الإرهاب والتكفير والتطرف كلمات خداعة لقمع الحريات ومنع اختيارات الشعوب
طنجة بتاريخ: عاشر يلوليوز سنة: 2023م


الإرهاب والتطرف والتكفير كلمات لها مدلول لغوي ومدلول معنوي، المدلول اللغوي هو ما دل عليه اللفظ حين الوضع والاصطلاح وهذان الأمران خاصان بالعرب إلى حدود القرن الرابع الهجري لأنه هو القرن الذي اختفى فيه أهل اللسان من الأعراب، وجاءت القواميس اللغوية فضبطت مفردات اللغة وعينت لها معاني من خلال الوضع لعرب البادية قبل أن ينقرضوا، فكان للفظ مدلول، وكان له مدلول المدلول، أي كان له معنى، وكان للمعنى معنى آخر له هو المفهوم.
فإذا أخذنا لفظ الإرهاب والتكفير والتطرف فلن نخرج عن الوضع والاصطلاح، فإذا وجد من يخرج عن الاصطلاح والوضع فاعلموا أنه مغرض يستعمل الألفاظ العربية في غير محلها خدمة لأيديولوجية ما أو سياسة ممنهجة أو توجه مقصود، وهذا ما حصل لهذه الألفاظ حتى غمضت على الناس وصاروا يفهمونها فهما لغير ما دلت عليه، يفهمونها فهما يراد لهم وهو فهم محرف.
فالإرهاب مثلا بالنسبة لأمريكا قد كان إرهابا سياسيا تم تعريفه من طرفها في سبعينيات القرن الماضي بأنه العمل المادي لتحقيق مكاسب سياسية، وحين دخل الاتحاد السوفييتي إلى أفغانستان باتفاق معها بحكم وجود أفغانستان ضمن نفوذ الاتحاد السوفييتي حركت عملاءها للجهاد ضد الشيوعيين الكفار، وأقصد بالعملاء حكام السعودية وغيرهم فأوعزوا إلى العلماء أن يحركوا الشباب ويشوقوهم للجهاد والشهادة ولم تكن تعتبر الجهاد إرهابا لأنه حينها كان في صالحها لإضعاف الاتحاد السوفييتي وخلق مشاكل له وقد حصل إلى أن غادر أفغانستان وكسبت هي مكاسب عظيمة أدت إلى سقوط الاتحاد السوفييتي في سنة: 1991م.
أمَا وقد استغلت أمريكا الجهاد سابقا، ثم نعتته بالإرهاب لاحقا فقد تبين أنه لفظ خدّاع يُستعمل لأغراض خبيثة أهمها الإبقاء على وضع المسلمين على ما هم عليه يُستغلون من طرف الغرب وتُسرق خيراتهم مع جعل الحكام عسسة لهم يراقبون أي تحرك يستهدف التحرر والانعتاق من التبعية للأجنبي حتى صار الأمر متجاوزا حد المعقول فصار الملتحي من المتدينين إرهابيا، وصار اللباس دليل إرهاب، وقادوا حملة دولية على الدعاة والعلماء والمفكرين المخلصين لربهم وأمتهم حتى يحولوا بينهم وبين توعية الشباب والناس، وحتى يضمنوا بقاء المسلمين في وضع مانع من أخذ الريادة والقيادة كما كان أجدادهم لقرون.
وعليه فاستعمال كلمة الإرهاب استعمال خداع لا يمت بصلة إلى واقع اللفظ، بل هو مدلول أعطي للفظ ليس له ووجد من يبرر لهم ذلك.
أما التطرف فقد جرى عليه ما جرى على لفظ الإرهاب، فقد أفرغ من محتواه اللغوي في المدلول والفهم فصار يفهم فهما لغير ما دل عليه اللفظ، ولغير ما دل عليه مدلول مدلول اللفظ.
فتطرف في مجلسه أي جلس في الطرف سواء كان قريبا من الوسط أو في أقصى المجلس، فالجلوس في السينما فيهم متطرفون، والجالسون في المساجد فيهم متطرفون، والقاعدون في قاعات الدرس فيهم متطرفون والجلوس في المقاهي والحافلات والقطارات والسفن وغير ذلك فيهم متطرفون وهكذا، هذا هو معنى التطرف كما دل عليه اللفظ، أما دلالة مدلول اللفظ على مدلول آخر وهو معنى المعنى فلا يختلف عن دلالة اللفظ إلا من حيث النظم والتأليف للكلام، فالتطرف في الكلام هو التكلم بمبالغة فيما لا يقتضيه الموضوع، ولا يتطلبه الإيجاز، والتطرف في العبادة هو الانقطاع إليها وترك ما دونها وإخراجه عن دائرة الاهتمام، أما التطرف في الإسلام فلا وجود له، والمقابل للتطرف لا يؤتى به إلا للمغالطة وخداع الناس، فالاعتدال الذي يقابل التطرف يؤتى به لتمرير مواقف يُرى فيها الاعتدال عقلا وليس شرعا، فالشرع لا يقف من التطرف والاعتدال إلا بما يقتضيه علم الله وحكمته في التشريع، فالجهاد الذي شرعه الله يوجد فيه ذهاب إلى الغلظة والشدة إلى أن يحصل استسلام العدو في الحرب أو يحصل النصر، وهذا من منظور غير الشرع تطرف وهو ليس كذلك، وعند النظر إلى حروبهم يُرى فيها ما هو أبشع وأفظع لأنهم دون كابح لسلوكهم غير الهوى والحقد والانتقام بينما في الإسلام الكابح هو الشرع، وانظروا إن شئتم إلى التمثيل بحمزة في أحد وتمكن النبي ممن مثل به دون أن يعاقبهم.
أما الاعتدال والوسطية فهما من الألفاظ اللتان لا توضعان في محلهما، فالوسطية بمعنى الوقوف في الوسط لا وجود لها في الإسلام، لا وجود لها في مواقفه من الحياة والناس وأنظمة الحياة، والآية التي يستشهدون بها تحاججهم بإنزالها على غير ما يجب أن تنزل عليه، فقوله تعالى في سورة البقرة: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (143))) لا يعني أنها في الوسط، بل يعني أنها أمة عادلة، وعدلها ليس عدلا تأتي به من هواها، بل هو عدل رآه الشرع عدلا ولو خالف هواها، ثم إن الوقوف في الوسط وقوف دال على سلبية، انظروا إلى الميزان ودققوا النظر في مؤشره هل يتحقق العدل حين يكون المؤشر في الوسط أم يتحقق بميله؟ لا يتحقق العدل بالوسطية بمعناها الوقوف في الوسط، بل يتحقق بالميل إلى الحق والنفور من التطفيف.
والاعتدال لا يعني إلا مقاربة تستهدف عدم ترجيح هذا على ذاك، انظر إلى أمك أو زوجك في المطبخ فإن هي وضعت الملح بشكل معتدل في طعامك فسيكون الطعام مساغا، وإن هي وضعته دون اعتدال فلن يكون مساغا، وانظر إلى الجو، وانظر إلى الحلو والحامض وهكذا، أما إذا تعدينا ذلك إلى المواقف والآراء والأفكار والعقائد فلن نجد للاعتدال موضعا فيها لأن الحق المراد تحقيقه لن يتحقق إلا بعدم الاعتدال، بعدم التساوي بين الظالم والمظلوم، أما المبالغة في المواقف والآراء والعقائد فهي مبالغات دالة على غياب النضج فيها، ذلك أن الإنسان يروم الحق والعدل والخير والحسن وفي اندفاعه وميله يحقق ذلك أو يخفق وتحقيق ذلك لن يتأتى إلا بالوعي على ذلك واتخاذ الإجراء الذي لا يجعل المرء يقف في الوسط بينها فذلك يولد الميوعة والدياثة المعرفية.
أما التكفير فهو الآخر قد أفرغ من مدلوله وأعطي مدلولا غير الذي وضع له قصد المغالطات والإضلال العقدي والفكري.
فإذا تناولنا البشر من خلال عقائدهم وإيديولجياتهم نجدهم يصنفون المخالفين لهم بالكفار، وهذا لا شيئ فيه، فالنصراني يعتبر المسلم كافرا، واليهودي يعتبر المسلم كافرا والروهينجيا يعتبرهم البوذيون كفارا لا يستحقون الحياة وقد تآمر عليهم العالم، فلماذا لا يسمح للمسلم أن يعتبر المخالف له في الاعتقاد كافرا؟ لماذا يُسمح لذاك ولا يسمح لهذا؟ ثم إن المسلمين لا يكفرون الكافر إلا من خلال تكفير الله له، فهم يعتقدون أن لا حق لأحد أن يكفر أحدا، ولكن حين ينعت الله من ينعت بالكفر فإنهم يرددون كلام الله ومواقفه، فسورة الكافرون تجعل النصارى واليهود كفار، وتجعل المشركين من البوذيين والهندوس وغيرهم كفارا، والمسلم حين يعتمد السورة ويعتقد بها يعاب عليه ذلك وينعت بأنه تكفيري بينما الله تعالى هو الذي يكفر من يكفر وليس المسلم، فلماذا هذه المغالطات؟ أليس من أجل إيجاد أرضية تمكن من قتل المسلمين وسجنهم ومنعهم من ممارسة الحياة لأنهم برأي من ينعتهم بالتكفيريين لا يستحقون الحياة، وإن استحقوها فلن تكون إلا في السجون.
أليس من أجل منع قيام كيان سياسي للمسلمين يعمل على حمايتهم في كل الدنيا؟ أليس من أجل إطفاء نور الله الذي يحمله الإسلام ويعمل به المسلمون؟ أليس تلك الكلمات الخداعة توظف لقمع الحريات ومنع الإعلام والصحافة الحرة من الكلام؟ أليس تلك الكلمات المفرغة من دلالاتها بتوظيفها المقيت يقصد بها منع اختيارات الشعوب خاصة أمة الإسلام؟ لماذا يسمح لأي شعب بأي معتقد وأي طقس للتعبد والتدين ولا يسمح للمسملين بمثله؟ لماذا هذا التكالب على المسلمين وهم يزعمون الدفاع عن الحريات؟
إن من ينخدع لمثل هذه الألفاظ الخداعة يحتاج إلى تكوين فكري وسياسي حتى يرشد فيعلم الخداع في طرحهم، ويعلم التآمر من أبناء جلدتنا على المسلمين حكاما وعلماء ومفكرين وإعلاميين وصحافيين وحداثيين واشتراكيين وديموقراطيين ورأسماليين ومرتزقة وقرآنيين وغيرهم.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
محمد محمد البقاش
طنجة في: 10 يوليوز سنة: 2023م