بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ولي المتقين ، الحافظ الكريم ، ثم الصلاة والسلام على خير البشر ، محمد بن عبدالله وعلى آله الغر الميامين ،

وبعد

العضب : مصدر عضب يعضب عضبا فهو اعضب و عَضَبَ من الثلاثي الصحيح . ( على وزن فَعَل يفعِل من باب ضَرَبَ يَضْرِبُ ) . قال ابن فارس [ع ض ب] أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على قَطْعٍ أو كسر وقال الخطابي في غريب الحديث : " أصلهُ من العَضْب وهو القطع
" أ . هـ ، والأعضب ، صفة مشبهة
وتاتي هذه الكلمة لمعاني عديدة منها القَطْعُ، والشَّتْمُ، والتَّناوُلُ، والضَّرْبُ، والطَّعْنُ، والرُّجوعُ، والإِزْمانُ.. وغيرها .
في لسان العرب : عضب : العضب : القطع ، عضبه يعضبه عضبا : قطعه . وتدعو العرب على الرجل فتقول : ما له عضبه الله ؟ يدعون عليه بقطع يده ورجله . ..وعَضَبَ القَرْنَ فانْعَضَبَ: قَطَعه فانْقَطَعَ قَالَ الأَخطل:
إِنَّ السُّيُوفَ، غُدُوَّها ورَوَاحَها ٭٭٭ تَرَكَتْ هَوَازنَ مثلَ قَرْنِ الأَعْضَبِ

وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنه نَهى أَن يُضَحَّى بالأَعْضَبِ القَرْنِ والأُذُنِ.

وجاء في الامثال : " إن الحاجة يعضبها طلبها قبل وقتها " . نظير قولهم : من تعجل بالشيء قبل اوانه عوقب بحرمانه .


تعريفه اصطلاحا :

قال ابو الحسن العروضي في الجامع في العروض والقوافي :
" واما الاعضب فكل جزء سقط اوله نحو ( مفاعلتن ) حتي يصير ( مفتعلن ) وذلك في الوافر خاصة " .

وعند الجرجاني في التعريفات : هو حذف الميم من " مفاعلتن " ليبقى " فاعلتن " فينقل الى " مفتعلن " ويسمى : معضوبا .

وقال ابن منظور في اللسان :

والأَعْضَب: الجُزءُ الَّذِي لَحِقَه العَضَبُ، فَيَنْقُلُ مُفَاعَلَتُنْ إِلى مُفْتَعِلُنْ؛
وَمِنْهُ قولُ الحُطَيْئَة:
إِن نَزَلَ الشتاءُ بِدَارِ قَومٍ ٭٭٭ تَجَنَّبَ جارَ بَيْتِهِمُ الشتاءُ .
عضب سالم مقطوف سالم سالم مقطوف

وقد اختصر ابن منظور قول الزبيدي في تاج العروس : الجُزْءُ الّذِي لَحقه العَضْب وهو مُفْتَعِلُن مَخْرُوماً 'بالخَاءِ' 'والزَّاي' المُعْجَمَتَيْن من مُفَاعَلَتُن فيُنْقَلُ إِلَى مُفْتَعِلن.

وقال أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ت: ٤٥٨هـ] في كتابه المحكم الاعظم : والعَضَب: أَن يكون الْبَيْت من الوافر أخرم.

وفي الصحاح للجوهري : والاعضب في الوافر: مفتعلن مخروما من مفاعلتن.

وقال الزمخشري في القسطاس : " والخامس: الأعضب. والعَضْبُ: أن تخرم سالماً، فيصير فاعَلَتُنْ. ويردّ إلى مُفْتعِلُنْ. "

قلت : و ( فاعلتن ) تتكون من ( /0///0) اي سبب خفيف + فاصلة صغرى ، بعد ان كانت ( //0///0) وتد مجموع + سبب ثقيل + سبب خفيف .



المناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي ؟

ان المناسبة ظاهرة بين المعنيان فكلاهما قطع ، فإذا حذفنا اول ( مفاعلتن ) وهو حرف ( الميم ) فاننا نقطع جزء من التفعيلة بعد الحذف ، واستعيظ باحد اسماء القطع في اللغة وهو العضب ، والعضب من الكلمات التي تحاكي البيئة التي كان الشعراء يتداولونها بينهم لوصف الاشياء ، وهي ليست كلمة وحشية عفى عنها الدهر بل لازالت ممتداولة الى يومنا هذا .
ولاشك ان العروضيين قد استعاضوا باسماء كثيرة تدل على القطع للدلالة على نوع القطع نفسه في جزء التفعيلة منها ( الخرم والخبر والحذو والخزل والحذف والحذ والصلم والقطف والبتر ..) وهكذا .

وجاء في كتاب المعجم المفصل في علم العروض والقافية للدكتور اميل بديع يعقوب : " والجزء الذي يدخله العضب يسمى " اعضب " تشبيها له بالأعضب من المعز ، وهو المكسور القرن . ...


الفرق بين الخرم والعضب ؟

حتى نعرف الفرق لابد لنا ان نعلم معنى الخرم اولا :
قال أبو عبد الله القرشي :
الخرْمُ بالراء: فهو اسمٌ يُطلَقُ بالمعنى العامِّ على حذفِ أوَّلِ الوتد المجموع من الجُزء الأوَّلِ، وموقِعُه الأجزاءُ الثلاثة المبدوءة بوتد مجموع، وهي: (فعو)لن، (مفا)عيلن، (مفا)علتن، وهي الأصول الثلاثة التي رابِعُها صاحِبُ الوتد المفروق، وهو (فاعِ) لاتن، وقد يدخل الخرمُ الجزءَ وحدَهُ، وقد يجتمع معَهُ غَيرُه، ومن هنا يختلف اسمُ الخرمِ بحسب حالةِ الجزءِ الذي يدخُلُه من حيث سلامَتُه، وزحافُه، ونوعُ هذا الزحاف. وما دخَلَهُ الخرمُ يُسمى مخرومًا، وما لم يدخلْهُ يُسمى مَوفورًا، وأنواعه تسعة هي: الثَّلْمُ، والثَّرْمُ، والخَرمُ، والشَّترُ، والخَربُ، والعَضبُ، والقَصمُ، والجَمَمُ، والعَقصُ. ويسمى الجزءُ: أثلمَ، أثرمَ، أخرمَ، أشترَ، أخربَ، أعضبَ، أقصمَ، أجمَّ، أعقصَ " أ.هـ

يقول الدكتور احمد محمد عبدالدايم في مقال له بعنوان : " حول ظاهرة الخرم واثرها في البناء الشعري "

... إذا كان الجزء سالمًا ودخَله الخرم وحده فهو :

1- أثلم: إذا كان الجزء "فعولن".

2- أعضب: إذا كان الجزء "مفاعلتن".

3- أخرم: إذا كان الجزء "مفاعيلن".

فبين الخرم والعضب عموم وخصوص كما يقول اهل الاصول فكل عضب خرم وليس كل خرم عضب ، و العضب احد انواع الخرم .

وقال الزجاج في كتابه العروض : يُسَمّى الخَرم في الطَويل أثلَم ، وفي الوافر أعضَب .

يقول بعضهم : " لقد شغلت هذه الظاهرة ( اي الخرم ) بمسمياتها صاحب العقد في ارجوزته حيث اورد الظاهرة وحدها في نحو ستة وعشرين بيتا تحوي كل المسميات السابقة ( اي انواع الخرم ) ... انتهى .


التفعيلة التي يدخلها العضب ؟

يدخل العضب على ( مفاعلتن ) فقط ، وهذه التفعيلة تتكون من وتد مجموع وسبب ثقيل وخفيف، أو وتد مجموع وفاصلة صغرى ، وبحكم كونها في اول البيت الوافر فإذا اصابها العضب فانها هذا الجزء يسمى ابتداء عند اهل العروض ، والابتداء : هو اسم لكل جزء يعتل في أول البيت بعلة لا تكون في شيء من الحشو. كالخرم ( اسم يطلق بالمعنى العام على حذف أول الوتد المجموع في أول شطر من البيت ) لأنه يأتي أول البيت خاصة . وغالبا ما يكون في الطويل والمتقارب والوافر والهزج والمضارع. أما النصف الثاني فإن كان البيت مصرعا كان سبيله أول النصف الأول ، وإن كان غير مصرع فإن بعضهم يجيز الخرم في أول النصف الثاني .
وهذه التفعيلة من المفاعيل الاصول التي تبتدأ بالوتد . و ( مفاعلتن ) ولها ثمانية فروع ( بعد دخول الزحافات والعلل عليها ) وهي : مَفاعِيلُنْ، مَفاعِلُنْ، مَفاعِيلُ، فَعُولُنْ، مَفْتَعِلُنْ، مَفْعُولُنْ، فاعِلُنْ، مَفْعُولُ. انظر كتاب القسطاس للزمخشري لمزيد الفائدة .


البحر الذي يدخله العضب ؟

وفي شرح الخزرجية لابي القاسم الفتوح بن عيسى الصنهاجي ( 852 هـ ) : "
ولمــا كــان مفــاعلتن جــزء الــوافر كــان العضــب والقصــم والجمــم والعفــص تخــتص بالوافر .... "


جاء في الخزرجية :

ما جرى من العلل مجرى الزحاف :

وسل ودا أخرم للضرورة صدرها ****** ووضع فعولن ثلمة ثرمه بدا
ووضع مفاعيلن لخرم وشتره ***** وللخرب اعلم بالمراتب ما خفى
مفاعلتن للعضب والقصم والجمم ***** وخرم ونقض فيه عقص وقد مضى


هل يتطور الخرم في العضب و يتغير مسمى العضب ؟

الجواب نعم :

قال الزجاج في كتابه العروض وهو يتحدث عن زحافات البحر الوافر : " ويقَع فيه الخَرم في أوَّلِه فيَصير (مُفاعَلَتُن): (فاعَلَتُن) فيُنقَل في التَقطيع إلى (مُفتَعِلُن)، ويُسَمّى أعضَبَ . فإن اجتَمَع فيه أنَّه مَعصوب وأعضَب كان (مَفعولُن) وكان أقصَم . وإن اجتَمَع فيه أنَّه مَنقوص وأعضَب فهوَ أعقَص ، والأعقَص أصلُه ( مُفاعَلَتُن ) أُسكِن خامِسُه فصار ( مَفاعيلُن ) ثم حُذِفَت النون منه وخُرِم فصار تَقديرُه (مَفعولُ ) فاسمُه أعقَص .... " أ.هـ


حكم العضب ؟

العضب حكمه حكم اصله وهو الخرم لانه احد انواع الخرم ، كما هو معلوم عند اهل العروض ، والخرم من العلل التي تجري مجرى الزحافات عند اغلب اهل العروض ، فحكمها عدم اللزوم في القصيدة ان وجد فيها ، وتوجد في الحشو غالبا .
ويرى بعضهم انها من العلل لان الخرم عنده علة ، فيكون العضب من ملزم لان العلة ملزمة .


ندرة هذه العلة :

ولقد بحثت كثيرا عن هذه العلة ولاشك انها اقل وجودا من جميع انواع الخرم ، فأكثرها وجودا في شعر الشعراء هو القطف لانه ملزم ( واجب ) ثم العصب ... والله اعلم ، ولا شك ان تتبع هذه العلل يضيف لهذا العلم شيئا جديدا وآفاق للبحث .


والحمد الله الذي تتم بنعمه الصالحات .

.