أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: المبتسم

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد نديم شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 917
    المواضيع : 188
    الردود : 917
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي المبتسم

    المبتسم!
    قصة قصيرة
    عندما تواجهه للمرة الأولى، فلن تشعر إلا بأنك تعرفه منذ زمان بعيد.ترتاح إليه من فورك، وتجذبك ابتسامته الودودة. فلا عجب ان ( المبتسم) ، كان اول من تعرفت عليهم في بداية عملي بتلك المؤسسة فور تخرجي.وقد علمت بعدها كيف عانى للحصول على تلك الوظيفة، بعد حصوله على شهادة متوسطة في تخصص التجارة.
    كانت الوظيفة هي أمله؛ ووسيلته لتحقيق حلمه. بأن يمتلك دخلا ماديا ثابتا،يمكنه من أن يكون له بيت وزوج وعيال.وهو الذي لا يملك من عرض الدنيا سوى بضع قراريط ينازعه فيها كثير من الأقرباء.يزرعها بنفسه ورثها عن أبوين ماتا عنه شابا؛ وكان
    هو ولدهما الوحيد.
    علمت كفاحه بين العمل والزرع. وكيف أن الله وهبه زوجة صالحة تحبه ويحبها. وولدين جميلين هما الدنيا كلها بالنسبة له.
    ×××××××××
    .على مكتب متهالك من الصاج؛ في مدخل الصالة الكبيرة لاستقبال جمهور المتعاملين، كان يجلس متحفزا.
    - اي خدمة يأ اخ. أنت عاوز تعمل إيه بالضبط؟
    هكذا تجد نفسك قد ألقيت عليه بمطالبك وهمومك التي جئت من أجلها لذلك المكان ،المزدحم بالناس والغبار ،والضجيج والعرق.
    - طلبك عند الأستاذ عرفان ، تاني غرفة يمين.
    - أؤمري يا حاجة؟
    - هاتي صورتين بسرعة وتعالي لي تاني.
    - أيوة يا آنسة؟
    - لا ده في الدور الثالث ؛ الأستاذة (رسمية) ، اول غرفة شمال.
    يؤدي عمله بحماس، وهدوء ونظام، وابتسامته العريضة تعلو وجهه المستطيل، ويمتد شاربه من أثرها على جانبي وجههه النحيل. دافعا بسبابته نظارته السميكة إلى أعلى ،إذا انزلقت عن أنفه الطويل؛ بين الحين والأخر.
    كان نحيلا رقيقا؛ صبورا ، مؤدبا، مبتسما، رخيص الملابس نظيفها.بنطال أسود نظيف ، وصندل وقميص أبيض بنصف اكمام ، يطل من جيبه قلم جاف؛ يقدمه لمن يطلبه كي يدون شيئا أو يوقع ورقة؛ وابتسامته هي الوسيط الجميل بينه وبين جمهور المتعاملين.
    هاديء ، لا يصخب ، صبور لا يغضب، مبتسم لا يقطب .يمتلك مهارة متميزة في السيطرة على الطوابير وتكالب المراجعين. ويمكنه بسهولة تنظيمهم وتلبية احتياجاتهم والإجابة عن استفساراتهم، وإشباع تساؤلاتهم.
    لذلك كان محل ثقة مدير المصلحة، الذي وضعه في ذلك المكان لأداء تلك المهمة. الأمر الذي سهل كثيرا من عمل زملائه الموظفين الآخرين، بل ودفع جهده من وتيرة العمل نحو سرعة الإنجاز.
    لكن على الجانب الآخر ، كان محل غيرة البعض، وحقد البعض من الزملاء، ممن يطمعون في مكانه الوظيفي؛ وممن لا يحبون خيرا للناس ولا لأنفسهم ولا للمصلحة العامة.
    غير أن الأستاذ (سعيد فرحات)، المبتسم دائما، المتعاون دائما ، الهاديء الصبور دائما، كان في حماية السيد المدير.
    ××××××××
    ولم يكن ليأبه بهمزات الآخرين ولمزاتهم بأنه ( عصفورة) الإدارة.بل ووصلت بعض الاتهامات من قبل بعض الخبثاء إلى حصن الزوجية لديه؛إذ أشاعوا بأن زوجته تعمل لدى زوجة المدير خادمة لها. أنكروا على زميلهم كل كفاءة يمتلكها، وأغمضوا عن كل جهد يبذله، وتغاضوا عن كل إخلاص يبديه؛ وكيف له أن يناط به تلك المهام المريحة ( في نظرهم)، ويمنح العلاوات الاستثنائية ،دون ان يدفع ثمنا لها.
    ××××××××
    ولأن الأيام لا يدوم صفوها، فقد رقي المدير إلى منصب أعلى في مكان آخر.ورغم أنه قد طلب من مديره الذي يثق به، انتدابه إلى تلك المكانة الجديدة ، كي يبقى بجواره؛ فإن السيد المدير ، في زحمة المهنئين ،لم يبد كثير اهتمام لمطلب صاحبنا الذي أقبل على رئيسه هاشا، مبتسما ،مهنئا بالمنصب الجديد.رغم أنه قد وعده خيرا.
    وحلت رأس جديدة في المصلحة، وجاءت معها الكثير من الأفكار والمتغيرات والقرارات. وتبدلت المهام، وتوارت شخصيات ، وبرزت أخرى.وكان أن تركت أنا المكان في إجازة لزوم هجرة وعمل قد طال لسنين.
    ××××××××
    عندما عدت من سفري الطويل إلى مبنى المؤسسة ،كي أنهي بعض وثائق تخص إجازتي السنوية،وجدت الزحام شديدا، ومسيرة العمل متوقفة والأروقة مزدحمة ،والصرخات متبادلة بين الموظفين والمراجعين.
    بحثت عن (سعيد فرحات)، فلم يدلني أحد. سوى ساعي عجوز، تذكرت وجوده معنا ؛من ملامح وجههة التي شكلتها سنون عمره التي قاربت الستين. هرعت إليه متسائلا متلهفا.ومن ملامح وجهه الحزين، استشفيت شيئا جللا وشرا مستطيرا ،قد لحق بذلك الصبور المبتسم.
    لم ينطق العجوز بشيء يشفي غليلي ، سوى بضع كلمات كانت كالمطارق في رأسي :
    - منهم لله. ربنا يشفيه.
    ويكون في عون أهله.
    - هل ما زال في بيته القديم؟
    - نعم.
    ×××××××
    كنت أعلم أنني الوحيد الذي قد سمح له بدخول بيته في الماضي. الأمر الذي شجعني على زيارته.
    كان ولداه قد وصلا لتوهما محطة الشباب. كان استقبالهما لي حزينا غير ودود ؛ شعرت لحظتها بأنني غير مرحب بي؛ غير أن استقبال زوجته الفاضلة ؛ أزال شيئا من الحرج عني.وسمحت لي برؤيته من باب غرفته.
    رأيته وقد صار جسده أكثر ضعفا ونحولا،وأبيضت رأسه وشاربه الكث الذي يعلوه أنفه الطويل، وقد انزلقت فوقه نظارته السميكة ؛ كان على أريكة إلى جانب النافذة، أمامه طاولة نظيفة فوقها كمية هائلة من الأوراق ،والملفات المرتبة بعناية؛ لا ينتبه لأي من يدخل عليه، ولا يهتم به؛ يتطلع في الأوراق،ثم يشير في صمت إلى اليمين مرة ،ومرة إلى اليسار ،وابتسامته العريضة تملأ المكان.

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,124
    المواضيع : 317
    الردود : 21124
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    تبسمك في وجه أخيك صدقة هكذا علمنا النبي صل الله عليه وسلم أن البشاشة والسرور تعتبر معروفًا ونؤجر عليه
    فالابتسامة لها رونق وجمال، وتعابير تضفي على وجه صاحبها الراحة والسرور.
    يابال إذا كان إنسانا خلوقا خدوما يعمل على مساعدة الناس لقضاء حوائجهم بحماس وتعاون وصبر وبابتسامة.
    حتى بعد أن طالته يد القدر في مقتل ، وتاه منه العقل وغاب .. فقد ظلت ابتسامته العريضة تملأ المكان.

    بعين الأديب وبعقل المفكر تبحث لنا في تلافيف الذاكرة على نمازج من قصص البسطاء
    الذين يعيشون بإكتفاء وقناعة ورضا كبير وصفاء ـ والذين يتركوا بصمة لا تنسى في الذاكرة ولهم أثرا بليغا.
    تحياتي وتقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي