نظام الخليل العروضي لا يحتمل التجزيء التساعي لأيّ سبب كان.

يدرك كل متمعن في نظام عروض العرب، أنّ الإيقاع الأولي الخالي من الزحاف هو أصل الإيقاع العربي؛ وأنه محل التأصيل لهذا العروض. ومع أن الخليل خالف ذلك عند تأصيله للصورة القياسية للكامل والوافر، فأمضاهما على الصورة الثانوية المزاحفة، وذلك من اجل فض قضية تشابك الرجز مع الكامل، والوافر مع الهزج، وبما يؤدي لترابط نظامه؛ لكن هذه هي حقيقة عروض شعر العرب من أن الإيقاع الأولي هو أصل الإيقاع فيه.

والإيقاع الأولي عموماً، له مميزات خاصة، فهو لا يحتوي على جدلات (فاصلة صغرى ///0)، ولا على ربطات (فاصلة كبرى ////0)، ولا على عُقد متجاورة (أوتاد مجموعة متجاورة)؛ ولا على أربعة أسباب وراء بعضها، لا سيما في الحشو. فأيما إيقاع حقق ذلك فهو إيقاع أولي، قد يكون عربياً وقد لا يكون، فليس كل إيقاع أولي هو إيقاع عربي بالضرورة.

وأسّ نظام الخليل العروضي هو فكرة الجزء المرتبط بالدائرة (الأجزاء الثمانية لفظا والعشرة حكما)، فالجزء ليس له شرعية في ذاته، إنما شرعيته مستمدة من دوائر نظامه. وللجزء شرط صحة في نظام الخليل، وهو احتواءه على وتد واحد وسببين على الأكثر.
لكن الجزء يشير لواقع متوهّم وليس حقيقي؛ على الرغم من انه أدى الدور المطلوب منه في التأصيل. نقول ذلك لعدة أدلة، منها أن هناك سلاسل أولية تامة مشابهة لسلاسل العرب القياسية (12 متحرك)، لكن فكرة الجزء سوف تعجز عن تأصيلها، حتى بمساعدة الوتد المفروق والسبب الثقيل، الذين هما كائنين وهميين من اختراع الخليل، اخترعهما ليضبط بهما نظامه فيكون شاملاً مترابطاً . (1)

(1) مثل هذه السلسلة الأولية : //0 /0 //0 /0 / 0 //0 /0 /0 /0 [(فعولن، مفاعيلن، مفاعيلن، /0 ؟)، (فعولن، فعولن، فاعلاتن /0 /0 ؟)، (فعولن، فعولن، فاعلن، /0 /0 ؟)]. وهناك سلاسل غيرها. فليس للجزء شرعية خارج دوائر نظام الخليل كما قلنا.

وإذا كانت قضية فض تشابك الرجز مع الكامل، والوافر مع الهزج، هي سبب مولد كائن السبب الثقيل، وسبب مولد دائرة السبب الثقيل (دائرة المؤتلف). لكن سبب مولد كائن الوتد المفروق، وكذلك سبب مولد دائرة الوتد المفروق بالمعية (دائرة المشتبه)، مختلفة تماماً. فسبب اختراع الخليل للوتد المفروق، هو أن نظامه لا يحتمل حضور تفعيلة تساعية الأحرف، وإلّا انفرط عَقده.
فحتى ينعم نظام الخليل بالترابط والشمولية، فلا بد له أن يقتصر على التجزيء السباعي والخماسي فقط، بل ودون اختلاط وتشابك بينهما (ظن عازم). وهناك أدلة متعددة على ذلك ذكرناها في الكتاب الأم لعروض قضاعة. فنظام الخليل لا يحتمل التجزيء التساعي لأيّ سبب كان. (ظن جازم). وعلى ذلك، فكل من اخترع تفعيلة تساعية فقد خرج على نظام الخليل جملة وتفصيلا.
وأهم دليل لنا على ذلك، أنّ الخليل ضحّى بلازمة الوتد المجموع في العنقاء فحطّمه وصنع على أنقاضه وتداً مفروقاً، وذلك ليُخضع العنقاء للتجزيء السباعي. ثم صمّم دائرة المشتبه لتفرز أجزاء سباعية رغم أنفها. فمع أنّ نسق الفتلة القادر على تمثيل الجزء الخماسي حاضر في دائرة المشتبه، فلو قال الخليل به لحضر القول بالجزء التساعي المختوم بوتد مجموع لا محالة، وهو ما لا يريده الخليل. (2)

(2) العنقاء مصطلح من مصطلحات نظام قضاعة، فعروض الشعر العربي قام على ثلاث انساق عُقدية فقط، نسق الفتلة (لا نعم)، ونسق القنطرة (لا لا نعم)، ونسق العنقاء (لا لا لا نعم). وبحري الخفيف والمنسرح يتضمنان نسق العنقاء. (راجع كتاب المنتج الجاهز لمزيد من التفاصيل).
فلو أنّ الخليل صنع للعنقاء تجزيئاً تساعياً، فظل شرط صحة الجزء في نظامه مقتصراً على الوتد المجموع؛ لكان الشق الثاني من شرط صحة الجزء المتعلق بالأسباب الخفيفة التي يمكنها مرافقة الجزء، قد توسّع؛ فبدلاً من سببين سيصبحان ثلاثة. وهكذا فإنّ هذه التسلسلات التساعية الأحرف [(لا نعم لا لا)، (لا لا نعم لا)، (نعم لا لا لا)، (نعمم نعم لا)، (نعم نعمم لا)]، كل منها سوف تستحق مسمّى جزء في نظامه عندئذ..!
فتخيل ما سوف يفعله هذا الاقتراح بمبحث الزحاف والعلل في نظامه؛ فبهذا الاقتراح ليس فقط غلاف نظامه هو مَن سوف يتمزّق، بل نواته أيضاً.
فكينونة الجزء السباعي وكينونة الجزء الخماسي أكثر أهمية للخليل من كينونة الجزء التساعي؛ فالوتد المجموع بسبب السر الدفين لسبب ترابط نظام الخليل، والذين قلناه في كتابنا (راجع المنتج الجاهز لعروض قضاعة)، منضبط في البحور التي عليها جُلّ شعر العرب [94 %]، وذلك بحسب إحصاء الدكتور محمد العلمي (دراسة توثقية)، وكذلك بحسب إحصاء الموسوعة الشعرية. أمّا المنسرح الذي لم ينضبط على هذا الأساس، فقد استأثر هوَ والخفيف بنسبة ضئيلة من إنتاج شعراء العرب [4 %]. هذا عدا عن أنّ تأليف دائرة عنقاوية هندسية تامة تتضمن جزءاً تساعياً، لا يمكن تحقيقه في نظام الخليل في ظل مفهوم الخليل عن الدائرة؛ والدائرة هي روح نظام الخليل كما قلنا.
وحتى لو تنازل الخليل قليلاً فقبل بالتجزيء التساعي فحصره بالبحور التي تحتوي على عنقاء دون غيرها، فلن يحل هذا التنازل هذا المعضل، بل سيزيده تعقيداً..؟ فهذا التنازل لن يمنع من تنازع الجزء السباعي مع التساعي مع الخماسي في بعض المواضع في بحور العنقاء نفسها، على ما سوف يحصل في بداية الخفيف؛ هل سيكون قد بدأ الخفيف بجزء خماسي ثم تساعي، أم سيكون قد بدأ بجزء سباعي ثم سباعي. فعنقاء الخفيف يمكن تخبئتها بين الأجزاء، أمّا عنقاء غيره كالمنسرح، فلا يمكن تخبئتها بين الأجزاء.
هذا ما يخص فكرة الجزء في نظام الخليل، أما نظام الخليل العروضي ككل، فقد قام على قدر ما وصل للخليل من قوالب شعر العرب؛ وهذه القوالب هي ما شكلّت كيان نظامه، النواة وغلافها؛ بحيث انه إذا استُدرك قالب على نظامه من العرب المعتد بنظمهم، ولم يكن له مكان في نظامه، تخلخل نظامه وصنّف هذا القالب بأنه من الشواذ ظلماً.
أمّا في نظام قضاعة فالأمر مختلف، فنظام قضاعة قام على القواعد الصوتية والإيقاعية التي سارت عليها قرائح العرب، سواء وردت القوالب موثقة عنهم أم أبدعها شاعر معاصر لم تخالف أصولهم.
صفحة "علم عروض قضاعة" على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/profile.php?id=100064165384110