 جمهور الفن مختلف ؛ لأنه يملك قراره ويتمتع باستقلالية ومسئولية وحرية فى الانتقاء والاختيار بحسب المعروض أمامه فى سوق المنافسة الفنية ، فاذا لم يجد فى قضية ومحور فنى معين مثل المحور الدينى والتاريخى ةالوجودى والاجتماعى الا ما تعرضه جهة بعينها أو كيان ما أو دولة ما ، فلا يلومنه أحد على ارتياده دور العرض التى تقدم هذا النموذج من الأعمال ، ما دام لا يوجد بديل فنى موازى يشبع رغبات ونهم جمهور الفن الذى يختلف كلية عن جمهور الكتاب والوعظ .
 تصريحات وبيانات تنديد ورفض تنطلق من الأزهر الشريف ومن الهيئات والمؤسسات المختلفة حول العالم ، فيمَ تتسابق دور الانتاج لتقديم أعمال فنية مختلفة تعالج قصص الأنبياء والرسل والاشكاليات الأيديولوجية الشائكة بحسب وجهات نظر صناع تلك الأفلام ، وقد أنتجت ايران بالفعل فيلم " مملكة سليمان " من اخراج شهريار بحرانى ، وهو فيلم يحكى سيرة نبى الله سليمان بن داود عليهما السلام ، وبلغت تكلفة انتاجه خمسة ملايين دولار بشكل ابداعى غاية فى الروعة والاتقان بتوظيف مبهر ومدهش للمؤثرات الصوتية والبصرية .
 وفيمَ يعلن الأزهر الشريف رفضه واستنكاره لاقدام ايران على انتاج فيلم يجسد رسول الاسلام محمد صلى الله عليه وسلم ، فان المخرج الايرانى مجيد مجيدى يعلن بجرأة عن تحضيره لثلاثية سينمائية عن حياة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منذ ميلاده – وهو الجزء الأول للفيلم – ويحمل عنوان " طفولة محمد " ، وقد بلغت ميزانيته 50 مليون دولار ليصبح ثانى أكبر انتاج سينمائى بايران ، ويتناول الفيلم الذى يعرض حالياً طفولة سيدنا محمد منذ ميلاده فى عام الفيل ، وهو نفس اليوم الذى حاول فيه ابرهة الحبشى هدم الكعبة بمجموعة من الأفيال ، كما يتناول مجموعة من الشخصيات التى أثرت فى حياة النبى مثل والدته آمنة بنت وهب ومرضعته حليمة السعدية وعمه حمزة وجده عبد المطلب .
 وأكد مخرج الفيلم المثير للجدل أن السبب الرئيسى لاقدامه على هذه الخطوة واصراره على اخراجها للنور هو الدفاع عن النبى وتوضيح عظمته وسماحة دينه ، خاصة بعد ظهور العديد من المحاولات الغربية لتشويه صورته ، ويتساءل مجيدى عن دور ومسئولية المسلمين تجاه النبى محمد صلى الله عليه وسلم الذى يعتبر الرمز الأول والأكبر لديهم ، حيث يوجد العديد من الأفلام عن معظم الأنبياء ولا يوجد سوى فيلم واحد أو اثنين فقط عن نبينا محمد – بحسب قوله - ، ويؤكد مخرج الفيلم مجيد مجيدى – وهو صاحب التحفة السينمائية " أطفال الجنة " والحائز على أوسكار عام 1980م – أن الفيلم سيعرض فى مختلف بلدان العالم مدبلجاً بثلاث لغات ، بانتاج ضخم غير مسبوق ، وبمشاركة عدد من عباقرة السينما الغربية الحائزين على أهم الجوائز العالمية فى الديكور والمؤثرات البصرية والتصوير ، مثل المصور الايطالى العالمى فيتوريو اسطورارو ، وسكارت آى اندرسون الحاصل على أوسكار فى المؤثرات البصرية ، ومصمم الديكور العالمى ملجن كركاك كاكوف .
 هنا تجعل ايران المحظور متاحاً وتقدمه بصورة فنية مبهرة بأعلى المستويات والمواصفات العالمية ، لتحقق عدة أهداف غالية فى وقت واحد وهى :
 أولاً : تحقيق ما فشلت فيه من خلال المحاضرات والحسينيات والمناظرات والجدل الفقهى والعلمى ومجهودات المراجع الشيعية والمؤلفين والدعاة الشيعة من نشر المنهج والتصور الشيعى بين المسلمين من جهة وفى العالم كله من ناحية أخرى ، وذلك بالاعتماد على وسيلة أكثر انتشاراً وتأثيراً من خلال الابداع الفنى ومجهودات الفنانين والمبدعين ، أى أنها تستخدم الفن كجسر عبور للمذهب الشيعى الى العالم والى المسلمين السنة والعرب الذين يتابعون الأعمال الدرامية الايرانية على الفضائيات المختلفة والسينمائية بانبهار واعجاب شديد .
 ثانياً : تقديم ايران بصورة الأمة المعبرة عن الاسلام وعن التصور الاسلامى وأنها من تستحق الحديث باسم الاسلام والمسلمين ومخاطبة العالم أجمع عن تاريخ الاسلام ورموزه بالصورة التى تراها هى وبالأسلوب الذى يتوافق مع رؤيتها وتفسيراتها للنصوص الدينية .
 ثالثاً : استهداف مكانة المرجعية السنية – ممثلة فى الأزهر الشريف - عالمياً وبين المسلمين أنفسهم وداخل العالم الاسلامى ، وجعلها عاجزة غير مسموعة الكلمة ، وبهذا تهتز مكانة الأزهر الشريف كمرجعية اسلامية سنية أولى عندما تضرب بآرائها وتوجيهاتها ونداءاتها عرض الحائط ، وبظهورها عاجزة عن الفعل الذى يرقى لتأثير وحجم انتشار ما تقدمه ايران بمرجعياتها وتصوراتها الفكرية والعقدية فى هذا السياق التنافسى الابداعى .