كانت قدمه اليمنى دائما عرضة لنغزات الطريق الحجري الصلد.لم يدخر الناس، والسلطات المحلية جهدا في إثراء الطريق بكل المنغصات؛ مياه وسخة، طوب وأحجار وأسياخ حديدية من جراء بناء ثم هدم ، وتعبيد ثم حفر.، زبالة متنوعة المصادر والروائح والمناظر الكريهة. طريق نموذجي ممهد ببراعة لأي وباء يريد الفتك بنا. وواجهة مثالية لقبح يفوق الخيال!
على أية حال، كان صاحبنا يتلمس بخطوته العرجاء مكانا يضع فيه حذاءه المهتريء، ليستأنف مسيرته نحو عمله أو قضاء مصالحه ذهابا وإيابا.
العقول في تلك المصلحة الحكومية العتيقة ،، بها ذات المسالك والدروف المحشوة بكل ما هو ضار ومنغص ومقيت، بدءا من رأس المصلحة حتى خفير البوابة نصف النائم.فلا عمل لهم جميعا، سوى تبكيت بعضهم البعض، وانتظار موعد الراتب الشهري.
تورمت قدمه بسبب نغزات مدببة اخترقت نعل حذائه.
خرج من فوره من بهو المؤسسة الحكومية العتيق، لاعنا سلسفيل أولئك الذين دسوا له عند رأس المصلحة ، فخصم من راتبه المهلهل نصف شهر بالتمام، لتكرار تأخره وغيابه عن العمل.
كان جل همه ، وهو يعرج هابطا درجات السلم الحكومي المتهالك، أن يصل إلى حارة ضيقة ، جوار مقام (الست حسنية المبروكة)، إلى اليمين منها، عم بيومي الإسكافي القديم، ذو الظهر المحني؛ الذي إن تراه للوهلة الأولى، تحسبه خارجا لتوه من قصص ألف ألف ليلة وليلة، والشاطر حسن وعلي الزيبق.
راغبا في تركيب نصف نعل بحذائه المهتريء ،وقف قدام الحانوت متسمرا مذهولا موجوع القدمين ،شاعرا ببلل وحنق .كان الحانوت مغلقا، والمكان مغبرا ،وقد اتشح بخيوط عنكبوتية تنم عن خراب مقيم.
وكانت كلاب ضالة تحوم حول المقام المبروك، الذي انزوت خلف أحجاره قطة مذعورة!
محمد. ن. علي