لوحات

طفلة تأكل الحلوى
شاب ذو قبعة يبيع الصحف
عربة يجرها حصانان تمرّ سريعاً فوق بركة ماء
يتناثر الماء فوق رجل خمسيني.. يشتم
امرأة عجوز تحمل سلة
شابة عشرينية بعيون وقحة ترقب المارة
قطة في إحدى النوافذ
سماء ملبدة بالغيوم
شيء ما يشبه الضباب يحاول ابتلاع المدينة
يفلت من باب المخبز شاب رثّ الثياب
لص.. لص.. يصيح صاحب المخبز
شرطي نائم في آخر الشارع
وآخر مشغول بتلك الشابة العشرينينة ذات العيون الوقحة
بناية المحكمة.. وصورة الميزان وقد شالت إحدى كفتيه
الطفلة تُسقط الحلوى
السماء تغضب فتنهمر
ألوان المدينة تذوب
وذلك الذي يشبه الضباب يغشى على المشهد!

وجه يبدو من وراء قلب مشكل على النركيلة
صورة المتنبي رافعاً إحدى يديه كأنه يصرخ:
أنا الذي..
والجواهري واضعاً يده على خده متأملاً
نازك الملائكة في لقطة زيافة
وموسيقى كلاسيكية تعيد الأشياء إلى الماضي
دفتر وقلمين
ووهم حزين
يحاول أن يخط فيه بعض وجعه!

سيارة..
مرآة جانبية مكسورة
وجه شيخ أنهكه الزمن
بقايا حصاد يابس
وشمس تغادر وجه أرضنا إلى أرض أخرى
كل شيء يقترب بسرعة من مدينة
أما هو..
فيحاول جاهداً فهم شيء ما جواباً عن سؤال!

الوقت بعد منتصف الوجع..
السماء تخاطبنا بلغة البرق
غيوم حمراء
نیران تأكل محاصيلنا
سنابل الصدق تبتلعها ألسنة نار الكذب..
ثلاثيني يحاول إنقاذ ما تبقى
عيناه تلمعان بصدق العالمين
أشباه أشباح أو أشباه إنسان
تهمس:
مسكين أنت
وهل بقيت للصدق بقية في قلوب البشر؟!

غيوم منفردة
رسمات على حائط القدر
شيء من الشيء أو شيء من العدم
وضياع بحجم الوجع
هل بقي ما يغري في هذا الفراغ المعتم؟
الساعات تدق كصوت فتاة تبكي بحرقة تشتهي قطعة حلوى
وأجنحة المروحة تدور في سِحر تأخذنا في متاهات اللانهاية
وآلاف الأشباح تحوم حول روح تائهة
وصوت الجواهري يأتي من وديان سحيقة:
"لم يبق عندي ما يبتزه الألم"

منتصف الليل
ساعة بندول كلاسيكية دقاتها تحرك ذرات الصمت
فتاة ربيعية الملامح تنظر من نافذة
من بين الأشجار تلمع عيون قطة
القمر عاد كالعرجون القديم
خشخشة تصدر من حديقة المنزل
ولغظ قادم من الغرفة المجاورة
صراخ أنثى نهشها المرض
القط يقفز من الشجرة
حيّة تحدق في عيني الفتاة عبر النافذة
الفتاة تجفل
العيون تخون
أطياف تلف القمر
وحارس المنزل يهرب حاملاً مجوهرات السيدة!

صحراء ممتدة..
سراب الأشياء يلمع
وجوة غامضة كرجال الطوارق
رياح السموم تحمل أكاذيب القصاص
جِمال تستشعر عاصفة مرتقبة
شمش تُلهب
ضاعت الخطى
واندثرت الآثار
ثم ابتعلت رمال متحركة بقايا الأحلام!

كل شيء يمضي.. دقات الساعة، عجلات السيارات في الطرق المعبّدة، أو تلك التي تثير الغبار
حرارة القهوة تتلاشى بين شفاه ورديّة
حتى الورقة تأبى إلا أن تودع آخر أسطرها..
تفيض الكأس بالوجع والرؤى باللامفهوم والأطياف تنتظر الكلمة..
كل شيء يمضي إلا أنا، فالوقت فراغ والمشاهد جامدة على صورة واحدة
لا صوت هنا إلا صوت من الماضي القريب يهمس في أذني:
هلا أتيت؟

أكتب إليك ولربما تكون هذه آخر الكلمات
كل شيء في نهايته.. حبر القلم، وشحن بطارية المصباح، والأوراق..
الآن بدأت أشعر بالخوف.. الفراغ يلفني، أرتجف من البرد
سحبت البطانية حتى كادت تغطي عينيّ
يداي ترتجفان بالقلم
الشمس غادرت منذ خمس ساعات تقريباً
القمر موحش
لا صوت هنا سوى صوت قطرات الماء المتساقطة من جدران الكهف، وعواء الذئاب في الخارج
كانت أضواء البرق قبل ثلاث ساعات تشعل الكهف بالتفاؤل.. أصوات الرعد والمطر كانت تؤنسني
أما الآن فلا شيء..
كل شيء في أنفاسه الأخيرة
لماذا تركتني هنا وحيدة أعالج الألم وأعاني الموت؟
أدري أن سيري على الأقدام كان مستحيلاً وأنك ذهبت لجلب وسيلة نقل.. ولكن..
لا أدري..
لم تركتني هنا لأشباح الفراغ؟