اشتد الزحام في ساحة (القبة) المباركة للشيخ (المرزوق). رجال في ثياب بيض،ونساء يتشحن بالسواد،أطفال مبتهجون صاخبون في ملابسهم الملونة،رغم صفرة وجوههم وحمرة عيونهم.
حمل الفتية جدتهم التي هدها المرض وأعجزها الفقر وسحقتها شجون الذكريات،تلك التي اعتادت الجلوس على باب دارها الطيني المتهالك ، تجتر أيامها الخوالي في نغم جنائزي رثائي رتيب.حملوها إلى حيث البركة ؛ إلى قبة الميت،الشيخ ( المرزوق) بناء على رغبتها.
ولطالما لجأت إليه ، كما يفعل الناس،و العجائز في ذلك النجع القديم؛ استشفاءا لمرض، أو راحة من وجع طاريء، أو فسحة من كآبة نفس عابرة.أو استجلابا لبركة رزق.أو حرزا يحمي من لدغة عقرب.
&&&&
خرجوا بها كما خرج الجميع إلى حيث الموائد وقد مدت بطعام ولحم وفاكهة وفطائر ساخنة ؛بذلها أهل ذلك النجع المنقوع في الفقر منذ عهد الفراعين،إلى حيث البركة وسؤال شيخ دفن هنا منذ قرن لا يعلم إلا الله عددها، طالبين منه العون والحماية .
&&&&
دقت الدفوف وعلا المديح حد الصراخ،وتراقصت الأجساد وتقافزت القامات وانحنت الظهور في بانوراما رقص وجلوة عبثية حول المقام.
وعج المكان تحت شمس الأصيل بالعويل والغبار،والزحام،والعيون المتلصصة على مواطن الفتنة والشهوة العارمة.
وتعالت الصيحات المتهدجة بالبكاء :
المدد أيها (المرزوق).العون يا شيخ الشيوخ.
وسط هذا الركام الآتي من خلف أستار الزمان، وقديم الإنسان في غربته فوق سطح هذا الكوكب،التأم البعض في حلقات يلتقطون صورا للذكريات بأحدث صيحات الهواتف المحمولة!
&&&&
في دروب العودة التي يزينها لون الرمال الكالح، سار الركب بجدتهم، تتبعه سحابة من الغبار،مروا دون أن يعيروا التفاتة،على مبنى الوحدة الحكومية الحديثة للرعاية الطبية،والمسجد شبه المهجور، في ذلك النجع القابع هناك خلف هضاب الجرانيت ،منذ زمن سحيق.
&&&
أذنت الشمس بالمغيب، وألقت على رؤوس النخل بأشعتها الواهنة، فكست الأفاق ظلال تبعث في النفس شعورا بالوحدة والاغتراب.
وما إن حل الليل ثقيلا، حتى علا في دروب النجع صراخ بغيض ،يقبض النفس ويرعب الوجدان ...
شفيقة ماتت!
شفيقة ماتت!
شفيقة ماتت!
قيل ... لدغتها عقرب.
م. نديم