أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: عبقرية نظرية النظم ٢- كيف يكون بعض الكلام أبلغ من بعض

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2021
    المشاركات : 332
    المواضيع : 39
    الردود : 332
    المعدل اليومي : 0.34

    Smile عبقرية نظرية النظم ٢- كيف يكون بعض الكلام أبلغ من بعض

    أنى اتجهت الى الإسلام في بلدٍ
    تجده(كالطير)مقصوصا جناحاه

    أنى اتجهت الى الإسلام في بلدٍ
    تجده(كالصقر)مقصوصا جناحاه
    كلا البيتين المعنى العام فيهما واحد لأن الصقر طير ولكن في كلمة صقر معنى للعز زيادة ليست في كلمة الطير وهذي الزيادة هي التي جعلت كلمة صقر أبلغ من طير هنا .
    اختيار الكلمة هو أحد طرق اللغة للتعبير وهذه الطرق والأساليب اللغوية تكمن فيها طاقة اللغة التعبيرية وهذه الطاقة هي زيادة معنى العز التي في كلمة صقر عن كلمة طير.
    طاقة اللغة التعبيرية هي معاني زائدة عن المعنى العام قادمة من اللغة ألفاظها وأساليبها وكل طرقها في التعبير وكلما زادت هذه المعاني الزائدة كان الكلام أبلغ حتى نصل الى إعجاز القرآن بحيث تكون هذه الطاقة أو المعاني الزائدة أكثر بكثير من قدرة البشر .

    ثلاثة يذهبن مابي من حزن
    الماء والخضرة والوجه الحسن
    ماسر جمال هذا البيت
    الماء والخضرة والوجه الحسن
    ثلاثة يذهبن مابي من حزن
    لاحظ التقديم والتأخير كيف صنع جمال هذا البيت عندما قدم الخبر (ثلاثة.......) على المبتدأ(الماء.......) وهذا التقديم أضاف معنى زائدا على المعنى العام لايكون فيما لو قدمنا المبتدأ هو التشويق .
    من أساليب التقديم تقديم الخبر على المبتدأ لغرض التشويق ويكثر في هذا الأسلوب أن يكون الخبر نكرة موصوفة بجملة أو أكثر وقد رأيت كيف صنع هذا الأسلوب جمال هذا البيت وكيف أضاف معنى التشويق .
    لكن تنبه الى مسألة أن ليس كل كلام كان تقديم الخبر فيه للتشويق جميلا كان مقدار الجمال فيه سواء وكانت المعاني الزائدة سواء.
    هل عجبك هذا البيت ؟
    ثلاثة يذهبن مابي من حزن
    الماء والخضرة والوجه الحسن
    قال ﷺ:((كلمتان خفيفتان على اللِّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))
    (كلمتان ........) خبر مقدم و(سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)مبتدأ مؤخر والغرض هو التشويق وهو معنى زائد عن المعنى العام .
    أسلوب الكلامين واحد لكن شتان بينهما ... وهنا ينبغي أن نسأل لماذا ؟
    لو كان التشويق سواء واستخدام الأسلوب سواء لساوى البيت الحديث في البلاغة وهذه الفكرة هي الأصل ويمكن لك أيها القارئ أن تنطلق منها وتبحث عن الإجابة فمهما أجبتك لا أستطيع أن أوفي الحديث حقه .
    لاحظ أن كلمة(كلمتان) في الحديث قد وصفت بثلاث جمل :
    خفيفتان على اللسان
    ثقيلتان في الميزان
    حبيبتان الى الرحمن
    لا حظ أن الجمل الثلاثة لم تعطف على بعض ولاحظ الترتيب وكيف كانت جملة : ثقيلتان في الميزان بعد جملة خفيفتان على اللسان ... ثم بعد ذلك تأتي جملة : حبيبتان الى الرحمن .
    بينما كلمة(ثلاثة)في البيت وصفت بجملة .
    هذا جعل التشويق في الحديث أقوى بكثير من البيت .
    ((ثم لاحظ المعاني الزائدة على التشويق في الحديث))
    ١- النبي صلى الله عليه وسلم يرغبنا في الكلمتين :خفيتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان الى الرحمن ... يعني بأقل مجهود تكسب أجرا عظيما.
    بينما الترغيب في البيت ليس نابعا من المتكلم بل من المعنى : أن الماء والخضرة والوجه الحسن تذهب الحزن .
    ٢- النبي صلى الله عليه وسلم مارغبنا في هاتين الكلمتين الا لأنه يحبنا ويحب لنا الخير والأجر العظيم بأقل مجهود أما الشاعر فليس في تقديمه للخبر مايوحي بحبه للمتكلم بل حبه كان لنفسه : مابي من حزن .... وليس : مابكم من حزن.... .
    ٣- لاحظ الإيقاع والنغم كلمتان .... اللسان.... الميزان ...... الرحمن .
    ٤- لاحظ تسلسل الجمل الثلاثة بعد(كلمتان):
    نعت(اسم) - جار ومجرور متعلق بالنعت
    خفيفتان - على اللسان
    ثقيلتان - في الميزان
    حبيبتان - الى الرحمن
    ٤- لاحظ أن بين الجملة الأولى والثانية علاقة أقوى ولذلك كان بينهما طباق لقوة العلاقة بينهما.
    أكيد أن هناك معاني زائدة عن المعنى العام نتجت من تقديم الخبر ونعوته على المبتدأ في الحديث ولكني لم أعرف الاهذه وان شاء الله تكون صحيحة .
    ولكن الفكرة الصحيحة التي لايمكن أن يجحدها أحد هي أن التشويق الناتج من تقديم الخبر على المبتدأ في الحديث أجمل وأبلغ من البيت وهذا شيئ تُسأل عنه الذوائق لا العقول ويدركه الإنسان بالفطرة .
    ((وجعلوا لله شركاء الجن...)
    شركاء مفعول به ثاني والجن مفعول به أول وقد تقدم المفعول الثاني على الأول ولو لم يتقدم وقيل : وجعلوا الجن شركاء لله لفهمنا أنهم عبدوا الجن وأشركوهم في العبودية وهذا هو المعنى العام.
    فما هي المعاني الزائدة التي جلبها تقديم : لله و شركاء .
    تأمل :
    وجعلوا الجن شركاء لله
    وجعلوا لله شركاء الجن
    زد التأمل :
    وجعلوا لله شركاء
    طيب أدخل همزة الاستفهام :
    أجعلوا الجن شركاء لله
    أجعلوا لله شركاء
    أجعلوا لله شركاء........ الجن .
    أظنك لاحظت في تقديم المفعول الثاني على الأول معنى زيادة وهو أن الاعتراض ليس في اتخاذ الجن شركاء لله ولكن في اتخاذ شركاء لله من الأصل جنا كانوا أو أي شيء .
    لاحظت كيف صنع التقديم .
    أكيد أن في التقديم الذي في الآية معاني زائدة كثيرة لكني لا أعرفها بل هذا المعنى الذي كتبته لك تعبت وأنا أفهمه من كلام الشيخ عبدالقاهر الجرجاني ويمكن أن تعود لكلامه في دلائل .
    لكني أحببت أن أزرع في نفسك :
    مسألة استخراج العلم الكامن في الكلام بالتأمل والتذوق بالفطرة .
    والله أعلى وأعلم

  2. #2