وَاقِعُ أُمَة مُتَهَاوِيَة !
من المسلم به أن كل من يمتلك ضميرا حيا يتألم كثيرا لحال بلده وأمته التي مازالت تعيش تحت وطأة التخلف والتبعية للعالم المتقدم الذي يستنزف خيراتها ويُهَجّرُ أدمغتها ويضمر لها الدسائس . إن هذا الوضع المقيت لم يكن أبدا لنقص في الموارد والمقدرات والعقول النابغة ، ولكن لنقص في الهمة والتحدي والابتعاد عن الدين القيم وعن العلم والعمل المنتج .. هذا هو حال الأمة العربية التي أزرى بها الدهر بأكذوبة (ربيع عربي ) فاضح . قَطّعَ أوصالها ، وأتى على الأخضر واليابس فيها .. والله المستعان .
أي تحد يجب أن يرفع في أقطار هذه الأمة ؟ إنه بالطبع تحدي التنمية الشاملة والمستدامة ، الذي من أولوياته بناء الحضارة ، لا شراء منتوج حضارة الغير وتكريس التبعية. لقد صدق المفكر الجزائري ( مالك بن نبي) رحمه الله عندما قال: " إن القيمة في نجاح أي مشروع اقتصادي هي الإنسان ، ليس الاقتصاد إنشاء بنك أو تشييد مصنع ، بل هو قبل كل شيء تشييد إنسان وتعبئة طاقات اجتماعية تحركها إرادة حضارية".
ومن نافلة القول أن الأخذ بالأسباب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والشاملة في ظل العولمة الجارفة ، لا يكون إلا (بالحكامة الراشدة) المبنية على التخطيط المحكم ، ووضوح الرؤى ، وتأهيل الموارد البشرية ، وسن التشريعات اللازمة لتوجيه وترشيد التنمية ، وإشراك المصارف الإسلامية في الاستثمار كبديل منافس للمصارف الربوية التي تسببت في أكبر الأزمات الاقتصادية العالمية ، وأبعدت الكثير من الطاقات الاستثمارية بمخالفتها الشــرع في تعاملاتها المالية. ومن الأهمية بمكان إنشاء أسواق وتجمعات اقتصادية إسلامية محلية وإقليمية للتبادل وتوحيد الجهد التفاوضي مع نظيراتها في الغرب والشرق .
قال الله تعالى:"إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ــ سورة الرعد(11).
اللهم قيض لهذه الأمة المتهاوية رجالا تقاة يحافظون على الأمانة ويعيدون لها مجدها وريادتها وصلاحها الذي لن يكون إلا بما صلح به أولها.