كان الفاكه بن المغيرة المخزومي أحد فتيان قريش، وكان قد تزوج هند بنت عتبة، وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس فيه بلا إذن،
فقام يومًا في ذلك البيت، وهند معه، ثم خرج عنها وتركها نائمة، فجاء بعض من كان يغشى البيت فلما وجد المرأة نائمة ولى عنها. فاستقبله الفاكه بن المغيرة، فدخل على هند وأنبهها، وقال: من هذا الخارج من عندك؟
قالت: والله ما انتبهت حتى أنبهتني، وما رأيت أحداً قط.
قال: الحقي بأبيك. وخاض الناس في أمرهم.
فقال لها أبوها: يا بنية: أنبئيني شأنك، فإن كان الرجل صادقًا دسست عليه من يقتله فينقطع عنك العار،
وإن كان كاذبًا حاكمته إلى بعض كهان اليمن:
قالت: والله يا أبت إنه لكاذب.
فخرج عتبة، فقال: إنك رميت ابنتي بشيء عظيم، فإما أن تبين ما قلت، وإلا فحاكمني إلى بعض كهان اليمن.
قال: ذلك لك.
فخرج الفاكه في جماعة من رجال قريش، ونسوة من بني مخزوم، وخرج عتبة في رجال ونسوة من بني عبد مناف،
فلما شارفوا بلاد الكاهن تغير وجه هند، وكسف بالها.
فقال لها أبوها: أي بنية، ألا كان هذا قبل أن يشتهر في الناس خروجنا؟
قالت: يا أبت، والله ما ذلك لمكروه قبلي، ولكنكم تأتون بشرًا يخطئ ويصيب، ولعله أن يسمني بسمة تبقى على ألسنة العرب.
فقال لها أبوها: صدقت، ولكني سأخبره لك.
فصفر بفرسه، فلما أدلى، عمد إلى حبة بر فأدخلها في إحليله، ثم أوكى عليها وسار.
فلما نزلوا على الكاهن أكرمهم ونحر لهم. فقال له عتبة: إنا أتيناك في أمر قد خبأنا لك خبية، فما هي؟
قال: ثمرة في كمرة.
قال: أريد أبين من هذا.
قال: حبة بر في إحليل مهر.
قال: صدقت فانظر في أمر هؤلاء النسوة،
فجعل يمسح رأس كل واحدة منهن، ويقول: قومي لشأنك، حتى إذا بلغ إلى هند مسح يده على رأسها،
وقال: قومي غير رسحاء ولا زانية، وستلدين ملكًا سمى معاوية.
فلما خرجت أخذ الفاكه بيدها فنترت يده من يدها،
وقالت: والله لأحرصن أن يكون ذلك الولد من غيرك.
فتزوجها أبو سفيان فولدت معاوية.