أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: المجموعة الثامنة : أجزاء مسلسلة من رواية قنابل الثقوب السوداء

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Feb 2023
    المشاركات : 49
    المواضيع : 22
    الردود : 49
    المعدل اليومي : 0.10

    افتراضي المجموعة الثامنة : أجزاء مسلسلة من رواية قنابل الثقوب السوداء

    صنع الثقب الدودي (التجربة الرابعة لكاجيتا)ج3
    إبراهيم أمين مؤمن-مصر
    فور أن جاءته الأسطوانة نظر إليها بتأمل، ثم مرر يده اليمنى عليها ويناغيها كمناغة الأم لرضيعها، أما يده اليسرى فكان يمسك بها قلبه.
    قال كاجيتا لفريقه وهو لا يكاد لا يستطيع التنفس: «الجرفيتونات العالقة لم تتحرر بسبب أن قوة تماسكها بالمغانط أكبر بكثير من قوة الليزر، وهذه الأسطوانة سوف توفر لنا الطاقة اللازمة لفصل تلك الجرفيتونات.»
    وأشار إلى ناكامورا بتسليط الضوء على الأسطوانة بيد أن الباحث الذي قضم أظافره من قبل انتفض قائلا: «دعني أنا أشاركك هذه التجربة.»
    قال كاجيتا وهو يشير إليه: «ما ينفك عنك شغفك بالعلم حتى يقتلك (يقصد العلم).»
    وحقق له كاجيتا أمنيته.
    هرول نحو مصدر يشع ضوءا رهيبا، وسلط هذا الضوء على الأسطوانة.
    كان في الجهة المقابلة ينصب ناكامورا مجموعة من العدسات والمرايا لصناعة الليزر، مر الضوء خلالها فحصل كاجيتا على ليزر هائل.
    وبقياس قوة هذا الليزر من خلال جهاز خاص صُعق كاجيتا.
    فأشار إليهم دون أن يتكلم ليقرءوا ما على ذلك الجهاز الخاص. فصعق ناكامورا أيضا وكاد يطير عقله. أما قاضم أظافره فترك جهاز الضوء وأقبل على الجهاز الذي دون قوة الليزر ونظر في القراءة وقال: «ليزر بقوة 5.3 بيتا وات.»
    فور أن قال ذلك نظر إلى كاجيتا الذي صاح بهم كي يحضروا له ورقة وقلم. أما ناكامورا فطفق يعد على أصابعه محاولة منه لإحصاء قوة الليزر المتولد.
    قال ناكامورا: «سيدي كاجيتا، إن قوة أشعة الليزر المتولدة بهذه الطريقة تعادل 1000 مرة قوة جميع محطات الكهرباء حول العالم مجتمعة.»
    قال كاجيتا: «وربما أكثر.» وسرعان ما همس إلى نفسه: يا للغرابة! كيف توصل هذا الآلي خلف الثقب الأسود أن يبتكر هذه الطريقة! ولم تستغرب يا كاجيتا وقد استطاعوا تحويل نجم صغير إلى ثقب أسود ليخلقوا خلاله معبرا يعبرون إلينا من خلاله؟! ملاعين.
    ***
    أمسك كاجيتا بجهاز الليزر ذي الطاقة الخارقة، وأمر ناكامورا بالوقوف في الاتجاه المقابل ومعه جهاز ليزر يحمل نفس القوة.
    قال له: «الآن سأحرر الجرفيتونات العالقة من المغانط، ثم استمر على الدوام في دفعها إليك، سوف تستقبلها أنتَ بتسليط الليزر من الجهاز الذي معك في الاتجاه المضاد قبل أن تهرب إلى كونها المجهول، ستعود الجرفيتونات مرتدة بتسليطك يا ناكامورا لتجد أمامها دفقات أخرى متحررة من المغانط، ويحدث بينهما ارتطام رهيب سوف يؤدي في النهاية إلى ضغطها جميعا لتتحول تلك الطاقة غير المرئية إلى مادة حجمها قدر حجم سن الدبوس؟ أفهمت يا ناكامورا؟ هيا لنبدأ.»
    وسلط أشعته على الجرفيتونات العالقة بالمغانط، فلم تتحرر الجرفيتونات.
    نظر بعضهم إلى بعض في قلق وتوتر، أما كاجيتا فلم يظهر على وجهه التوتر وإنما المرض قد فكك أوصاله، وما عادت يداه تثبت على حال من شدة الارتعاش.
    ركز قاضم أظافره على معلمه فوجد أن المرض بلغ منه مبلغا، أسرع إليه وطلب منه يستريح، قال كاجيتا له: «لا بأس، سلط الليزر واستمر حتى تتحرر هذه الجرفيتونات العالقة، وأنت يا ناكامورا استمر على الدوام في إطلاق حزم الليزر ولا تتوقف أبدا حتى لا تهرب الجاذبية (يقصد الجرفيتونات) إلى كونها اللعين.»
    مضى نحو ساعة، وبدأت الجرفيتونات تتحرر بالفعل، فأدركها ناكامورا وهو يقول: «أتظنين أيتها الجرفيتونات أن تهربي وأنا معي مثل هذا الليزر، عليك بالعودة لتصطدمي مرة أخرى بأخواتك الذين تحرروا من أسر المغانط.»
    فلما رأى كاجيتا الجرفيتونات تتحرر وتتصادم مع بعضها نهض كالحصان، دفع قاضم أظافره بقوة حتى وقع على الأرض رغبة في تسليط الليزر بدلا منه.
    وبتصادم الجرفيتونات بتسليط الليزر عليها في اتجاهين متضادين انضغطت جميعها حتى بدأ يظهر أمام الجميع وكأن بيض برغوت يتحرك أمامهم.
    هنا صاح كاجيتا وقال: «لقد نجحت، لقد نجحت، لقد حولت الطاقة إلى كتلة، هذا هو سن الدبوس الذي سأنكئ به أدبار الأمريكيين.»
    وظل هذا الرجل العجوز -الذي منذ ساعتين كان في غرفة العناية المركزة- يتراقص ويغني.
    وفجأة توقف وأخذ يطأ بقدمه اليمنى الأرض، ويضغط بها بقوة ويحركها جهة اليمين وكأنه يريد أن يسحق شيئا تحت قدمه، أما وجهه فقد قطب وفتح ثغره على مصراعيه وهو يكز على أسنانه ويقول: «ها هي أعناق الأمريكيين تحت قدمي.»
    ***

    التجربة الرابعة:
    قال كاجيتا: «والآن علينا الآن ثقب سن الدبوس حتى نخلّق ممرا لانتقال أي مادة يجذبها ومن ثم ينقلها إلى بُعد آخر.»
    قال ناكامورا: «تقصد عمل ثقب دودي سيدي كاجيتا، لكن كيف؟»
    أجابه: «ليس ثقبا دوديا عاديا يا ناكامورا، إنه ثقب سالب، والآن أحضر لي يا ناكامورا بعضا من ذرات الرابيديوم.»
    نظر بعضهم إلى بعض في دهشة لم تزايلهم أبدا.
    قال قاضم أظافره متمتما: «إن الثقب الدودي السالب عندما يسلط عليه الليزر يظل ينفتح إلى ما لانهاية ما دامت تلك الأشعة مسلطة عليه، أهذا معناه أن سن الدبوس هذا يتحول إلى طاقة تغطي مساحة كبيرة؟»
    قال كاجيتا: «كلامك صحيح، بل أستطيع أن أحول حجم سن الدبوس هذا إلى حجم ولاية كاليفورنيا في بضعة شهور دون أن يعلموا بمكاني.»
    فور أن قال كاجيتا ذلك وضعوا أياديهم على ثغورهم، بينما عيونهم كادت تنفجر من شدة التوسيع دهشة.
    تناول كاجيتا ذرات الرابيديوم من ناكامورا.
    سلّط حِزم الليزر باستمرار على ذرات الرابيديوم.
    قال: «والآن تحولت ذرات الرابيديوم إلى "تكاثف بوز آينشتاين" وهي حالة خامسة من حالات المادة بخلاف الحالات المعروفة.»
    نظر إليها كاجيتا من خلال المجهر، ثم قال وهو لا يزال ينظر: «ذرات رابيديوم خاملة بعد سحب الطاقة منها، ذرات ثابتة، إلكتروناتها بلغت من الكبر عتيا، الآن سأغير اتجاه لفها المغزلي حتى تتحول إلى كتلة سالبة.»
    وظل كاجيتا يغيّر في اتجاهها بالفعل بوساطة الليزر وهو يقول: «هيا يا أحبائي، هيا، ها قد انتهيت وحصلت على الثقب الدودي.»
    ثم صاح كاجيتا بالجميع: «أجمعوا لي أكبر كمية من ذرات الرابيديوم السالبة، هيا.»
    وبعد أن أمسكها قال: «المفاجأة يا سادة أن هذه الذرات متماثلة تماما، كل ذرة تماثل الأخرى تمام التماثل، أي أن كل ذرة ترتبط بالأخرى من خلال حبل مشيمة سري يسمى التابع الموجي، أي ما يربط الذرة بالذرة الأخرى هو التابع الموجي الذي حدثتنا عنه النظرية الموجية لشرودنجر.»
    ضرب ناكامورا وهو يقول: «أيها البوذا العظيم، بينهم تواصل كمومي.»
    قال كاجيتا: «نعم يا ناكامورا، بينهم تواصل كمومي، والآن سوف نزرع نصف هذه الذرات في مركز هذه البيضة (الطاقة التي حولوها إلى كتلة منذ قليل) والنصف الآخر سوف أحتفظ به، وحدي أنا دونكم جميعا، فهي محرمة، عند تسليط الليزر على هذه التي بيدي سوف ينتقل الفعل إلى ذرات الرابيديوم المتمركزة كثقب دودي في بيضة البرغوت حتى لو بين تلك التي بيدي وبين التي في البيضة ملايين السنوات الضوئية بشرط ألا يفصلنا عنها ثقب أسود، ومع استمرار التسليط يتوسع الثقب الدودي وتعمل الجرافيتونات بعد أن تتحول إلى طاقة على جذب المادة من حولها، ولن يتوقف التوسع إلا عندما يتوقف تسليط الليزر، وبذلك نكون قد انتهينا تماما من صناعة قنابل الثقوب السوداء. وما بقي سوى تجربتها، سوف نجربها تحت معادلة لأول مرة تدون في تاريخ الفيزياء وقد أسميتها معادلة كاجيتا للثقوب السوداء، وهي: «كلّ ساعة تسليط ليزر بقوّة جيجا وات تقوم بتوسعة الثقب واحد كيلومتر».»
    ***
    تجربة القنبلة:
    خرج كاجيتا وفريقه إلى الصحراء تقلهم سيارتان، ومعه خمس قنابل من قنابل الثقوب السوداء، توقفت السيارتان، صرّ كاجيتا أربع قنابل ووضعها في جيبه، أما الخامسة فقبض عليها بيده.
    نزل كاجيتا ونزلوا خلفه، كان على مقربة منهم بعض الأشجار الصحراوية وبحيرة صغيرة، نظر إليهم كاجيتا وقال: «أشد ما يؤلمني أن يكون أول ما يلتهم في هذه القنبلة (ينظر إلى القنبلة التي بيده) تلك الأشجار البريئة وماء الحياة ولم تكن أجساد الأمريكان الآثمة.»
    وضع كاجيتا القنبلة التي بيده على الأرض حتى لا تطير، ووضع عليها حجرا، نظر جيدا، بعد أن تأكد أنها أسفل الثقل ابتعد واستقل السيارة وأمر بقية الفريق بأن يتبعوه.
    كل واحد منهم ينتظر نتيجة تجربة قنبلة الثقب الأسود في ترقب وشغف إلا قاضم أظافره، فجسده يرتعش، وعيناه يكادا ينخلعان من محجريهما صوب الحجر.
    أمرهم بالتوقف بعد أن ابتعدوا عن القنبلة الملقاة على الأرض مسافة 2كم وبضعة أمتار ثم نظر حوله فوجد حجرا مسننا، فرفعه عن الأرض وخط به خطا أمامهم وقال: «إياكم أن تعبروا هذا الخط فتقعوا تحت جاذبية الثقب الأسود.»
    وبسرعة، أمر ناكامورا بإحضار مقاريب من السيارة وأعطى كل واحد منهم مقرابا وهو يقول: «سترصدون عمل القنبلة بهذه المقاريب ثم تخبروني بالأحداث.»
    وأعطى ناكامورا كاميرا تصوير يمكنها التصوير عن بُعد.
    هرول قاضم أظافره وخطفها من ناكامورا خطفا. فنهاه كاجيتا قائلا: «لا تحزن، أعلم مقدار شغفك بالعلم، وسوف تشاهد كل شيء بالمقراب.»
    فابتعد عنه قاضم أظافره مفكك الأوصال مكسور القلب ذليل النفس.
    وتوجه كاجيتا إلى السيارة، كل واحد منهم ينظر إليه ويدعوا له بالتوفيق إلا ناكامورا، فقد كانت عيناه مسلتطان على الصرة التي تحتوي على القنابل وهو يقول في نفسه: «لولا هؤلاء (يقصد بقية الفريق) لانقضضت عليك وقتلتك لأمتلك تلك القنابل (وناكامورا يعلم أن القنابل ليس لها قيمة بدون ذرات الرابيديوم الموجودة مع كاجيتا).»
    ***

    توجه كاجيتا إلى الليزر مباشرة، ومعه خمس مجموعات من ذرات الرابيديوم، كان يقبض عليها بحرص شديد لأنه لا يمكن تفعيل عمل القنبلة بدون تلك الذرات.
    وضعها بطريقة مناسبة وسلّط عليها نبضات الليزر لمدة ساعتين، وقوة النبضة الواحدة واحد جيجا وات، وانتقل الفعل تماما إلى ذرات الرابيديوم الموجودة في القنبلة التي بالصحراء. ما بقي له سوى تحويل تلك الذرات إلى كتلة سالبة حتى يتمكن من فتح الثقب الدودي (ذرات الرابييوم) المتمركزة بالقنبلة (متمركزة وسط مجموعة لا تحصى ولا تعد من الجرافيتونات المضغوطة).
    وبالفعل، تمكن من تحويلها من مادة عادية إلى مادة سالبة بالتحكم في لفها المغزلي.
    ***
    قبل أن ينتهي كاجيتا من تحويل ذرات الرابيديوم إلى مادة سالبة ببضع ثوان كان قاضم أظافره ينظر صوب القنبلة من خلال المنظار، وجسده يرتجف بشدة، فجأة ألقى بالمقراب واتجه نحو السيارة.
    نظروا إليه وأيقنوا أنه يود ركوب السيارة والنظر فيما سوف تفعله القنبلة عن قرب، فسعوا خلفه ليدركوه بيد أنه كان أسبق منهم، أدار السيارة قاصدا النظر إلى القنبلة عن كثب.
    نادوا عليه في هلع، تخطى بعضهم الخط بيد أن ناكامورا نهاهم بقوله: «ارجعوا يا مجانين ستموتون.»
    فعادوا أدراجهم، ونادى على قاضم أظافره: «ارجع يا زميلي، لا تكن مجنونا.»
    لم يبلغ الصوت أذني قاضم أظافره بالطبع، حتى لو كان الصوت في محيط سماع أذنيه فلن يسمع أيضا، فقاضم أظافره لا يسمع إلا نداء واحدا يطرق أذنيه بشدة، هو صوت الشغف بالعلم.
    بعد لحظات من تجاوز قاضم أظافره خط كاجيتا قد انتهى كما قلنا من تفعيل عمل القنبلة.
    نظر فريق كاجيتا إلى القنبلة فوجدوا الأشجار والبحيرة وكل ما حولها في محيط 2كم طولا وعرضا وعمقا (أي أسفل سطح الأرض) قد انجذبوا تباعا تباعا وسط هالة كبيرة تمتد في كل الاتجاهات لمسافة 2كم من جميع الجهات.
    أما قاضم أظافره فلأنه واقع في هذا المحيط فقد جذبه أفق حدث القنبلة والتهمته لتلقي به في كون آخر لا يعلمه أحد.
    فور انتهاء عمل القنبلة ركضوا متوجهين إلى هناك، فلما وصلوا رأوا حفرة عميقة.
    قال ناكامورا مذهولا: «هذه الحفرة عمقها بالضبط 2 كم، لن تزيد سنتيمترا واحدا.»
    هاتفهم كاجيتا ليطمئن على عمل القنبلة، فقصوا عليه ما حدث. فأسرع نحو المكان والتقيا فيه.
    قال كاجيتا وهو ينظر إلى الحفرة: «لأول مرة في تاريخ البشرية تنقص المساحة الكلية لكوكب الأرض ثمانية أمتار مكعبة، والآن حانت لحظة الانتقام.»
    وأشار إلى كل واحد منهم وهو يقول: «إياكم أن يعلم أحد بأمر تلك القنابل.»
    وتنبه إلى غياب قاضم أظافره فسأل عنه، فأخبروه ما حدث.
    فتألم لذلك ألما شديدا وتأسف كثيرا.
    في الصباح الباكر حزم كاجيتا وفريقه أمتعتهم متوجهين إلى بلادهم.



    فهمانُ يرى الشيطانَ باستخدام الفيزياء النووية ج1

    زالت الخطورة عن فهمان، وأول من علم بزوالها هو الرئيس مهدي الذي كان يتابع حالته من قصر الاتحادية لحظة بلحظة، وقرر فريق الأطباء إخراجه على إثر ذلك.
    على مدار الفترة الفائتة كان جاك يتابع ما يفعله كاجيتا في FFC-2 بطريقته الخاصة منذ لحظة وصوله فيما عدا لحظة خروج كاجيتا من حجرة العناية المركزة لأنه بالأساس لم يره لحظتها، ولم يكن بوسعه فعل أكثر من ذلك (المتابعة) لأنه واقف على باب حجرة العناية المركزة ترقبا لخروج فهمان، ولم يجلس قط.
    لذلك أول ما وصله الخبر بأن كاجيتا عاد مجددا للعمل على المصادم ذُهل، ولأول مرة يترك باب الغرفة ويركض كالعدّاء -مفكك الأوصال، ووجهه تحوّل من اللون الأصفر إلى الأحمر في غمضة عين- حتى وصل إلى غرفة العناية المركزة التي دخلها كاجيتا فلم يجده بالفعل.
    فعاد سائرا مهزوما مكسور النفس ولزم باب فهمان مجددا، وجل فكره منصب ما بين الخوف على فهمان وما سيحدث للعالم لو تمكن كاجيتا من صنع قنابل الثقوب السوداء (لحظتها كان كاجيتا يحاول تحويل الطاقة إلى مادة كما أخبرتكم سابقا).

    ***
    وبعد مرور بضع ساعات جاءه الخبر عبر الهاتف أن كاجيتا وفريقه حزموا أمتعتهم قاصدين اليابان. فأنزل الهاتف وانتفض جسده بشدة، وأخذ يتمتم بقوله: أكيد تمكن الملعون من صنع قنابل الثقوب السوداء. ولم يدر ما يدور حوله لحظتها، ولم يقطع عنه عدم إدراكه بما يدور حوله إلا عندما اصطدم "الترول" الذي يحمل فهمان به. عندئذ نسي كل شيء والتفت كل جوارحه إلى فهمان، وانتفض جسده بشدة عندما رأى كامل جسده مسجى.
    فسأل أحد الأطباء بجسد يرتعش خوفا: «إياك أن تقول لي إنه ...»
    رفع المسئول الكمامة عن وجهه وقال: «إنه بخير فلا تخش دكتور جاك، لكنه في حالة غيبوبة.»
    فور أن سمع منه ذلك كأن الروح التي انتزعت من جسده منذ لحظات قد عادت إليه وقال: الحمد للرب.

    ***
    يرقد فهمان على سرير المستشفى وبجانبه جاك الذي لم يرفع عينيه عنه قط، كل همسة وكل لمسة وكل نفس يصدر عن فهمان تجد لها في جوارح جاك خنوع العبودية والخشوع لفهمان.
    أما فهمان فهو في شأن آخر، فقد أتاه أبوه وهو نائم وقال له مستاء والغضب يتجول في ملامح وجهه: «لماذا أنت نائم؟ قم يا ولد فالعالم يحترق وهو بحاجة إليك، أدركْ فلسطين، أدركْ الأقصى.»
    استيقظ فهمان على نداء أبيه، وشهق شهقة أفزعت جاك كثيرا، ثم ما لبث أن رفع يده اليسرى بشق الأنفس وهو يشير جهة الجدار الذي كان أبوه يقف فيه ويصرخ صراخا مكتوما: أبتِ، أبتِ لا تتركني. ثم داهمته الغيبوبة مرة أخرى.
    انكب عليه جاك هلعا، يمسح جبينه الذي أغرق عرقه الوسادةَ في لحظات وقال: «لا بأس عليك يا صديقي، لا بأس، أنت بخير.»
    قال جاك في نفسه: عزيمتك قوية يا فهمان، وعندما أزكاها أبوك لك ستبلغ عنان السماء، وايم الله إن هذا العرق الذي نز من جبينك كأنه المرض الذي غادر جسدك توا.
    ولقد صدق حدس جاك، فقد استيقظ فهمان وقد شعر بتحسن غريب.
    قبله جاك وحمد الرب على سلامته، لكن فهمان لم يقل له شيئا وإنما أخذ يفكر بعمق عن كيفية الوصول إلى الوتر الناري المهتز الذي يوصله للجسر الذي يعبره ويصل إلى الشيطان بعد دق بوابتهم.
    فجأة التفت إلى جاك وقال: «جاك، جاك.»
    نهض جاك وامتدت عنقه إليه وهو يربت بيده على كتفه ويقول: «لبيك، لبيك يا فهمان.»
    - «هل من أخبار عن كاجيتا؟»
    - «رحل عن مصر منذ بضع ساعات.»
    - «بهذه السرعة!»
    نظر فهمان في الجهة المقابلة لجاك، وتأسف قائلا والدمع على خديه: «رحيله بهذه السرعة يؤكد أنه قد أحدث أمرا، أخشى أن يكون قد تمكن من صنع قنابل الثقوب السوداء.»
    لم يعلق جاك واكتفى بالسكوت.
    بعد لحظات قال فهمان بعد أن أدار وجهه مرة أخرى: «لابد أن أدرك كاجيتا قبل أن يفعل شيئا بهذا العالم، سوف تلتف حوله الشياطين وتوسوس له بفعل شيء به.»
    قالها وأجهش ببكاء دموعه حارة كاللهيب، وقال بصوت متقطع: «جاك، لابد أن أدك الشياطين قبل أن يغووا كاجيتا. أرجوك ساعدني في الوصول إليهم.»
    وظل يتوسل وجاك صامت لا يتكلم وإنما كان يحادث نفسه بقوله: هو صنعها بالفعل، وكم حذرتك يا فهمان أكثر من مرة بأن تمنع كاجيتا عن العمل على المصادم أو حتى تغلقه فلم تمتثل. أما سفرك إلى إبليس فلا أجد أي جدوى منه فضلا عن صعوبة الوصول إليه ومجابهته.
    ترفق به جاك وقال والدمع يتفجر هو الآخر من محجري عينيه: «سأساعدك، حاضر، سأساعدك.»
    نهض فهمان كالحصان وانطلقا معا إلى النفق لإجراء تجارب العبور إلى الشيطان.
    ***
    جاء الخبر إلى يعقوب إسحاق بأن فهمان وجاك متواجدان أمام المصادم فتوجس شرا، قال أحد أعضاء المنظمة الماسونية له: «إني أرى أن تصدر أمرا باغتيال الاثنين معا خشية أن يحدث بينهما وفاق كما حدث بين بروفيسور بيتر والعالم المصري المغتال من قبل.»
    قال يعقوب: «أختلف معك يا صديقي، أعتقد أن المنظمة لن توافقك الرأي، فرغم حب جاك لفهمان إلا أنه يدين بكامل الولاء للولايات المتحدة الأمريكية، بروفيسور بيتر نزل مصر من أجل مناصرة القضية الفلسطينية لذلك كان لابد من اغتيال العالم المصري والقبض على بروفيسور بيتر ورده إلى بلده، أما جاك فليس همه سوى الخلاص من الثقب الأسود المتواجد في مقدمة سحابة أورط.»
    سكت لحظة ثم قال مستدركا: «كما أن الخلاص من جاك يفسح المجال للثقب الأسود بأن ينهي على العالم كله.»
    قال العضو: «إذن لا جدوى من عرض الأمر على المنظمة.»
    قال يعقوب: «سأكلف المخابرات الإسرائيلية بكافة أجهزته بأن يكثف جهوده في مراقبة فهمان وجاك، وسنخبركم بالتطورات لتقولوا فيه رأيكم الأخير.»
    ***
    وقبل أن يشرعا في إجراء التجارب لخلق المعبر نحو بُعد الجنّ ناول فهمانُ جاك ورقة مكتوب فيها معادلة صنع قنابل الثقوب السوداء؛ تلك التي توصل إليها كاجيتا بعد جهد مضن وباستعانة آلي من كون آخر، وقال له وكلتا عينيه تتفجران دمعا: «أتظن أن كاجيتا توصل إلى هذه المعادلة أثناء فترة عمله على مصادمي؟»
    قالها فهمان له وكان يرجو أن يجيبه جاك ب "لا" مع تأكده بأن كاجيتا قد توصل إلى المعادلة، لكنه كان يبحث عن بصيص من أمل، أي أمل يقلب الحقيقة.
    نظر إليه جاك وقال: «لا جدوى من هذا الكلام الآن، علينا فقط بالبحث عن المعبر لأودعك الوداع الأخير.»
    نكس فهمان رأسه في الأرض ولم ينبس بكلمة، أما جاك فرغم خوفه الشديد بتمكن كاجيتا من صنع القنبلة إلا أنه انتبه لقدرة فهمان الأسطورية في الوصول إلى معادلة قنابل الثقوب السوداء دون أن يجري أي تجارب حتى قال في نفسه: أعلم أنك معجزة في إتقان الفيزياء النووية يا فهمان.
    لم يجد فهمان أي بارقة أمل في أن يكون كاجيتا لم يتوصل إلى صنع القنابل، رفع رأسه من النظر إلى الأرض وقال: «إذن علينا بإنجاز التجارب حتى أمنع إبليس من تسخير الجان لأذني كاجيتا فيحدث أمرا بهذا العالم المسكين.»
    طأطأ جاك رأسه إعجابا بعزيمته وإخلاصه ومع ذلك قال في نفسه: علي أن أحاول معه محاولة أخيرة قبل تلبية رغبته.
    لذلك قال جاك: «فهمان، أعاود وأكرر، لا أجد جدوى من السفر إلى الشيطان، وإن كنت كما قلتَ تودّ السفر إليهم من أجل فضّ النزاعات بين القوى المتشاركة في الحرب النوويّة فإنّي أقول لك دعهمْ فلن يثنيهم عن حربهم شيء من هذا القبيل حتى لو قتلت الشياطين جميعًا، لأن نفس الإنسان هي المتحكمة في أفعاله وليست الشياطين. ولن يردع النفس عن غيها سوى ذل الأعناق، وثقب سحابة أورط سوف يأخذ بنواصيهم فيخضعون.»
    قال فهمان: «يا جاك، وساوس الشيطان تعاضد النفس في غيها، وتردعها في خيرها، يا جاك، أريد للناس الهداية من غير الحاجة إلى ذل أعناقهم، لا أريد أن أسمع عن الحروب مرة أخرى، لذلك لابد من قتل إبليس.»
    - «لو افترضنا أن كلامك صحيح، فهل تستطيع أن تقتل إبليس إذا نجحت في اجتياز جسر الشيطان؟ إني أرى أن المعركة غير متكافئة وقتْلك محتم ولا ريب.»
    بُهت فهمان، وأنزل رأسه خزيا، وأخذ يتمتم بكلام غير مفهوم تعبر عن عجزه وضعفه؛ فهو يعلم قدرة إبليس الخارقة.
    أما جاك فقد فرت الدموع من عينيه وهو يخاطب نفسه: تعلم أن ذهابك إليه فيها خطورة شديدة عليك ومع ذلك تود أن تقاتله، ما أعظم إخلاصك وتضحيتك يا فهمان!
    رفع فهمان رأسه بسرعة مع رفع يده أيضا: «فور طرق البوابة ربما يفتح لي الملك محرز، ملك الجان الأحمر، عدو إبليس اللدود.»
    أعجزه جاك مرة أخرى بقوله: «ربما يكون الملك محرز نفسه وأتباعه مكبلين بأغلال النار، ولم لا! ألا ترى أن إغواء إبليس لهذا العالم بلغ المشرق والمغرب!»
    بُهت فهمان مرة أخرى، وقال لنفسه: ما قيمة الحياة في عالم كهذا؟ لابد أن أحاول حتى لو نسبة نجاح العملية 1%.
    ترصد جاك ملامح وجه فهمان وأيقن أنه لا جدوى من الحديث معه في هذا الأمر، لذلك قال: «أعلم أنّ وترنا لابدّ أن يكون نارياً، لا هو طيني ولا نوراني.»
    رفع فهمان رأسه مع رفع يده لأعلى مرة أخرى وبادره بالتفاعل فيما قال توا: «بالضبط، وسنضطر نبحث عنه من بين ملايين الثقوب المجهرية وهنا مصدر الصعوبة، فالبُعد الذي أود طرقه لأحلّ به واحد من هؤلاء، وبطبيعة الحال يا جاك فإنّ البُعد مرتبط بخصائص الثقب وشكله.
    قال جاك: «إذن حانت ساعة الصفر، لنبدأ التجارب.»

    ***

    فهمانُ يرى الشيطانَ باستخدام الفيزياء النووية ج2

    قبل أن يتشارك جاك التجارب مع فهمان نظر في الورقة التي دون فيها فهمان المعادلة الخاصة بصناعة قنابل الثقوب السوداء دون أن يجري أي تجارب، ولو تجربة واحدة، وقال له: «لولا تأكدي بأن الأفكار والتجارب تتبلور في ذهنك بسرعة وبدقة مذهلة كالتي بين يدي هذه (يشير إلى معادلة صناعة قنابل الثقوب السوداء) لِمَا وافقت على العمل معك، وقلت لك ليس لدي وقت لأهدره، ويجب علي أن أدرك ثقب سحابة أورط وأحطمه قبل أن يلتهمنا جميعا، ورغم عبقريتك التي طغت على عبقريات كل الموجودات فإني أرى أن احتمال نجاح عبورك إلى كوكب الجن احتمال ضعيف، لذلك أقول لك للمرة الأخيرة اصرف نظر عن هذا الموضوع.»
    امتعض فهمان من قوله وآثر ألا يحاول إقناعه مجددا، لذلك اندفع نحوه وألقى كلماته كالقذائف شارحا له الأساس العلمي المبني على فكرة العبور دون الدخول في تفاصيل التجارب سواء كيفيتها أو ماهيتها.
    فقهها جاك سريعا وقال: «أسأل الرب التوفيق لك.»
    قال فهمان: «لابد من تخليق فقاعة دائرية أولا.»
    قال جاك العبقري: «لعلك تريد تخليقها عن طريق ذرات الرابيديوم.»
    - «هو كذلك يا صديقي، ولا بد أن تكون دائرية كالكرة، أي مغلقة تماما..» وذكر له فهمان قطرا مناسبا.
    - «لا بأس، وما هي الخطوة التالية؟»
    - «سأتمركز في وسطها.»
    دهش جاك، وحدق به بكامل اتساع عينيه وقال: «فقاعة مغلقة تماما! ستحجب عنك الهواء، ستموت! ولن يحميك سوى ب..»
    قاطعه فهمان وطلب منه الصمت، ثم أمره بأن ينظر خلفه.
    فنظر بالفعل، فرأى شيئا مغطى، فأسرع إليه وأزاح الستار عنه، وقال دهشا: «بذلة فضائية!»
    نظر فيها وقرأ "صُنع في أمريكا بوساطة جامعة بركلي".
    استدار جاك مرة أخرى وقبل أن يقول شيئا رن هاتفه، نظر، إنه رئيس جامعة بركلي.
    فلما أراد أن يكلم فهمان قال فهمان: «رُد على الهاتف أولا.»
    وبالفعل فتح الهاتف، قال له رئيس جامعة بركلي: «لست أنت فحسب ولدنا، ففهمان ولدنا أيضا، وهو إنسان طيب محب للسلام؛ لذلك أهدت له جامعة بركلي الذي تعلّم فيها هذه البذلة، واعلم أنه طلبها منا؛ وليس ذلك فحسب بل أرسل إلينا كيفية تصميمها.»
    وأغلق الخط، ونظر إلى فهمان بدهشة. وقبل أن يقول شيئا قال فهمان: «يا صديقي، لنترك الدهشة جانبا، فوقتكَ ثمين، فإنه لا يزال لديك الكثير لتعد شراعك الشمسي وسائر تجهيزات رحلتك.»
    فترك الهاتف جانبا.
    قال جاك له: «أنا واثق من دقة تصميمك الذي أرسلته إلى جامعة بركلي، طبعا ستوفر لك الأكسجين وتجعل الجو المحيط بك مناسبا.»
    - «بالطبع.»
    وجاءا معا بذرات الرابيديوم ونزعا منها الطاقة بعد تبريدها إلى درجة الصفر المئوي.
    قال جاك: «والآن معنا ذرات خاملة، ماذا تفعل بعد ذلك؟»
    أجابه: «ستصيبها يا جاك بالجنون، ستضربها بالليزر لتحولها إلى ذرات مجنونة من مادة سالبة.»
    قال جاك: «إذن سأتحكم في لفها المغزلي. لا بأس، جار العمل.»
    قال فهمان: «بعد تحويلها من مادة عادية إلى مادة سالبة ستسلط عليها الليزر كي تشكلها على هيئة كرة، لكن ليس قبل أن أقف في وسطها بالضبط.»
    ورفع جاك البذلة من الأرض وألبسها إياه، ثم علم له على مكان تمركزه، فتمركز فهمان بالفعل ولكن لاحظ جاك أنه ممسك بشيء عجيب.
    قال جاك: «ما تلك التي بيمينك يا فهمان؟»
    قال فهمان: «هذا أحدث ما ابتكرته، إنه منظار ملحق به مجس حساس.»
    قال جاك دهشا: «مجس! منظار!» تمتم جاك ثم ما لبث أن صمت لحظات، فقد جال بفكره بعيدا وتذكر الخلية الصمامية التي صممها فهمان وهو طالب في الفرقة الثانية وغدت الطريقة المفضلة التي تستخدمها الدول في إطفاء الحرائق الهائلة.
    قال جاك: «أكيد المجس لرصد الأبعاد الكونية التي سوف تظهر خلف الثقوب السوداء، والمنظار لرؤية تلك الأبعاد.»
    صمت برهة ثم ضحك ضحكات بدموع حارة، تلك هي ضحكات الألم، وقال: «من المفارقات العجيبة أن رؤية تلك المعجزة يعني لحظة الوداع.»
    بادله فهمان نفس الشعور وقال: «يجب أن نضحي من أجل أن يحيا العالم بسلام يا جاك.»
    قال جاك دامعا: «حسنا، حسنا، تمركز بمعجزتك وأنا سوف أعزف لك سيمفونية رائعة.»
    ولما همّ جاك بالعمل رن هاتفه، إنه رئيس ناسا.
    قال رئيس ناسا: «....»
    قال جاك: «أنا في مهمة، وفور أن أنتهي منها سوف آتيك لأنظر في تجهيزات الرحلة.» وأغلق الخط على الفور وألقى الهاتف.
    تمتم جاك مجددا، وأقبل إلى فهمان، وقال: «ممكن ألقي نظرة على تلك التي بيمينك؟»
    فناوله فهمان إياها، نظر بها جاك وقال: «أيها الداهية، كيف صنعت تلك الكاميرا؟» يقولها وهو يقلبها رأسا على عقب، ثم نظر بها فرأي أنها تضخم حجم الأشياء إلى مليارات المرات.
    نظر في جانب من الحجرة فرأى دبوسا، فسلط الكاميرا على سنه فقط فتحول السن إلى حجم هائل كحجم قرص الشمس.
    فقال: «إنها حقا معجزة!»
    وناولها إياها، ثم عاد، ولما همّ بمسك جهاز الليزر لمحت عيناه شخصا ينظر إليهما خلسة.
    أدار عينيه الحادتين كالصقر فرأى أكثر من عين ترصده، فتلون وجهه، ثم ترك المكان وأمسك بواحد منهم وقال: «من أنت أيها الرجل؟»
    أجابه بأنه باحث.
    فسأله جاك عن مسألة بسيطة في علم الفيزياء من منهج الثانوي، فلم يستطع الإجابة عليها، حيث تهته وسكت على الفور.
    فأمسكه من كرافتة بذلته وهو يكز على أسنانه وقال له: «أتعلم من أنا؟»
    رغم علم الرجل به فإنه أنكر عدم معرفته به.
    قال جاك وعيناه تقدحان شررا: «أنا متأكد أنك تعلم من أنا، اذهب لمن أرسلك للتجسس علينا، وأخبره بأني أنا جاك الولايات المتحدة الأمريكية لو رأيته لأهدرت كرامته أمام الجميع.»
    أوجعته الكلمة، فقال غاضبا مستكبرا: «أتعلم من أنا يا جاك؟»
    أجابه: «كلب، ومن أرسلك كلب مثلك، اذهب من هنا ولملم بقية كلابك وخذهم معك، وأخبر يعقوب إسحاق أن جاك لا يُعامل هكذا.»
    ودفعه بقوة.
    وانفضوا بالفعل جميعا وذهبوا.
    عاد جاك مجددا إلى فهمان. قال فهمان: «كنتُ أخشى عليك منهم، وكدت أموت خوفا عليك.»
    قال جاك: «يريدون أن يعرفوا ماذا نفعل يا فهمان، فدعك منهم إنهم لا يساوون عندي جناح بعوضة.»
    قال فهمان: «ماذا يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي يا جاك؟»
    قال جاك مستاء: «يريد سلاحا يسيطر به على العالم ويعلن حكم دولة إسرائيل.»

    ***
    بداية قال فهمان: «يا جاك، لو ولدت الثقوب السوداء -بشرط أن تكون دوّارة- وأنا في تلك الفقاعة السالبة لن تبتلعني الثقوب كما تعلم، وإنما سوف تدفعني بقوة بنفس مقدار قوة الجذب لو كنتُ خارج الدائرة.»
    قال جاك دهشا: «وهذا يعني أنها ستدفعك حتى ترتطم بالجدار وربما تموت. وهذه معضلة ولا أجد لها حلا.»
    - «لها حل، ولكن اعلم أن حياتي بين يديك.»
    - «ونفسي فداء لك.»
    - «سأظل ثابتا ولن تضيرني الثقوب.»
    - «كيف ذلك بحق السماء؟»
    - «يا جاك، عليك بتخليق عدد من الثقوب السوداء، على أن يتوفر فيها شرطان: الأول أن نجعل الثقوب السوداء المتولدة من الارتطام في حالة دوران كدائرة خارجية تستدير على دائرة ذرات الرابيديوم الداخلية، أما الآخر فهو أن تكون تلك الثقوب ذات طاقة واحدة. وبذلك أثبت مكاني بقانون نيوتن الثالث.»
    أطرق جاك رأسه وقال: «فهمت، فقاعة ذرات الرابيديوم مادة سالبة، وبدلا من أن تجذبك الثقوب تدفعك بقوة مساوية تماما لقوة الجذب المفترضة لو كانت ذرات الرابيديوم التي تحيط بك مادة عادية.»
    سكت جاك هنيهة ثم قال: «ولكن أخبرني، كيف ترى ما خلف الثقوب بالضبط؟»
    قال فهمان: «سأقف أنا كما قلت لك في مركز الدائرتين (الأولى فقاعة ذرات الرابيديوم، والثانية الثقوب الدوارة التي تلتف حول الفقاعة)
    ومعي هذا (يشير إلى المنظار الذي بيده)، بعد ذلك تضرب أنت بحزم الليزر جانبا من تلك الفقاعة لتندفع بدورها إلى مركز أحد تلك الثقوب السوداء و..»
    بادره جاك بقوله: «وتعمل ذرات الرابيديوم السالبة على فتح معبر في الثقب الأسود المجهري بمنزلة ثقب دودي، يا للروعة! يا للمعجزة!»
    قال فهمان: «وبذلك أتمكن من رؤية الثقوب بهذا (يشير إلى المنظار الذي بيده).»
    قال جاك: «لنبدأ يا فهمان، لنبدأ.»
    قال فهمان: «سنجري الارتطامات بطاقة 300 تيرا إلكترون فولت كتجربة أولى لنرى ماذا تهدي لنا الثقوب السوداء المجهرية من أكوان خلفية.»
    والموقف الآن أيها القرّاء: فهمان واقف في مركز دائرة من ذرات الرابيديوم ذات المادة السالبة وممسك بيده منظار يضخم الحجم لمليارات المرات، ويحتوي المنظار على مجس لرصد الأبعاد الكونية المتواجدة خلف الثقوب السوداء المجهرية.
    أجرى جاك حزمتي البروتونات في مجريي أنبوبي المصادم FFC-2 بطاقة 300 تيرا إلكترون فولت، وبعد ثلث ساعة وصلت البروتونات إلى أقصى سرعتها وارتطمتْ مولّدة عدد من الثقوب السوداء، وبوساطة حاسوب مدون عليه برنامج خاص بتنسيق الثقوب تمكن من تموضع تلك الثقوب في حلقة دائريّة حول الفقاعة الرابيديوميّة.
    ولقد أحدثت الثقوب بضعة اهتزازات في الحلقة الرابيديومية نتيجة للقوى الجاذبة لتلك الثقوب الدوارة التي تحولت بفعل ذرات الرابيديوم السالبة إلى قوة نافرة متساوية تماما مع قوة الجذب وذلك حسب قانون نيوتن الثالث كما ذكرت.
    في نفس لحظة استدارة الثقوب كدائرة خارجية ضرب جاك بحزم الليزر مجموعة من ذرات الرابيديوم الملتفة حول فهمان من أجل الالتحام بقلب أحد الثقوب السوداء لتوليد ثقب دودي بمثابة ممر أو كوة ينظر فيها فهمان من خلال المنظار على الأكوان الخلفية.
    توسعت الثقوب لحظيا في لحظة تسليط حزم الليزر على جزء من الفقاعة الرابيديومية، وخلّق جاك ثقبا دوديا ظهر من خلفه أكوان أخرى.
    تمكن فهمان من رؤية ما خلفه بالفعل، وسقط مغشيا عليه على الفور.
    ***
    أوقف جاك التجربة هلعا، وأخرجه من الفقاعة وكلتا يديه ترتعشان. أسرع جاك بنزع البذلة، ولما لامست يده فهمانَ رفعها سريعا وهو يتوجع.
    أسرع نحو الثلاجة لعمل كمادات على جبينه وهو يقول: إن جبينه قطعة من نار. ترى ماذا حدث له؟ ماذا رأيت خلف الثقب يا فهمان؟
    أقبل إليه ووضع الكمادات على جبينه وشرع في تفويقه.
    أفاق فهمان أخيرا، وقال بصوت لا يكاد يُسمع لأن لسانه جاف تماما: «ماء، أريد ماء.»
    فناوله الكوب، فشرب فهمان حتى ارتشف آخر قطرة ماء منه.
    قال فهمان: «الحمد لله لقد نجاني الله بأعجوبة، كدت أصعق يا جاك، كدت أصعق.»
    وألقى بنفسه في صدر جاك وعاود البكاء؛ بل واشتد أكثر.
    قال جاك في نفسه: الحمد للرب أن نجاك، يبدو أنك رأيت شبحا لا نظير له.
    سأله جاك وهو يربت على ظهره: «ماذا رأيت؟»
    قال: «يبدو أني سافرت عبر الزمان، ورأيت، رأيت...» تمتم ثم صرخ متوجعا.
    بادره جاك بشغف بالغ بسؤاله المعتاد: «ماذا رأيت يا فهمان؟ قل لي، هل رأيت وجه إبليس الحقيقي؟»
    أجابه: «لقد سافرت عبر الزمن، سافرت إلى المستقبل، لا أدري كم عاما على وجه التحديد وإنما أنا متأكد أني رأيت النار.»
    توسعت عينا جاك، وانتبه له جيدا يحدق به، وما لبث أن سأله على الفور: «أي نار؟ ربما تكون نيران الجن، أو ربما تكون..»
    تمتم جاك وسكت. قال فهمان: «رأيت الجحيم يا جاك رأيت الجحيم، تخيل أني رأيت كاجيتا في الدرك الأسفل من النار.»
    قال جاك في نفسه: لقد بلغت ذنوب هذا الملعون الآفاق، ترى ماذا سوف يفعل بالعالم بعد أن توصل إلى صناعة قنابل الثقوب السوداء؟
    تنويه: يتبقى لنا الجزء الثالث، ففهمان لم يسافر بعد إلى إبليس.

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,225
    المواضيع : 318
    الردود : 21225
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    لا أعرف كيف استطعت الحصول على هذا الكم الهائل من المعلومات الفيزيائية
    كما أثني على خيالك الواسع .. ويبقى الحكي شيق والسرد قوي ومتماسك
    وإن كنت اعترض على رغبة فهمان في الوصول للشيطان وقتله ـ لأن في هذا
    تعدي على وعد الله له بأن يبقيه إلى يوم يبعثون
    (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۝ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ۝ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ۝ )
    ولكني معك أتابع بكل الشغف
    ولك تحياتي وتقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Feb 2023
    المشاركات : 49
    المواضيع : 22
    الردود : 49
    المعدل اليومي : 0.10

    افتراضي

    أكثر رواياتي تستغرق مني نحو 11 شهرا، في بحث متواصل حول تجميع كافة خيوطها وأركانها..والمعلومات ليست المعيار الأساسي لكتابة رواية ناجحة،وإنما استخلاص فكرة من تلك المعلومات تتمركز عليها بقية أركان الرواية هو المعيار الحقيقي للمجاح

  4. #4
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Feb 2023
    المشاركات : 49
    المواضيع : 22
    الردود : 49
    المعدل اليومي : 0.10

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناديه محمد الجابي مشاهدة المشاركة
    لا أعرف كيف استطعت الحصول على هذا الكم الهائل من المعلومات الفيزيائية
    كما أثني على خيالك الواسع .. ويبقى الحكي شيق والسرد قوي ومتماسك
    وإن كنت اعترض على رغبة فهمان في الوصول للشيطان وقتله ـ لأن في هذا
    ===========
    أكثر رواياتي تستغرق مني نحو 11 شهرا، في بحث متواصل حول تجميع كافة خيوطها وأركانها..والمعلومات ليست المعيار الأساسي لكتابة رواية ناجحة،وإنما استخلاص فكرة من تلك المعلومات تتمركز عليها بقية أركان الرواية هو المعيار الحقيقي للنجاح

    تعدي على وعد الله له بأن يبقيه إلى يوم يبعثون
    (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۝ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ۝ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ۝ )
    ولكني معك أتابع بكل الشغف
    ولك تحياتي وتقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي