انتشرت فعاليات حملة لمقاطعة أفلام السبكى بوصفه سبباً فى افساد الذوق الفنى والأخلاق فى مصر !
هل وصلنا لهذا المستوى من الضعف والانهيار وضعف المناعة وعدم الحضور الايجابى ليتمكن شخص مع أسرته من نيل شرف المقدرة على القيام بمهمة بهذه الضخامة " افساد ذوق وأخلاق المصريين " ؟
اخترقت العقل العربى والمسلم ثقافة التقوقع والجنوح للهروب والعزلة ومنهج الانفصالية والتنافر ، خوفاً من " رهاب " الاختراق أو الذوبان والتمييع ، وأسهم الدعاة والوعاظ فى الترويج لثقافة الاستضعاف والغربة ، مما رسخ من قابلية تصور أن ما يقدم من فنون انما هو تعبير عن واقع الأغلبية وتصوراتهم ومفاهيمهم وقناعاتهم ، وأن محاولات البعض لاثبات عكس ذلك مصيرها الفشل لأنهم يعبرون عن أقلية داخل المجتمع – هكذا يزعمون وهو ما يروجون له بناءاً على احتكارية مجالى الثقافة والاعلام - .
وأسهمت تلك الأطروحات المباشرة التى تفسر مفاهيم غربة الدين تفسيراً خاطئاً فى اضعاف الطموحات وقتل روح المبادرة واظهار من يقبل على التدين والالتزام بجوهر الدين ومظهره وتعاليمه وقيمه وأخلاقياته كأقلية غير مؤثرة معزولة هروبية فاشلة تعبر عن أقلية أيضاً غير مؤثرة فى المجتمع !
أيضاً أسهمت التصنيفات المعولبة ، فهذا اسلامى وهذا غير اسلامى ، رغماً عن أن الكيان الواحد – حتى الوسط الفنى ذاته – به من يحمل الهموم الاسلامية وقضايا الأمة بعقل وخلق رشيد وبغيرة شديدة ، لو دققنا وعايشنا عن قرب وفتشنا وأنصفنا .
هى ثمرة تقصير ذاتى وميل لما ترتاح اليه نفوس بعض المتدينين – سواء فى الفن وغيره - من مشاعر متوهمة بالغربة والتميز بالانكفاء على الذات والاستعلاء بمظاهر التدين ، وما هى فى واقع الأمر الى عوائق ذاتية أدت الى تفريط عظيم فى واجب نصرة القيم والمبادئ والمقاصد العليا للاسلام من خلال أكثر وأخطر الأدوات تأثيراً على الاطلاق وهى أداة الفن والابداع ، وتلك القيم والمبادئ لا تنتصر وتنهض بمناهج الانفصال عن الواقع والتقوقع والعزلة والهروب والسلبية ، انما بروح المبادرة والنضال الدؤوب ومناهج التكاملية التنافسية الرشيدة .
السؤال : لو لم تكن الساحة الفنية خالية من النشاط الايجابى من خلال المبدعين الحقيقيين ، فهل سيكون الواقع الفنى على ما هو عليه الآن ؟ وهل كان ليسيطر عليه السبكى وغيره ؟
التعرى وهز الوسط فى بر مصر المحروسة انتشر واستعلى على حساب الفن الجميل الأصيل الذى انزوى وذبل بانزواء وتقهقر رموزه الكبار الى الوراء ، والسبب الحقيقى وراء شهرة الراقصات وفنون التعرى ومخاطبة الغرائز ليس لتميز فى هذه الفنون ولا لكونها تحمل الابداع والتحرر والجمال كما يروجون باستماتة ، ولا لأن المصريين والعرب يعشقون ويقبلون فى غالبيتهم لمثل هذا اللون من العروض الجسدية المكشوفة ، انما السبب الحقيقى هو غياب الفن الأصيل وضعف حضور الفنون الراقية التى تقدم الفكر والمتعة الذهنية والابداع الفنى الراقى والبهجة والمرح بدون ابتزاز من خلال جسد المرأة أو امعان فى تعريتها .
أتابع جهود الفنان محسن محيى الدين وعودته الجسورة تحسب له ، لكنه وحده لا يكفى ، فاذا تكون لوبى وكيانات تنصر وتدعم الابداع والفن الراقى ، سينتشر وستدعمه الجماهير التى تنتظره بشغف ، وساعتها قولوا على السبكى وتجارته السلام ، فسينتهى وحده بدون مجهود يذكر عندما تحدث المفاضلة بينه وبين الفن الحقيقى .
الحملات ينبغى أن توجه لنصرة ودعم الفن الراقى وتمكين رموز الفن الحقيقيين لصدارة المشهد ، أما الاستمرار فى " قاطعوا السبكى " و " انقذونا من السبكى " بدون فعل ايجابى على الأرض ، فعبث محض .