أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: شريط لاصق

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 917
    المواضيع : 188
    الردود : 917
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي شريط لاصق

    شريط لاصق
    أصبعي الصغير ينزف سائلا قاني اللون، ارتعد جسدي ، سأموت! سأموت؟
    وهل سيموت معي حلمي؟ ما زلت صبيا أحلم أن يهديني أبي ملابس ضابط صغير يوم العيد.كذلك الصبي الذي لا يشاركنا اللعب، نحن أبناء جيرته، ورفاق شارعنا.كم أحسده!
    $$$
    ألم أمنعك من اللعب بهذا المقص الصغير، من أين أتيت به أيها الشقي؟
    وحين رأت أمي الحنون، ذلك الثقب الصغير في ركن إلهامي، ضحكت حتى كادت أن تسقط من طولها. ازددت غيظا ، ورددت بحنق. سأموت سأموت. قرصتني من أذني ، نظفت الثقب، ولفت إبهامي بشريط لاصق صغير.
    $$$
    الأسعار مشتعلة ، هكذا كان عنوان نشرة أخبار الظهيرة.
    (رغم أن الطقس شديد البرودة؛ حسن ، فلنستدفيء بلهيب الأسعار.).
    قابلتني على باب السوق ، بابتسامة جميلة لكن باهتة، كان جمالها الزباني مدفونا ،يئن تحت طبقة هائلة من دهون التزيين وألوانها الصاخبة.
    - يا افندم نحن نقدم عرضا لا يقاوم . (أشارت إلى عدة صناديق فوق طاولتها، لخلطة أعشاب برية من انتاج مزارعنا الرسمية من باطن أرضنا الطيبة)
    - -تشتري صندوقين بسعر صندوق واحد.
    - ومدت يدها إلى أرنبة أنفي، بواحد منها؛ ملتصقا إلى جنبه صندوق آخر بشريط لاصق عريض.
    - منتجاتنا طبيعية، وليس بها أي مواد حافظة أو مصنعة.
    - أتحفتني بوريقة مرفقة ، بها المنافع الصحية ، والنتائج السحرية لذلك العشب العتيق.
    (همست لنفسي : جميلة ،لولا ذلك الصندوق وشريط الدهون اللاصق الذي أحسست أنه يحوط وجهها ).
    - نعم يا أفندم؟
    - - لا ولا حاجة.
    - مررت بركن في زاوية المتجر، يحوي بضائع مبهرة؛ لكن غير مسموح للزبائن بدخوله ، إذ كان محاطا بشريط لاصق عريض.
    $$$$
    هرعت إلى بيتي، صاخبا فرحا. جامعا أهل بيتي حول تلك الصناديق الملونة.
    فأنا رجل ديموقراطي شفاف ، لا أخفي شيئا عنهم. فمصيرنا واحد، كما أنني من التواضع بحيث لا أدعي لنفسي علما، ولا أهيم فخرا بأنني أنا الفهيم البصير. ولذلك أعطي كل منهم الحق في التعبير عن رأيه؛ مهما صغر القائل, ومهما هان المقال.فرب تافه لا يأبه به ، يكون له رأي خير من رأيي. "ورب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره" صدقت رسولنا الكريم. صلاة وسلاما عليك يا سيدي.
    -: تعالوا تعالوا!
    اجتمعوا حولي ذاهلين، وأنا أفيض في شرح مزايا المنتج الصحية والتسويقية. وكيف أنني قد وفرت ثمن صندوق كامل حصلت عليه مجانا.
    - هيا .. هيا .. اصنعوا لنا المشروب السحري .. لنحتسيه سويا في حفل مسائي. ها .. ما رأيكم؟
    - وبمجرد أن شربنا جميعا أول رشفة ، حتى خيم علينا صمت رهيب، واستأنفنا الشرب في طاعة وسكون ، وكأننا في حفل انتحار جماعي طوعي ولذيذ.
    - عجبت ! لم كل هذا الصمت الذي ران على أفواهنا وكأن حول شفاهنا جميعا شريط لاصق عريض؟
    $$$
    - خبر عاجل، عثر على مطربنا الشهير ذي الجماهيرية ، قتيلا في قصره العامر.
    - يا ألطاف الله. كم متعنا بتغريده البلبلي، صادحا في جميع المناسبات!
    الشاشات الإعلامية، والصحف اليومية، وبرامج (التفاصل الاجتماعي) تنفجر بصور المغدور ملقى على درج القصر موثوق اليدين والساقين. وعلى فمه شريط لاصق عريض.
    $$$
    اختبأت في سريري؛أدرت تلفوني النقال على أغنية للمغني المفضل عندي !! كان الصمت هو الناتج الوحيد.ألقيت برأسي المنهكة على وسائدي الرطبة؛
    مستدعيا نوما كان لأسابيع ، بعيد المنال ؛ يأتي بصعوبة، ويروح عني بأقل همسة ، وينقشع عن عيني تاركا عقلي كماكينة وابور الطحين في قريتنا القديمة.
    -ترى ،،هل ما زال الطاحون مكانه، يستقبل سنابل الفرح, يخرج منها خير دقيقها، لتخبزه أيادي جداتنا، دفئا وعزا وشبعا وسلاما في البيوت؟!
    رأسي يغلي بأفكار وهواجس،صدري يضيق، انتفض خارجا للشارع الكبير ، ملتمسا شيئا من نسيم مفقتد، وربيع تأخر في القدوم.
    الحواري مغلقة، الشوارع مكدسة بزحام غير معهود في تلك الساعة من الليل.الأكمنة تنتشر، الناس تفيض في الزوايا والحواري والميادين بحثا عن رشفة هواء، من المؤكد أن الزلازل الأخيرة في حوض البحر المتوسط قد أثرت على اتجاهات الهواء في برنا الجميل.الهواء ساكن ولا حركة في وريقة شجر، أو رفرفة في علم, ولا أثرفي الفضاء العريض ،لصوت المغني الحبيب.
    يا ألطاف الله.
    أمواج من البشر تتلاطم في كل اتجاه.
    صاح أحدهم..
    - فلنخرج للصحراء ، هناك لا مبان ، ولا تلوث سمعي أو بصري ، ولا دخان، ولا أخبار أو هذيان على الشاشات، هيا إلى هناك .. صمتا بصمت إذن.
    درنا حول أنفسنا؛ لا مخرج معروفا لنا ، إلا ووجدناه مغلقا.
    إذ كانت مدينتنا الكبيرة محاطة بشريط لاصق عملاق قوي عريض.

  2. #2

  3. #3
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,124
    المواضيع : 317
    الردود : 21124
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    ولكن كأنك وضعت شريط لاصق على قلمي كلما حاولت الرد على قصتك
    أجد صعوبة في التعليق
    ولكن يكفي أنني استمتع بما ترسم من لوحات لاذعة بتصوبر ساخر
    للقطات رمزية وإن كانت مأخوذة من صميم الواقع
    معبرة ومميزة بمحمولها الكبير.
    بورك هذا القلم المبدع.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي