دروس في العروض الإيقاعي-1:
الموسيقا والشعر:
يحاولُ علماء العروض وغيرهم أن يجعلوا من الشعر موسيقا قائمة بذاتها بكل ما لهذه الكلمة من أبعاد ومعان
يقول الأستاذ عز الدين إسماعيل: "جزء كبير من قيمة الشعر الجمالية يُعزى إلى صورته الموسيقية، بل ربما كان أكبر قدر من هذه القيمة مرجعه إلى هذه الصورة الموسيقية"
كذلك قول الأستاذ فوزي خضر"ويتألَّف البناء الموسيقي من إطار خارجي يتمثل في الوزن والقافية،وموسيقى داخلية تتمثل في الإيقاع الداخلي الذي يُبرزه التماثل والتوازي بين أجزاء المقطع الشعري،والتَّكرار، وتآلُف الحروف وتجاوُرها، والجناس"
ويقول الأستاذ محمد أبو المجد؛
الموسيقى عنصر من العناصر الهامة في صياغة الشعر، ووسيلة من وسائله الرئيسة في إثارة الشعور وتحريك الوِجدان، وبَثِّ الإحساس لدى المتلقي بالجمال، فالقصيدة - بتعبير أرشيبالد - صرخة منغومة
ويقول الأستاذ عبد الرحمن آلوجي
"أما القافية فهي تُعَد من العناصر المكملة للإيقاع الخارجي - الموسيقى الخارجية للشعر العربي - وهي في غالب الظن متطورة عن نهايات الأسجاع في النثر.. والقافية جزء إيقاعي خارجي متمِّم للوزن، ومُسهِم في ضبْط نهايات الأبيات، فحدُّ الشعر هو الموزون المقفَّى، والقافية تَضبِط نهايات الأبيات مُحدَّدةً.. فهي تُضيف إلى الرصيد الوزني طاقة جديدة، وتُعطيه نبرًا وقوةَ جَرْسٍ يَصُبُّ فيها الشاعر دَفْقَه *
ويقول الأستاذ إبراهيم أنيس:لا يتم الحديث عن موسيقا الألفاظ إلا بإشارة سريعة لما جاء في كتب البديع عنها، فقد قسموا البديع إلى نوعين
معنوي: وهو ما تتعلق المهارة فيه بناحية المعنى ولفظي: وهذا النوع من البديع وثيق الصلة بموسيقا الألفاظ، فهو في الحقيقة ليس إلا تفنُّنًا في طُرق ترديد الأصوات في الكلام؛ حتى يكون له نغم وموسيقا.... فهو مهارة في نظْم الكلمات وبَراعة في ترتيبها وتنسيقها، ومهما اختلفت أصنافه وتعدَّدت طُرقه، يجمعها جميعًا أمرٌ واحد، وهو العناية بحُسن الجَرْس، ووَقْع الألفاظ في الأسماع، ويجيء هذا النوع في الشعر يزيد من موسيقاه؛ وذلك لأن الأصوات التي تتكرر في حشْو البيت - مُضافةً إلى ما يتكرَّر في القافية - تجعل البيت أشبه بفاصلة موسيقية متعدِّدة النغم، مختلفة الألوان .
كذا قول الأستاذ محمود فاخوري "والذي يجب أن يُراعى في القصيدة التقليدية هو المساواة بين أبياتها في الإيقاع والوزن عامة، والجمع بينهما معًا في آنٍ واحد؛ بحيث تتساوى الأبيات في حظها في عدد الحركات والسكنات المتوالية، وفي نظام هذه الحركات والسكنات في تواليها، وتتضمَّن هذه المساواة وحدة عامة للنغم، وتشابُهًا بين الأبيات وأجزائها، يَنتج عنه تناسُبٌ تامٌّ وتَكرار للنغم، تَأْلفُه الأُذن، وتَلَذُّ به، ويَسري ذلك إلى النفْس، فتُسَرُّ به أيضًا، أما إذا فقَدت الموسيقا التناسُب والتساوي بين نغماتها، فعندئذ تُصبح مَدعاة للنفور؛ لأن الشعر في حقيقته ضربٌ من الموسيقا
ويقول الأستاذ مصطفى ناصيف :إن النُّقاد نظروا إلى موسيقا الشعر على أنها ضرب من التنظيم الساري الخالي من الدلالة، على الرغم من هذا النشاط العصبي أو الوِجداني الذي يَصحَبه، ومن هنا ظلُّوا يَعدونها زينة، أو عنصرًا خارجيًّا عن المعنى، وكأن المتعة التي يجدها سامعُ الشعر، أو العبارات ذات الوزن أو الإيقاع - لا رصيدَ لها من المعنى.
كان أكثر من وصفوا من العلماء الشعر بالموسيقى ' هم من المتأخرين-في نهاية النصف الأول من القرن العشرين- حيث بدأت رسائل الدكتوراه عند الأساتذة العرب وتقييمها في العالم الغربي وصدور أنظمة جوائز أدبية في الغرب؛فلا شك ان أولئك الأساتيذتأثروا بالأدب الغربي تأثرا مباشرا أو غير مباشر ؛فحاولوا إدخال ما لم يكن في الشعر والعروض العربي ووصْفه كما لو وصفوا أشعار الغرب مع الفارق الشاسع بينهما .
إن كل ما ذكر هنا من تصاريح لأساتيذ العروض هو رشف من بحر؛ولو استعرضنا كل أقوال الأدباء والفلاسفة حول موسقة الشعر لملأنا مجلدات كبيرة منهاولكن نستطيع أن نلخص أقوالهم بفقرتين :
⦁ تأكيد وجود موسيقاشعر خارجية ظاهرة في الوزن والقافية في الشعر العربي
⦁ وجود موسيقا شعر داخلية شبه ظاهرة في تفاعل الألفاظ مع بعضها
تعالوا معي لنتأكد من كل ذلك
فلنبدأ بتحليل كلمة "الموسيقا"؛
--يتبع -2