أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: كلمات متقاطعة

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 917
    المواضيع : 188
    الردود : 917
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي كلمات متقاطعة

    أما زلت تحن لأيام لك سلفت، في تلك المدينة الهادئة التي يذكرك كل جحر وبشر فيها، بتفاصيل سني عمرك منذ الطفولة والصبا وحتى الآن؟!
    &&&&
    على هذا الطريق وقد.كان ضيقا ترابيا بين حقول نابضة بالخضرة، مبتهجة بأغاني الحصاد، هنا كانت خطواتك الأولى نحو مدرستك الابتدائية، وكانت نشوة شبابك أيضا. نعم كانت هي الدنيا بحلوها ، وأنت تلتقط حبات التوت البري الأسود.
    وكانت أيضا هي الدنيا بخوفها وقلقها على ذات الطريق ،خوفك من أن يصحو كلب الفلاح القابع وراء الزريبة، فيفاجئك بزأيره ونباحه المخيف.
    وخوفك في طريق عودتك إلى البيت،وقد صبغت بألوان التوت قميصك المدرسي، فيضربك أبوك.
    &&&&
    في ذلك الصباح الربيعي،ارتديت ملابسي بتأنق،ملتمسا جولة كنت قد اعتدتها في الماضي.
    اشتري جريدة الصباح، أعرج نحو الحديقة العامة، وهناك تحت الشجرة الكبيرة المعمرة، على مقعد رخامي عتيق، أعطي لجسدي الحق في الاسترخاء، متصفحا الجريدة بنهم شديد، حتى أصل لصفحة كلماتها المتقاطعة، لأفكر في ألغازها بشغف واستمتاع.
    &&&&
    لم أجد بائع الصحف في مكانه في ذلك الركن من رصيف الشارع الكبير،سنوات وسنوات ، و(العم فريد)، كان هنا بصحفه ومجلاته، وكنت أتحفه ٥ مليمات (نصف قرش) ،كي يسمح لي أن أقتنص وقتا رائعا في تصفح مجلات الاطفال بشغف ،دون أن أفتح الأوراق الملتصقة.لم أجده.نعم لم أجده.
    دخلت شارع السوق، أين دكان العطار؟ لم أجده. بجواره صانع الفوانيس، لم أجده. انتصب مكان البيت القديم ذي الشبابيك العالية، برج زجاجي يختق الفراغ ، تحته محلات مبهرة، لكن ليس بها باعة مبتسمون!
    ، كاد صبي أن يرتطم بظهري بدراجته الهوائية، كان لحسن حظي بائعا متجولا للصحف اليومية. استوقفته بإلحاح، فتشت، لم يكن لديه الكثير منها، أخيرا وجدت شيئا معه ؛صحيفة مسائية صادرة بالأمس.فلأعرج نحو مكاني الأثير ، الحديقة العتيقة.
    &&&&
    تلك الحديقة الحبيبة؛ التي اعتادت أن تكون مفتوحة للناس والشمس والهواء، كانت محاطة بأسوار حديدية، وبوابات ، وجنازير وأقفال.
    أطللت برأسي بين القضبان ،ربما أرى شيئا كنت قد ألفته عنها، فأفزغني صوت مفاجيء من ورائي:
    - عاوز حاجة يا أستاذ؟
    - هو أنتم قفلتوها ؟ ومتى ستفتحوها؟
    - لم تعد هنا حديقة .. ..هذا نادي ملك لرجال أعمال.أصبح بالفلوس... بالفلوس ! المنتزه العام كان زمان.
    - ولما رأي دهشتي ترتسم على وجهي ، بادرني قائلا :
    - إقرأ اللوحات الإعلانية.
    - وتركني دون أن يشفي غليلي.
    - تعلن شركة ... عن قبول اشتراكات العضوية في نادينا الحديث للراغبين في الخامسة من مساء كل يوم.
    - مرت عيناي على اللوحة ، متتبعا الإعلان، الذي اكتظ ببنود طويلة عن الشروط الواجب توافرها في المتقدمين. كان أول ما وقعت عليه عيناي، بند يبين مقدار الاشتراك السنوي لطالب العضوية ، وهو عدة عشرات من آلاف الجنيهات، غير أن الرقم تحديداً قد زاغ عن عيني تماما.
    &&&&
    تلعثمت خطاي فوق الأرصفة وزحام الشوارع ، وصخب الأسواق. هل أصابتني أنا التشوهات في غربتي ، أم أن تلك التشوهات قد أصابت مدينتي الهادئة، وأنا بعيد في بلاد الزيت والرمال!!
    &&&&
    "أيها الأبله، هذا زمن الشبكة العنكبوتية، وانفجار المعلوماتية، وفيضان الأخبار والحوادث فوق الهواتف المحمولة. أي صحيفة وأي حديقة عامة، وأي أوقات ماتت من زمن، وذكريات قد اندثرت تحت أسفلت الشوارع! وحتى سويعات الحب البريئة ! أي أيام للحب وأي لقاءات لحبيبة، ترى ربما هي الآن عجوز متقاعدة،مريضة، يفزعها صراخ أحفادها ، أو ربما هي الآن في عداد الموتى."
    كأن هناك بداخلي من يلومني على سذاجتي، وتمسكي بأفعال عفى عليها الزمن.
    &&&&
    انزويت على مقعد متهالك, في مقهى كنت ارتاده قديما في الحي القديم؛ في ركن نصف معتم، انتبهت أن بيدي صحيفة، بدت لعيني كأنها جثة ثقيلة لقتيل.
    &&&&
    أتاني كسولا،متسخا، متحشرج الصوت، مغمض العينين، كان الجرسون ( النادل)؛ يجر رجليه جرا، تاركا الموقد الذي كان يحاول إيقاده دون جدوى..
    - طلباتك يا أستاذ؟
    " أين هي أيام الصبا ،كان المقهى زمان، يفتح أبوابه مبكرا، والآن قد اقتربنا من الظهيرة!!"
    - عصير ليمون لو سمحت.
    - للأسف مفيش خلاط .. عطلان.
    - شاي .. شاي إذن. قلتها محاولا أن أجد له حلا مناسبا، فيكفيه عناؤه في إشعال الموقد، ودعوت من قلبي أن يكون لديه سكر.
    لا زبائن هنا، ولا عصائر طازجة.
    .كانت الدكاكين أيام صباي، تفتح عند السادسة صباحا !!!
    وباعة الصحف ، والألبان في الشوارع ، تملأ نداءاتهم ،كل الأرجاء.
    شاي ... شاي ..
    مش مهم.
    أقبل بطيئا ، مترنحا ، على كفه صينية معوجة فوقها كوبان ...كاد أن يسقط أمامي ... يتبع الصينية ... سرب من الذباب.
    &&&&
    لنرى أخبار الأمس ؛أكاد أجزم أن هذا العنوان لصيق بالصحيفة منذ ثلاثين عاما:
    -الأزمة الاقتصادية، في سبيلها للانفراج بعد عامين.
    - القبض على بائع ليمون متجول يبيع بأزيد من التسعيرة!
    - يقتل صديقه من أجل عشرين جنيها.
    - هروب مسئول .... متهم باختلاس مليارات.
    - انتحار رجل أعمال، بعد اتهامه بتهريب الآثار
    - تقتل أمها، بتحريض من عشيقها الشاب الصغير، بعد أن ضبطتهما متلبسين بالجرم المشهور.
    - الحبس خمس سنوات لمغتصب ابنته.
    رأسي تدور، أشعر بالغثيان.عيناي زائغتان.
    يداي ثقيلتان وأنا أحاول قلب الصفحات!
    نعم .. تلك هي الصفحة الرياضية . كرة القدم إذن ...تنهدت قليلا ، ترى متى هو موعد المباراة النهائية لفريقي المفضل؟
    الصفحة بها صورة لكرة قدم عملاقة.
    الكرة تفتح فمها ... تبتلعني في جوفها .. الكرة تدور .. أدور معها وسط حشود جماهيرية تهتف بالشتائم وتصرخ بالتهديدات،ضد اللاعب وتطالبه بركل الكرة في شباك الأعداء. المتفرجون يتبادلون الشباب الفاحش، المدرجات تتقيء آلاف الغاضبين، انفجروا غيظا لإلغاء الهدف بداعي التسلل. اللاعبون في عراك يتشابكون،الجميع في منتصف الملعب، يركضون الآن وراء حكم المباراة للفتك به. في شبكة مرمى فريقي المفضل، انزويت منكمشا على نفسي، كالكرة الخاوية من الهواء، وأنا أرتعد خوفا.
    دقات على صينية معدنية تفزعني ، توقظني:
    - يا بيه يا بيه .. الشاي.. اشرب الشاي .. أنت نمت وألا ايه؟
    &&&&
    أفقت والصحيفة بين يدي .. ورأسي مطأطة على صدري.
    مددت أصابعي المرتعشة نحو كوب الشاي ، فوجدت أن ذبابة تحاول أن تتفادى الغرق فيه.
    يا لهذا الصباح! نظام الصحيفة هو هو.. هل تلك هي فقرة الوفيات مكانها :
    تنعى عائلة ... و فاة الحاجة فضيلة ..
    إنا لله وإنا إليه راجعون!
    قلبت الصفحة ورأسي ثقيلة ؛
    الكلمات المتقاطعة ما زالت هنا أيضا .. نعم .. أين الزمن المفضل لي ولها.. شاهدتها وقد بدا حبرها باهتا ....
    أفقيا:
    ١.نجمة رقص شرقي شهيرة/ فسد/ وباء / تجدها في ( أمانة)

    رأسيا :
    ١.أمة (مبعثرة)/
    أوضاع (معكوسة)/
    تجدها في ( عادل).

    فتشت ببطء عن قلم في جيبي قلم أجد.
    ...

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,124
    المواضيع : 317
    الردود : 21124
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    تظل ذكريات الطفولة تفرض نفسها على خيال المرء لا ينساها ابدا
    وتبقى محفورة في الأعماق تذكرنا بأجمل اللحظات التي مرت بنا ، مع حنين
    عظيم لكل ما عشناه ، ولكل من عرفناه.
    ولكن .. قل للزمان ارجع يازمان..
    فلا شيء يدوم على حاله ، تنطمس المعالم التي عرفناها ويتغير كل ما حولنا ويتطور
    وفي زمن المال والأعمال ، والشبكة العنكبوتية والهواتف الذكية يتغير كل ما عرفته في أيامك الأولى.
    وبمهارة قصية عالية وسرد شائق ومحمول هادف تعرض أمثلة للأخبار التي تملأ الصحف
    كنمازج لما يحدث في زمننا الحاضر
    وبأسلوبك الساخر تأتي الكلمات المتقاطعة بما تحمل من معان رمزية ضاحكة ناقدة.
    قصة فيها نقد لازع يصف الكثير من المفارقات التي نعيشها بأسلوب ذكي حاذق.
    شكرا لمتعة أجدها بين حروفك ودام لك التألق والإبداع.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 917
    المواضيع : 188
    الردود : 917
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    أ. نادية
    تحياتي وودي.
    الواقع يا سيدتي، مليء بما يفوق الخيال. نرصده لنعريه ونعرف أسبابه وتأثيره علينا. وربما أنحى منحى خيالي وتعبيري وأحيانا يحمل قلمي أسلوبا ساخرا ، كنوع من استخدام أسلحة للمواجهة. ربما كي أخفف من وطأته، وربما بالحد الأدنى الذي أشعر معه بالراحة لاستخدامي الأساليب الفنية التي تمنحني الرضا عن ذاتي. لأثبت لذاتي أنني باق وأحاول إثبات وجودي بما منحني الله من أساليب للكتابة.
    تحياتي.