مرتجلة إثر مشاهد الموت احتراقاً
***
ماتَ الكلامُ فكفّنوا كلماتي
...................ثم احملوها وادفنوا عبَراتي
قُتلَ الكلامُ فكذّبوني يا سُدىً
.............وتبوّلوا "مرَحاً" على صفحاتي
أنا شاعرٌ ما عُدْتُ أشعرُ أنّني
....................بشَرٌ وأنَّ تَميُّزي بصِفاتي
قد غالَني كَذِبٌ فصرْتُ مُعفَّرا
..............ودَمي يسيلُ على شفاهِ حُماتي
فَدَعوا الكُماةَ الرّابضينَ على فَمي
....................يتَندَّرون ويلعنونَ رُفاتي
ويحاوِرونَ حُروفِيَ القتلى بما
............ شاءوا ويرتشِفون روحَ دَواتي
أنا شاعِرٌ ماتَ الشعورُ لَديَّ إذْ
.................ماتَ الإباءُ وموْته مأساتي
ثلاّجة الموْتى تغصُّ بأحرُفي
.............ومروءَتي احترقت بنار ثقاتي
فتَرحّموا يا مؤمنونَ عليَّ لو
..........غيضَ القَريضُ وأجدَبتْ واحاتي
***
بين القبور جَلسْتُ أنْدُبُ أحرُفي
.................وأؤبّنُ الفتَحات والضمّات
تلك التي حُرقتْ وبُعثرَ عظْمُها
............فتناثَرتْ في السّوح والطُّرُقات
أوْ نُشّقتْ ريحاً فَأزْهقَ نسْمُها
..................عَدْوا بغير جَريرَة حرَكاتي
فالضّادُ ثكلى والأراملُ حوْلَها
.............تبكي اليَتامى والصَّدى زَفَراتي
أوّاهُ من نَكَدي ونار فجيعَتي
...................تسري فيأكُلُها لَظى أنّاتي
حرْفان ظَلاّ ..فيهما أيْقونَتي
...............جُرحا بنار الرّاء في الثَّكَنات
الحاءُ والقنّاصُ يطلُبُ روحَها
..................والباءُ في زنزانَة القنَوات
ها كفُّ رابعَة تُرفْرفُ فكْرَةً
.............تنمو نُموَّ العُشْب في السّاحات
رَمَّ الكلامُ على اللّسان ففي فَمي
..............طلَلُ الحروف وهذه شطَحاتي
***
شبَحُ الكلام ملازماً خطواتي
...........ركبَ الخيالَ وجالَ في عرَصاتي
وغَزا اللسان مُبلْبَلا ومُنكّرا
................بتدافع الأصوات بالأصوات
غَذّ الحروفَ مع الظَّلام مُيَمّماً
...............صوْبي وغادرَ عالمَ الأموات
بين الطيوف أخالُني -واويْلتا-
..........أشكو طقوسَ الحرب في جنَباتي
هي ذي الحروفُ تناثرتْ أشلاؤُها
................بين الضُّلوع ومثلُها آهاتي
فهنا حُروف الجرّ يُقطَعُ حبْلُها
.............وهناكَ «كانَ» تلوذُ بالأخَوات
وهنا الضَّميرُ على الصَّليب «مُمسْرَحا»
.................بخوار ثوْر الفنّ والملْهاة
يتدفَّقُ «السّارين» من ثقباته
...............وَمن الفَم الأرياحَ والغازات
أرخى على الأشهاد «لحْنَ» زُعافه
...............فَتَرنَّحتْ منْ ريحه نسَماتي
*****
للموْت رائحةُ الشّواء وغيمَةٌ
...........كالعُصْفر* المبثوث من شرُفات
ولهُ بكاءُ بَنات نعش* في السَّما
................تغريبة الأسماء في الظلمات
ولهُ طيوفٌ حائماتٌ يرتدينَ
.................صدى الكلام يَطنُّ كالنَّحْلات
والآهَةُ الحَرّى لهمزة وصله
..........قُطَعَتْ فَصرْتُ أسيرَ وَصْل صلات
والهمزَة الأخرى تراوحُ وحْدَها
..............بيْن الحروف كَسيرةُ النظَرات
****
بالأمس راوَدَني وأقْبلَ طارقا
.................بابي فقُمْتُ أَجرُّها خطواتي
والصَّمْتُ في عيْنَيْه قالَ -ولم يَقلْ-
..............ما لم تقلْهُ خواطري وبناتي*:
ما بالُ وَمْضك بالسُّكوت مُكبّلا
............وَلسانكَ المصلوب في السّكَرات
ما بالُ بابك موصَدٌ ؟ ردّ الصدى
..............فطفقْتُ أمْلأ بالصَّدى وَرَقاتي
ضحك الصدى حتى المَدى...كيف الرَّميـ
...........ـمُ يعود حيّا؟ صحْتُ أسألُ ذاتي:
كالنوْم في كهْف الرَّقيم ستُبعَثُ الـ
................كلماتُ ..إذْ لا موْتَ للكلمات
*****
أكذوبةٌ كبْرى عَلقْتُ بخيطها
...............كيفَ السبيلُ للَمّ شعْث شَتاتي
موْتُ الكلام خُرافَةٌ هيَ أمْ لسا
.............نُ الحال تقطَعُه مُدى النَّكبات؟
ودَمُ الحروف يَفيضُ من لثَغاته
.................لوْنُ النَّجيع ولَوْثة اللَّهْجات
هيَ ذي بَناتُ الفكْر توقظُ فجْرَها
...................والدّيكُ أذّنَ داعيا لصَلاة
* العصفر: الكركم الأصفر
* بنات نعش: نجوم يقول الموروث الشعبي أنها تئن وتبكي عند موت رجل صالح