فأبان سبحانه أن العبادة له وحده وأنه يجب على العباد إخلاصها له جل وعلا؛ لأن أمره للنبي - صلى الله عليه وسلم - بإخلاص العبادة له أمر للجميع. . ومعنى الدين هنا: هو العبادة، والعبادة: هي طاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما سلف، ويدخل فيها الدعاء والاستغاثة والخوف والرجاء والذبح والنذر، كما يدخل فيها الصلاة والصوم وغير ذلك مما أمر الله به ورسوله"
وتحدث عن ابطال الواسطة او الشفاعة فقال:
"إبطال مقصد الكفار أنهم ما عبدوا الأولياء من دونه إلا ليقربوهم إلى الله زلفى:
ثم قال عز وجل بعد ذلك: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} أي يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فرد الله عليهم بقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} فأوضح سبحانه في هذه الآية الكريمة أن الكفار ما عبدوا الأولياء من دونه إلا ليقربوهم إلى الله زلفى، وهذا هو مقصد الكفار قديما وحديثا وقد أبطل الله ذلك بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} فأوضح سبحانه كذبهم في زعمهم أن آلهتهم تقربهم إلى الله زلفى وكفرهم بما صرفوا لها من العبادة، وبذلك يعلم كل من له أدنى تمييز أن الكفار الأولين إنما كان كفرهم باتخاذهم الأنبياء والأولياء والأشجار والأحجار وغير ذلك من المخلوقات شفعاء بينهم وبين الله واعتقدوا أنهم يقضون حوائجهم من دون إذنه سبحانه ولا رضاه كما تشفع الوزراء عند الملوك، فقاسوه عز وجل على الملوك والزعماء، وقالوا: كما أنه من له حاجة إلى الملك والزعيم يتشفع إليه بخواصه ووزرائه فهكذا نحن نتقرب إلى الله بعبادة أنبيائه وأوليائه، وهذا من أبطل الباطل لأنه سبحانه لا شبيه له ولا يقاس بخلقه ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه ولا يأذن في الشفاعة إلا لأهل التوحيد وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم وهو أرحم الراحمين لا يخشى أحدا ولا يخافه لأنه سبحانه هو القاهر فوق عباده والمتصرف فيهم كيف يشاء، بخلاف الملوك والزعماء فإنهم ما يقدرون على شيء ولا يعلمون كل شيء فلذلك يحتاجون إلى من يعينهم على ما قد يعجزون عنه من وزرائهم وخواصهم وجنودهم، كما يحتاجون إلى تبليغهم حاجات من لا يعلمون حاجته، فيحتاجون إلى من يستعطفهم ويسترضيهم من وزرائهم وخواصهم، أما الرب عز وجل فهو سبحانه غني عن جميع خلقه وهو أرحم بهم من أمهاتهم وهو الحاكم العدل يضع الأشياء في مواضعها على مقتضى حكمته وعلمه وقدرته فلا يجوز أن يقاس بخلقه بوجه من الوجوه، ولهذا أوضح سبحانه في كتابه أن المشركين قد أقروا بأنه الخالق الرازق المدبر وأنه هو الذي يجيب المضطر ويكشف السوء ويحيي ويميت إلى غير ذلك من أفعاله سبحانه."
والاستعانة بواسطة حية كطلب الدعاء من الغير مباح ولكنه ليس كواسطة لأن لابد أن يكون الدعاء من الغير ومن النفس معا كما طلب الله من نبيه(ص) أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات فقال :
" واستغفر للمؤمنين والمؤمنات "
مع استغفار المؤمنين والمؤمنات لأنفسهم فقال :
"فاستغفروه لذنوبهم"
والمثال أيضا :
طلب أبناء يعقوب(ص) منه أن يستغفر لهم كما قال تعالى :
"قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين قال سوف استغفر لكم ربى إنه هو الغفور الرحيم"
فهذه ليست نوع من الشفاعة أو الواسطة وإنما أمر إلهى وهو استغفار المسلم للمسلمين لأن الله حرم فقط الاستغفار للكفار فقال :
"ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم"
وتحدث عن اخلاص العبادة لله فقال :
"الخصومة بين المشركين وبين الرسل في إخلاص العبادة لله وحده
وإنما الخصومة بين المشركين وبين الرسل في إخلاص العبادة لله وحده كما قال عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} والآيات في هذا المعنى كثيرة، وسبق ذكر الآيات الدالة على أن النزاع بين الرسل وبين الأمم إنما هو في إخلاص العبادة لله وحده، كقوله سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ} {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} وما جاء في معناها من الآيات. وبين سبحانه في مواضع كثيرة من كتابه الكريم شأن الشفاعة فقال تعالى في سورة البقرة: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} وقال في سورة النجم: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} وقال في سورة الأنبياء في وصف الملائكة: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} وأخبر عز وجل أنه لا يرضى من عباده الكفر وإنما يرضى منهم الشكر، والشكر: هو توحيده والعمل بطاعته فقال تعالى في سورة الزمر: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} وروى البخاري في صحيحه «عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: يا رسول الله: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو قال: " من نفسه» " وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا» "
والخطأ فى الحديث الأول سعادة من قال لا إله إلا الله بالشفاعة والشفاعة أساسا واجبة بالأمر عليه وهى شهادة حق فى الأمة كما قال تعالى :
"وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا"
وفى كون الشفاعة شهادة حق وليس مطالبة بإدخالهم الجنة قال تعالى :
"ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم لا يعلمون
والخطأ فى الحديث الثانىهو أن لكل نبى دعوة مستجابة ويخالف هذا أن القرآن ذكر أدعية كثيرة للنبى (ص)مثل قوله "وقل رب زدنى علما "وقوله "وقال الرسول يا رب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا "فهنا دعوتان
ثم قال:
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وجميع ما ذكرنا من الآيات والأحاديث كله يدل على أن العبادة حق الله وحده، وأنه لا يجوز صرف شيء منها لغير الله لا للأنبياء ولا لغيرهم، وأن الشفاعة ملك لله - عز وجل - كما قال سبحانه: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} ولا يستحقها أحد إلا بعد إذنه للشافع ورضاه عن المشفوع فيه، وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد كما سبق، أما المشركون فلا حظ لهم في الشفاعة كما قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} وقال تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} والظلم عند الإطلاق هو الشرك كما قال تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وقال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} "
وتحدث ع عمل الصوفية فى بعض المساجد فقال :
"قول بعض الصوفية في المساجد وغيرها من التكلف والتنطع الذي حذر منه النبي:
أما ما ذكرته في السؤال من قول بعض الصوفية في المساجد وغيرها: اللهم صل على من جعلته سببا لانشقاق أسرارك الجبروتية وانفلاقا لأنوارك الرحمانية فصار نائبا عن الحضرة الربانية وخليفة أسرارك الذاتية. . إلخ.
الجواب:
أن يقال: إن هذا الكلام وأشباهه من جملة التكلف والتنطع الذي حذر منه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثا، قال الإمام الخطابي: المتنطع المتعمق في الشيء المتكلف البحث عنه على مذاهب أهل الكلام الداخلين فيما لا يعنيهم الخائضين فيما لا تبلغه عقولهم.
وقال أبو السعادات بن الأثير: هم المتعمقون المغالون في الكلام المتكلمون بأقصى حلوقهم مأخوذ من النطع وهو الغار الأعلى من الفم ثم استعمل في كل متعمق قولا وفعلا. وبما ذكره هذان الإمامان من أئمة اللغة يتضح لك ولكل من له أدنى بصيرة أن هذه الكيفية في الصلاة والسلام على نبينا وسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جملة التكلف والتنطع المنهي عنه، والمشروع للمسلم في هذا الباب أن يتحرى الكيفية الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الصلاة والسلام عليه وفي ذلك غنية من غيره، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم في الصحيحين واللفظ للبخاري عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن الصحابة رضي الله عنهم «قالوا: يا رسول الله أمرنا أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» .
وفي الصحيحين عن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - أنهم «قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» ، وفي صحيح مسلم عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: «قال بشير بن سعد: يا رسول الله: أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ فسكت ثم قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما علمتم» .
فهذه الألفاظ وأشباهها وغيرها مما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هي التي ينبغي للمسلم أن يستعملها في صلاته وسلامه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم –"
والأحاديث السابقة ليست الصلاة المطلوبة على الرسول(ص) فهى مخالفة لمنطوق ألاية :
"إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"
فهى صلاة وتسليم حسب الآية والموجود فقط الصلاة لفظا مع أن معنى الصلاة على النبى(ص) هى الاستغفار له كما أن الصلاة منه على المؤمنين هى الاستغفار لهم كما قال تعالى :
" وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم"
وتحدث عن الألفاظ لابد أن تتفق مع الشرع وليس أى ألفاظ مضخمة فقال :
"لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو أعلم الناس بما يليق أن يستعمل في حقه كما أنه أعلم الناس بما ينبغي أن يستعمل في حق ربه من الألفاظ، أما الألفاظ المتكلفة والمحدثة والألفاظ المحتملة لمعنى غير صحيح كالألفاظ التي ذكرت في السؤال فإنه لا ينبغي استعمالها لما فيها من التكلف ولكونها قد تفسر بمعان باطلة مع كونها مخالفة للألفاظ التي اختارها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرشد إليها أمته وهو أعلم الخلق وأنصحهم وأبعدهم عن التكلف، عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام، وأرجو أن يكون فيما ذكرناه من الأدلة في بيان حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك والفرق بين ما كان عليه المشركون الأولون والمشركون المتأخرون في هذا الباب. وفي بيان كيفية الصلاة المشروعة على رسول - صلى الله عليه وسلم - كفاية ومقنع لطالب الحق، أما من لا رغبة له في معرفة الحق فهذا تابع لهواه وقد قال الله عز وجل: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} فبين سبحانه في هذه الآية الكريمة أن الناس بالنسبة إلى ما بعث الله به نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - من الهدى ودين الحق قسمان: أحدهما: مستجيب لله ولرسوله. والثاني: تابع لهواه، وأخبر سبحانه أنه لا أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله فنسأل الله عز وجل العافية من اتباع الهوى كما نسأله سبحانه أن يجعلنا وإياكم وسائر إخواننا من المستجيبين لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - والمعظمين لشرعه والمحذرين من كل ما يخالف شرعه من البدع والأهواء إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين."
ومن ثم على المسلم أن يدعو بما هو معروف من الأدعية الغير مخالفة لشرع الله مما ورد فى الوحى وأما تأليف أدعية دون علم بالشرع فلا يجوز والجائز فى الدعاء أى لفظ موافق للشرع