صفحة الحوادث تنفجر بأحداث تفوق في بشاعتها أي خيال.
دست لزوجها السم في كوب شايه الحميم، الذي ينتظره بشغف بعد وجبة الغذاء. ملعقة صغيرة، كانت كفيلة بأن تنهي حياة رجل يشقى لأوقات طويلة من أجل أن يوفر لزوجة خائنة حياة كريمة. إلا أنها قد أبت إلا أن تنجرف وراء وسوسة عشيق رجيم، وشهوة عابرة ، لتدوس بقدميها كل ما هو أصيل ،وفطري وإنساني طاهر.
حين التف حبل المشنقة حول عنقها،لم يستغرق توقف نبضها أكثر من دقائق معدودات.هي ذات الدقائق القليلة التي استغرقها المغدور في احتساء الكوب المفضل لديه ، المصبوغ بملعقة شاي صغيرة.
$$$$
انزوت في ركن من عيادة الطبيب الشهير ، متلمسة وجنات صغيرتها التي طحنتها الحمى، فالصغيرة ظلت تعاني آلاما مبرحة، دون سبب واضح لعدة أيام، عاشت الأم سويعاتها السوداء قلقا، وحيرة مميتة.
ملعقة صغيرة ، من دواء أقره ذاك الطبيب النابه وبتوفيق الله الرحمن الرحيم، كانت كفيلة بأن تريح الصغيرة من عناء طال لأسبوع كامل، وتريح قلب أم كاد أن ينفطرعلى فلذة كبدها الوحيدة.
كانت الابتسامة الجميلة لتلك الصغيرة الرقيقة ، تنعكس على وجه أمها بشرا وأملا.
$$$$
جلسا معا في شرفة البيت العتيق ، بينهما طاولة ومزهرية، تمتد أمامهما في خلفية المشهد، بيوت الحي العتيق ، وحدائق الفيللات، تحوي أشجار وخمائل تحتضن طيورا وورودا وتشبع في المدى تغاريد، وأريجا حبيبا ، وذكريات يخفق لصداها قلبان محبان. ما زال يذكر لقاءه الأول بها على درج كلية الآداب، في طريقهما إلى المكتبة. هناك جمعتهما قصة امتدت لنصف قرن من الود والورد والفاكهة. ذهب الأولاد والأحفاد في طريق الهجرة. وهما الآن بجتران مخزونا من الأمان الحبيب،ورصيدا من عشق صادق لا يذوب. يجمعهما فنجان قهوة، تعده بعناية عاشق ، وبملعقة صغيرة، تذيب في قاع الفنجان سكر مشاعرها المتألقة، ورحيق وجدانها الصدوق .
$$$$
في غرفة تطل على شارع صاخب بالحياة، انزوى الشيخ القعيدعلى أريكة قديمه ، في غرفة معتمة. مطلا على نهر الحياة المتدفق أمام عينيه، ممسكا بقضبان نافذة صدئة باردة. ملتمسا شيئا من اهتمام عابر سبيل ، أو تحية جار قريب، فهو لا يطمع في كثير. بل في شيء لا يكلف كثيرا ؛ بل بمقدار ملعقة صغيرة.
$$$$
متألقة في برنامجها اليومي الشهير، تعد وجباتها اللذيذة، لتسعد بها ربة البيت أسرتها.
وتضبط نكهة الحياة في إناء الطعام، بشيء من ملح الوجدان ، أيضا ،بمقدار ملعقة صغيرة.
&&&&
فتشت جميع الأدراج، فلم أجدها. أعلم أنها كانت الوحيدة. لا أدري أين ذهبت الباقيات؟؟ حيرة تملكتني. كيف لي لم أنتبه .في شقتي الصغيرة ، هناك على شواطيء الغيم والغربة، شغلتني هموم العمل، إذ كنت أركز في العناية به، خشية من فقدان وظيفتي. ربما ذلك ما شغلني عن درج صغير في ركن مطبخي الصغير. إذ اعتدت أن أتناول طعامي في المطاعم والمقاهي. فلم اهتم لأدوات ضرورية كان يجب أن تكون هنا.كنت أعرف أنها الوحيدة. أين غابت إذن؟ ربما ألقيتها في صندوق القمامة دون وعي مني.
أليس شبئا عجيبا ! كان من الصعوبة علي أن أصنع كوبا من الشاي اشتهيته فجأة، دون ملعقة صغيرة!