أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: نظارة سميكة

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 920
    المواضيع : 188
    الردود : 920
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي نظارة سميكة

    نظارة سميكة
    قصة بقلمي
    كانت أذناه تحملان ذراعين بلاستيكيين، ينتهيان إلى دارئتين غليظتين ،تحوطان عدستين سميكتين،تبدو عيناه من خلالهما، كأزرار صغيرة مستديرة بارزة.
    وكان محطا لسخرية كل المحيطين به، زملاء الفصل الدراسي، المارة بالشوارع،بنات وصبيان الجيران،القريبات في الزيارات والأفراح.
    إنه في نظرهم ذلك النحيل الأبله، الذي يضع فوق عينيه ( كعب كوباية), أو يحمل فوق أنفه فاترينة محل تجاري.
    - يا أبو كعب كوباية
    - يا أبو فاترينة
    - هع هع هع هع
    - هكذا كان أكثر الناس يفرغ ضيقه من الحياة ، وغيظه من الظروف ، وتألمه من الأقدار ، بالتنفيس عن كل هذا، في ذلك الصبي النحيل، الذي لا دخل له فيما ابتلاه الله به.
    - حتى أبويه، أحيانا ما كانا يسخران من عماه ( هكذا)، إذا اصطدم بجانب باب, أو عثر بارتفاع عتبة، برمي كلمات ساخرة عن ولدهم الأعمى.
    - الجميع يضحكون، بأصوات ساخرة . غير مبالين بالألم الذي يتركونه في نفسه الرقيقة.
    - كانت تلك صدمته من مجتمعه المحيط.
    - الذي كان يسحق وجدانه الرقيق بسخريته ليل نهار، لمجرد أنه يرتدي نظارة طبية سميكة.
    $$$$
    حين وقف أمام ناظرة المدرسة، محاطا باللوم والتقريع، مهددا بالعصا، في حملة عقاب له كتلميذ شرير،أن صفع زميله على وجهه. كان صدره متهدجا بصوت مخنوق، وعيناه تكاد تنفجران دما. وهو في محاولتة اليائسة ليشرح لهم كيف أهانه ذاك الزميل ،وأضحك عليه باقي الصف.بقوله أنه يرتدي (فاترينة) فوق عينيه.
    لم يلتفت أحد لدفاعه المحترق بالعبرات، ولم يعبأوا بما يعانيه وجدانه الصغير، إذ التفوا منزعجين حول زميله ،الذي كانت أسنانه تقطر سائلا قاني اللون على جانب وجنته السمينة.
    كان الحرفوش الصغير يهذي في سره ؛أي ذنب ارتكبه
    أن على عينيه تلك النظارة السميكة!!
    لم تدرك من كانت تعاقبه، ولم تر أن الصدق كان يتساقط من مقلتيه على هيئة دموع ساخنة.فهل كان على عينيها نظارة سوداء معتمة سميكة!!
    (حين تذكر أن الوحيدة من زملاء الصف، كانت الصغيرة (ناريمان), التي وقفت معه، ونهرت ذلك الصبي السمين).شعر بلمسة رطبة تهدهد نار وجدانه الصغير.
    $$$$
    في ساحة اللعب أمام منزله، تجمع الصبية في يوم عطلتهم، ليمارسوا لعب الكرة، وقف بينهم وهم يشكلون أعضاء الفرق المتنافسة؛ لم يكن يحظى بغير السخرية. إذ لم يقبله أي فريق للانضمام اليه.أغرب عنا .
    كيف سترى الكرة ؟ وعلى عينيك تلك النظارة السميكة!
    لا ينسى ذاك اليوم , في المباراة الوحيدة التي جربوه فيها، إذ راوغ بمهارة مدافع الفريق المنافس، وصفق الجميع، وانفرد بالمرمى، وحين أراد التصويب على المرمى ،انزلقت نظارته السميكة بفعل الحركة والعرق، وطارت من فوق أنفه، لحظة أن ركل الكرة ، فإذا بها خارج المرمى الخالي تماما من حارسه.وإذا بصيحات استهجان ،وضحكات سخرية،وتعليقات مهينة.
    (نعم هو السبب في هزيمة الفريق، بسبب تلك النظارة الطبية السميكة.)
    (لكن ناريمان ،، لا تسكن حينا !!!)
    $$$
    وتم رفض طلبه للانضمام الى فريق المدرسة، إذ أن جل أعضائه لاعبين في فريق الحي.
    إذن ضاع أيضا حلم انضمامه لفريق الرسمي ،في تلك اللعبة التي يعشقها، بل ويجيدها، رغم أن على عينيه نظارة سميكة.
    &&&&
    في زحمة المباراة المدرسية ، جلس مغيظا مقهورا صامتا في صفوف المشجعين. فإذا بيد الأستاذ أمين معلم العربية ،تربت على كتفه ، آخذا إياه من ساحة اللعب إلى المكتبة .وكانت تلك بدايته الجميلة.
    _ أنت موهوب ، وشاطر في اللغة العربية، لماذا لا تشارك في جماعة المكتبة أو الخطابة؟
    كان على موعد مع من فتح له باب طاقة أخرى، قد وهبها الله إياها دون أن ينتبه لها؛ إذ لم يعد ضعف بصره تهمه تجر عليه السخريات المتناثرة من أفواه الآخرين، ولم تزده تلك الأصوات الهازئة إلا إصرارا على المقاومة.ما عليه من كل ذلك ، ويكفيه أن تلك الزجاجات السميكة فوق عينيه تمكنه من رؤية العالم وتفاصيل الحياة التي يحبها, ومنمنمات الحروف, وألوان الصور بين أسطر الكتب والمجلات, التي عشق مرافقتها.
    - هكذا كان عالمه السحري الجميل ، بلا سخفاء ساخرين، ولا زملاء هازئين.
    فكان أعز ما يملك من الأصدقاء هما نظارته والكتاب.
    ( وبين أرفف الكتب، تجسدت أمام عينيه فرحته الغامرة ؛ إذ أن ناريمان كانت هناك ، رئيسا لجماعة أصدقاء المكتبة.)
    فانكب على قصص وروايات ومجلات ودوريات ، يقرأها بنهم وسعادة.
    واندفع يستعير ما يشاء من كتب ليقرأها بالبيت.
    وزاد نهمه بالاطلاع، أن كان يستقطع من مصروفه الزهيد، ما يعينه على شراء الكتب المستعملة، والمجلات المقروءة عند بائع الكتب القديمة.
    إذن ذلك هو عالمه البريء النظيف، الذي يفر إليه، ويكمن آمنا مطمئنا في قوقعته التي وهبها الله إياه. حيث شخوص مبتسمة ، مرحة، تأخذك في رحلة طواف ممتعة عبر بلاد الدنيا وأنت جالس على مقعدك.
    &&&&
    حين استدعي من قبل أمين المكتبة إلى مكتب الأستاذة مديرة المدرسة ؛تم تكليفه بإلقاء خطبة باسم تلاميذ المدرسة أمام المسئول الوزاري الكبير.
    هرول إلى بيته، حاملا أوراقا كان عليه أن يحفظها خلال أسبوع، استعدادا للحفل الكبير.
    كانت المنصة زاهية الألوان، حين أقبلت بثقة وثبات، الصغيرة الجميلة ناريمان، بباقة ورود لتقديمها للمسئول الوزاري الكبير.
    كانت النشوة تتملكه وهو يسمع صوت عريف الحفل يقدمه للحضور؛ليقف منتصبا, ممسكا بأوراق خطبته، لينهمر صوته الجميل ، لغة ونغمة، وعيناه تجولان بين السطور والكلمات، مركزا النظر إليها عبر نظارته الطبية السميكة.

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,131
    المواضيع : 318
    الردود : 21131
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    إن كان يرتدي نظارة كعب كباية فهذا ذنب ليس له فيه يد..
    ولكنهم حاسبوه على إعاقته البصرية وسخروا منه ومنعوه من مشاركتهم في اللعب حتى
    لا يتسبب بإعاقته في خسارتهم. وأضاعوا عليه حلم بإنضمامه لفريق الكرة الرسمي
    اللعبة التي يعشقها ويجيدها رغم نظارته السميكة.
    وجعلوه يعاني من اضطرابات نفسية حادة بسبب سخريتهم منه ورفضهم له..
    وكان الحل في يد المربي الحقيقي معلم اللغة العربية الذي وجهه إلى الوجهة الصحيحة
    ليتغلب على مشكلته وتظهر موهبته وبراعته.
    واصبحت الكتب والمجلات عالمه السحري الجميل بلا سخفاء ساخرين ولا زملاء هازئين.

    قصة نجاح واقعية ملهمة لتحدي الإعاقة ليس للعظة والعبرة فقط، ولكن لنعرف أن أي
    إعاقة هى إعاقة الفكر وليست إعاقة الجسد فإعاقة الفكر والعقل هى التي لا يمكن التغلب عليها.
    نص تميز بالكثير من المعاني الجميلة الموحية بحس رقيق صادق وأسلوب ممتع جذاب.
    أبدعت لغة ومضمونا.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي