منتهي الصلاحية

كان بائع الأسماك المتجول فوق عربته، يصرخ في مكبر الصوت بكل ما أوتي من كلمات ومنطق، محاولا إقناع الزبائن المحيطين، بأن أسماكه طازجة وآتية للتو من البحر مباشرة.ينشر صناديقه وأقفاصه على جوانب العربة، مناديا على بضاعته بصوت جهوري كريه. وكأن المايكروفون كان جزءا لا يتجزأ من بلعومه.
وبدت الأسماك كجثث عفنة الرائحة مخلوطة بشيء من حبيبات ثلج متسخ.
(أسعار نار ..لأسماك ترع ومصارف. أسماك منتهية الصلاحية )
.. صاحت سيدة ... قالتها و استدارت مسرعة تاركة المكان ..فرمى من فمه على ظهرها كيلا من سبابه الفاحش.
@@@
سرت متمايلا ،حاملا أكياس سوداء ذات رائحة نفاذة، تسرب خلفي خيطا من الماء العكر.
تابعتني ، على إثره، قطعان من القطط الضالة حتى باب مسكني.
$$$$
نسوة البيت الآن ، في المطبخ، يقمن ببذل جهود مضنية لمعالجة ما في الأكياس، حتي يصبح شيئا صالحا للاستهلاك الآدمي.
$$$$
توضأت بشيء من الماء في قاع إناء شبه نظيف، الصنابير اليوم، تصدر شخيرا مستفزا. لحقت بالظهر قبيل وقت العصر بدقيقة ... استغفر الله استغفر الله.
وجه مبتسم في غيظ، في واجهة الشاشة، يعد بالكثير ويلوم بائعي الأسماك وزبائنه ذوي البطون التي لا تشبع.
مباراة مملة في كرة القدم ، إصابات خطيرة لأرجل اللاعبين. والكرة لا تريد أن تدخل الشبكة. الشبكة مليئة بأسماك متعفنة.
. أغنية مشروخة اللحن ، لمغنية قديمة، عن سمكة بلطية، استدرجها الصياد ، وخدعها ، ثم ألقاها فوق الصخرة للقطط العابرة.
$$$$
حرب الأسواق مشتعلة بين الشرق والغرب.الحيتان يتبادلون الأنخاب في فندق خمس نجوم، تحرسه فرقة أمنية مدربة من الأسماك الصغيرة الملونة.
المايكروفون .. جزء لا يتجزأ من بلعوم خطيب الجلسة : العيب كل العيب في الزبائن، فقد ألهاهم التكاثر.
عدد لا بأس به من الأسماك الصغيرة الملونة تهتف بحماس، وتصفق للمتحدث تصفيقا حادا.
زعق الحاضرون في صمت:
إن ما يفعله بنا كبار التجار ، بكل المقاييس ،هو فعل فاضح.
أسماك صغيرة كثيرة غير ملونة، تجلس في صمت حزين.
الشاشة التلفزيونية تكاد تنفجر رأسي كصفيحة دقت بعنف.أدرت جهاز التحكم عن بعد، فإذا ببيت الله على الهواء مباشرة، شملتني سكينة افتقدتها من زمان بعيد.
غفوت قليلا، وطفت مع الطائفين ، واختبأت بين الركع السجود.
$$$$
رأيت فيما يرى النائم .. بيتي على شاطيء بحر كبير .. كانت الأمواج العالية ترتفع أمامه إلى عنان السماء ، ملتفة كذراع عملاقة .. وتهبط فوق بيوت مدينتنا الصغيرة .. لتسكت كل الأصوات الكاذبة، وتغسل البيوت ،وتملأها بالأسماك الطازجة.

يبدو أن هناك أشياء كثيرة في حياتنا قد أصبحت منتهية الصلاحية..
بفكر عميق وسرد سلس وأسلوب مختلف تبعث لنا بلقطات مختلفة من أعماق الحياة
ترصدها وتسجلها برؤية عميقة وناقدة وساخرة للواقع الذي نعيشه والذي يفوق في
سوداويته وغرابته ولا معقوليته أحيانا حدود الخيال.
وتختزل أحداث كبيرة في عبارات قصيرة زاخرة بالصور التي تحرك مناطق الوعي عند المتلقي.
ويظل اللجوء إلى الله هو الحل لتحل الطمانينة في القلب والسكينة في النفوس.
ويظل الأمل يراود النفس أن كل الأصوات الكاذبة ستصمت وتغسل البيوت من أدرانها
وتمتلأ بالأسماك الطازجة .. أو الخير العميم.

في قصصك يمتزج الخيال بالواقع في نسج محكم ببراعة تتمثل في الإيجاز الشديد
والخبرة المميزة في اختيار المفردة المعبرة عن المعنى.
واغفر لي قصر قلمي عن إيفاء قصصك حقها في الربط والنقد الموضوعي
وإنما هي محاولات.. ولك تحياتي وتقديري.

أهلا بك أستاذة نادية
.. أشرف بك قارئة وناقدة لأعمالي، بل زفراتي. حقيقة يعجبني شرحك، وتعجبني طلة قلمك ، الذي لا يقل إبداعا ، وصدقا فنيا.
أنا دائما في انتظاره، وأسعد بمتابعتكم لأوراقي المتواضعة.
تحيتي العاطرة بكل ما هو جميل.