سألتني: أين أنت من الماجَرَيات، والغليان الواقعي؟
كانت قد أنهت قهوتها حين سألت، فرفعت فنجانها أتأمل قعره، وقلت: هناك خطين وشجرة، وأرى جبلاً يشبه فأرة، وهنا نهرٌ يشبه نَمِرة!
قالت: وتقرأ الفنجان؟!
قلت: مَثانوس.. لكن الكلام في السياسة قد انجرّ إلى غائلة، ومعاصة مشكلة، وأقدم عليها الرأي الفائل، والعقل العاطل!
ولقد سألتني تريدين الجواب، وإنما يملك الطلاق من أخذ بالساق، وما أنا بالذي يقول: أنا جُذيلُها المُحكَّكُ وعُذيقُها المُرجَّبُ، فالسياسة ذات شجون، بحرٌ بعيد الغور، واسع المدى، متلاطم الأمواج، تضيق سُبلها حتى ليظنّ المرء أن لا فرجٌ قريب، وتتسع حتى ليظنّ أن لا لقاء!
وإن المرء حيث أقام نفسه، فإن رأيتُ مَنْسِماً من الأمر أعرف عينه وأنفه اقتحمت لا ألوي على شيء، وإن تشابه عليّ الأمر واشتبك انكمشت، أتجنّب الخَبار لِآمن العثار، حتى أستبين الطريق.
ولإن أُرمى بالجهل خيرٌ لي من فطنة بتراء، وتورّط في فتنة دهماء.
فإن من العقل أن يَرد الإنسان الماء بماء، ولكن القوم ليس لهم إلا صُبابة في يهماء، فكثيرٌ منهم لم يفقه وضعنا السياسي، وما زال يطرب لمقولاتٍ تراثيّة، ويا غلام هاك ألف دينار.. يرمي الكيس.. يذهب الغلام، وتذهب معه الأمة نازلة في سلّم الحضارة!
وحالهم كالذي سُرق إبله فسألوه: ما الذي صنعته مع السّرّاق؟ فقال: أوسعتهم سبّاً وأودَوا بالإبل!
وقد أتتكم فاليةُ الأفاعي، وتناديكم النَّدّاهة، فانتبهوا ولا تضيعوا!
ثم طلبت عصير الليمون.