بسم الله الرحمن الرحيم وبه استعين
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبي الهدى صلى الله عليه وسلم

الحذذ لغة : مصدر من حذه يحذه حذا قطعه قطعا سريعا مستأصلا ، قال الخليل في العين : " الحَذُّ: القَطْعُ المُسْتَأْصلُ. والحَذَذُ: مصدر الأَحَذّ من غير فِعل. والأحَذُّ يُسَمَّى به الشيْءُ الذي لا يتعَلّقُ به شَيْءٌ. والقلبُ يُسَمَّى أحَذّ. والدُّنْيا وَلَّتْ حَذّاءَ مُدْبرة: لا يتعلّق بها شيء "
وقال ابن دريد قطعه قطعا سريعا من غير أن يقول مستأصلا والحذة القطعة من اللحم كالخزة والفلذة ، قال الشاعر:
تعييه حذة فلذ إن ألم بها ****من الشواء ويروي شربه الغمر
قوله تعييه إلخ كذا بالأصل والذي في الصحاح وشرح القاموس
تكفيه حزة فلذان .
قال الاصمعي في كتاب خلق الانسان : قال النابغة :
سكاء مقبلة حذاء مدبرة ... للماء في القلب منها نوطة عجب
وأصل الحذذ خفة الذنب " انتهى .

واصطلاحا :
الحذذ هو حذف الوتد المجموع من آخر التفعيلة .
قال الخليل في العين : " والأحذ من عَروض الكامل: ما حُذِفَ من آخِره وَتِدٌ تامُّ وهو مُتَفاعِلُنْ حُذفَ منه عِلُنْ فصار مُتَفا فجُعل فَعِلُن ".
قال الازهري : الأحذّ اسم عروض من أعاريض الشعر؛ قال ابن سيده: هو من الكامل ما حذف من آخره وتد تام كرد متفاعلن إلى متفا ونقله إلى فعلن، أو متفاعلن إلى متفا ونقله إلى فعلن، وذلك لخفتها بالحذف. وزاده الأزهري إيضاحا فقال: يكون صدره ثلاثة أجزاء متفاعلن، وآخره جزآن تامان ، والثالث قد حذف منه علن وبقيت القافية متفا فجعلت فعِلن أو فعلن ( أي بسكون العين ) كقول ضابىء: .

إِلَّا كُمَيْتاً كالقَناةِ وَضَابِيَا ... بالقَرْحِ بَيْنَ لَبانِهِ ويَدِه «1»

وَكَقَوْلِهِ:

وحُرِمْتَ مِنَّا صاحِباً ومُؤازِراً، ... وأَخاً عَلَى السَّرَّاءِ والضُّرّ

وَالْقَصِيدَةُ حَذَّاءُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ أَبو إِسحق: سُمِّيَ أَحَذَّ لأَنه قَطْعٌ سريعٌ مستأْصلٌ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: سُمِّيَ أَحَذَّ لأَنه لَمَّا قَطَعَ آخِرَ الْجُزْءِ قَلَّ وأَسْرَعَ انْقِضَاؤُهُ وَفَنَاؤُهُ. وجُزء أَحَذُّ إِذا كَانَ كَذَلِكَ. والأَحَذُّ؛ الشيءُ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ. وَقَصِيدَةٌ حذَّاء: سَائِرَةٌ لَا عَيْبَ فِيهَا وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا شَيْءٌ مِنَ الْقَصَائِدِ لِجَوْدَتِهَا.

أسماء أخرى لهذه العلة : قال ابن الدماميني : " وصاحب العقد وابن السيد يقولانه بالجيم ودالين مهملتين، وهو لغةً القطع " .
ويسميه بعضهم بالجدد وهذا خطأ فاحش .

المناسبة بين المعنى اللغوي و الاصطلاحي ؟

بين هذه المناسبة الازهري بقوله : لخفتها بالحذف ، اي ان التفعيله تكون خفيفة بالحذف ، وجاء في اللسان ان من معاني الحذذ : " والحذذ السرعة وقيل السرعة والخفة " .
وقال في اللسان : وفي حديث عتبة بن غزوان أنه خطب الناس فقال في خطبته إن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يقول لم يبق منها إلا مثل ما بقي من الذنب الأحذ ومعنى قوله ولت حذاء أي سريعة الإدبار قال الأزهري ولت حذاء هي السريعة الخفيفة التي قد انقطع آخرها ومنه قيل للقطاة حذاء لقصر ذنبها مع خفتها .
وقال أيضا : " قَالَ أَبو إِسحق : سُمِّيَ أَحَذَّ لأَنه قَطْعٌ سريعٌ مستأْصلٌ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: سُمِّيَ أَحَذَّ لأَنه لَمَّا قَطَعَ آخِرَ الْجُزْءِ قَلَّ وأَسْرَعَ انْقِضَاؤُهُ وَفَنَاؤُهُ. وجُزء أَحَذُّ إِذا كَانَ كَذَلِكَ " .
وقال ابن الدماميني : " الحذذ لغةً الخفة، ومنه قولهم قطاةٌ حذّاء، ولما حذف الوتد من آخر الجزء خفّ فسمي أحذ، وهو في اللغة القصر، ومنه قولهم: حمارٌ
أحذ، وقول الفرزدق:
أوليتُ العراق ورافديه **** فزاريّاً أحذ يد القميص
كنى بقصر كمه عن تشمير يده للسرقة. ويمكن أن يكون تسمية الجزء أحذ لهذا المعنى

هل الأصل في التسمية بالحذذ بفك الادغام ام بالادغام ؟
قال التهاوني في كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم : " عند أهل العروض سقوط الوتد المجموع من آخر الجزء. والجزء الذي فيه الحذّ يسمّى أحذ، كذا في عنوان الشرف وجامع الصنائع.
فإذا أخذ فعلن من متفاعلن بحذف علن منه وإبدال متفا لكونه مهملا من فعلن يسمّى ذلك العمل حذا، وكذا الحال في فعلن المأخوذ من مستفعلن. وفي بعض رسائل العروض العربي الحذذ بفكّ الإدغام، ويؤيد هذا ما وقع في المنتخب والصراح من أنّ الحذذ بفتحتين من تصرفات أهل العروض .

قال الهاشمي :

وحذف مجموع يسمى حذذا **** وحذف مفروق بصلم فخذا

اي بحر يدخل ؟

الحذذ يدخل البَحر الكامل ، و يصيب ضرب الكامل أو عروضه .
وهي من علل النقص ، والعلل لا ترد في الحشو، ولكن في التفعيلة الأخيرة من الشطر (العروض والضرب )
وهي لازمة؛ يعني يجب الالتزام بها في كل أبيات القصيدة .
قال الدماميني في العيون الغامزة :
" ولا يكون إلا في ((متفاعلن)) فإذاً لا يكون إلا في البحر الكامل كما صرح به الإخلاص الناظم. وقال ابن بري وتبعه الصفاقسي: ولا يكون إلا في ((مستفعلن)) المجموع الوتد و ((متفاعلن)). قلت: وهو غلط فإنه ليس لنا بحر فيه ((مستفعلن)) يدخل فيه الحذذ أصلاً، وإنما يدخل في الكامل والاستقراء يحققه. فإن قلت: سيأتي أن للكامل عروضاً حذاء لها ضرب أحذٌ مضمرٌ على زنة ((فعلن))، ولا شك أن ((متفاعلن)) يدخله الإضمار أولاً فينقل إلى ((مستفعلن))، ثم يحذف منه الوتد المجموع فيصير ((مستف)) فينقل إلى ((فعلن))، فلعلهما أرادا ذلك. قلت: هو بعيد جداً وظاهر عبارتهما يقتضي أن ((مستفعلن)) جزء أصلي، ويدخله الحذذ مع ذلك، كما أن ((متفاعلن)) كذلك فإن قلت: سيأتي أن بعض العروضيين حكى للبسيط المجزوء عروضاً حذاء مخبونة، وحكى أيضاً استعمال المشطور من الرجز أحذّ مسبّغاً، فهذان بحران وقع في كل منهما الحذذ في ((مستفلعن))، قلت: هذا من الشذوذ بحيث لا يلتفت ولا تبنى القواعد الكلية عليه.
قال ابن بري وكان حقه أن يدخل ((فاعلن)) إلا أنه لم يسمع فيه. قال الصفاقسي: وعلته عندي ما يؤدي إليه دخوله فيه من بقاء الجزء على سبب خفيف ولا نظير له. ولا يقال بل نظيره موجودٌ وهو عروض المتقارب المحذوفة، فإن القطع يجوز دخوله فيها فتبقى حينئذ على متحرك وساكن، لأنا نقول المتحرك والساكن فيها بقية وتدٍ وهو أقوى من السبب فافترقا. قلت: الوتد أقوى من السبب لزيادة حروفه عليه، فإذا خرج عن صورة الوتد وانتقل إلى هيئة السبب زال ما به الامتياز في القوة فلا نسلم أنه حينئذٍ أقوى.

وجاء في كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة للمراكشي : وقال في ترجمة أبي عبد الله ابن الحَنّاط: "ولأبي عبد الله أشعارٌ ذهب إلى الإغراب فيها بنظمِها على غير أوزان الشعر العربيّة المحفوظة عن العرب، منها قولُه:
لو كان يدري بما فعلْ ... أحيا المحبَّ الذي قتَلْ
وهذا وزنٌ لم تنظِمْ عليه العرب، وهو قد غيَّر فيه مجزوءَ البسيط الذي شاهدُه:
ماذا وقوفي على رَسْمٍ خلا ... مُخْلَولقٍ دارسٍ مستعجمِ
فاستعمَلَه أحدَ العَروض والضّرب مخبونًا، فكان تفعيلُه: مستفعلن فاعلن مستفعلن، فأصابه الحَذَذ، وهو: إذهابُ الوتد رأسًا وهو "علن"، فبقي "مستَفْ"، ثم خَبَنَ فحَذَفَ ثانيَه فصار "مُتَفْ"، فنُقل إلى مثل وزنه وهو "فَعِلْ"، فصار كلُّ واحد من الشطرَيْن: مستفعلن فاعلن فعلْ، وهو وزن لم يرِدْ عن العرب"

وجوزت العامة في ايامنا هذي دخول الحذذ في بحر المديد و المتدارك .
فقاال بعضهم : يدخل الحذذ بحر المديد ( فاعلن ) فتصبح ( فا ) ، ويدخل الحذذ بحر المتدارك ) فاعلن ) فتصبح ( فا ) .

متى يمتنع الحذذ ؟
يمنع ورود الحذذ في البحر البسيط وقيل لكي لا يشتبه بالمجتث ، ويمنع الحذذ في بحر الرجز لكي لا يشتبه بالسريع .
وجاء في كتاب مجلة الرسالة أحمد حسن الزيات :
ومن نقد اليازجي العروضي لأبيات للرافعي :
أنا لم يبق بين جنبيّ إلا ... كبد من لوعة الشوق حرىّ
في عجزه نقص خفيف بين كبد ولوعة
صدّت فكان كلامها نزرا ... وغدت تضن بذلك النزر
جاء بالعروض الحذاء مضمرة والإضمار مع الحذذ لا يقع إلا في الضرب .

اشتراك الحذذ مع أنواع الزحافات الأخرى :
الحذذ يأتي بمفرد وياتي الحذذ بمصاحبة الإضمار ( وهو من الزحافات التي تجري مجرى العلل ) ، والتذييل .


سبب استخدام هذه العلة في علم العروض :

أما الخفة في العروض والضرب التي تدخلها العلل بشكل عام فعلة الحذف مثلا -حذف السبب الخفيف الأخير- تنقل مَفَا عِي ل ُن إلى ف َعُو ل ُن ، وهي علة أريد بها الخفة كما أشرنا في البحر الطويل، وكذلك الحذذ- وهو حذف الوتد المجموع- فتنتقل تفعيلة البحر الكامل متفاعلن إلى مُتَفَا، وإنما مالوا إلى علة الحذذ للتخفيفِ ، وأحيانا يميلون إلى إضمار ما بقي من تفعيلة (مُتَفَا ) فتصبح (مُتْفا ) ـ طلبا للسرعة والتخفيف، محاولة للانتقال من بيت إلى آخر على وجه السرعة، وغيرها من العلل التي تدخل على الضرب والعروض. ( أنواع العلة في الدرس العروضي العربي القديم لمحمد شاكر الكبيسي ) .


الالتزام بهذه العلة في القصيدة كلها ؟

ينص اهل العروض على الالتزام بهذه العلة في ابيات القصيدة كلها ، ولكن ورد عن بعض الشعراء عدم الالتزام بهذه العلة كما فعل امرئ القيس في بعض قصائده قال ابوفراش محمد النطافي في العلل والزحافات في شعر امرئ القيس :
" ولكن امرئ القيس لم يكن يلتزم بالعلة في قصائده، ففي أربع من قصائده في بحر الكامل، كان يمزج السالم والأحذ ( ما سقط من آخره وتد مجموع )ومن ذلك قوله:
حي الحمول بجانب العزل ***** إذ لا يلائم شكلها شكلي
ماذا يشق عليك من ظعن ***** إلأ صباك وقلة العقـل
منيتنا بغذ وبعد غـــد ****** حتى بخلت كأسوأ البخل
يار ّب غانية صرمت حبالها ***** ومشيت متندا على رسلي
فقد حذف الوتد المجموع من تفعيلة العروض ( متفاعلن ) في الابيات الثالثة الاولى ولم يلتزم بالحذذ في البيت الرابع ......
وقد شملت القصائد الأربعة المذكورة ستة وسبعين بيتا زواج امرؤ القيس بين السالم و الأحذ فيها " .


الحمد لله وحده .

.