نماذج من الاختلاف الدينى دون اقتتال
سيد يوسف
تمهيد:
أصبحت أسطوانة مشروخة أن يردد دوما الفاقهون من الناس أن الاختلاف فطرى،وأنه لا يثير التباغض إلا لدى أصحاب العقول الضيقة وأنه فطرة فطر
الله الناس عليها وأنه لو كان التشابه والاتفاق لازما لصارت جميع حروف العربية مثلا حرفا مستقيما كالألف...وأن اختلاف التنازع مرده جهل عريض بالدين....
إلى آخر هذه الاسطوانة المعهودة.....فأين من يسمع حتى لا يضحك عليه الناس حين يقول: أى إسلام تريدون إسلام أبى حنيفة أم إسلام مالك أم إسلام ابن باز أم إسلام القرضاوى أم إسلام عمرو خالد؟؟؟؟!!!!
ففى يقينى أن إثارة مثل هذا الكلام ينم عن جهل شديد بخصائص هذا الدين وبسماته التى خصها الله به...ذلك أن الخلط المشوه بين تعاليم الدين وبين جملة اختلافات فقهية بين بعض العلماء مرده ...جهل شديد يحتاج صاحبه- معه- إلى
المطالعة والتثقف الجيد قبل هذا الكلام المرسل.
تساؤلات ...وتلميحات:
ألم تختلف الملائكة فى شأن آدم فهل سمع الناس أن ملكا سفه من ملك آخر؟؟!!
ألم يختلف حكم سليمان وداوود فى الحرث كما ورد فى قوله تعالى:
( وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ) الأنبياء 78-79
ألم يختلف النبى مع بعض أصحابه حول أمور الحرب وبعض المجالات الاجتماعية فيما لا تشريع فيه ..كاختلافه مع عائشة وتحكيم أبى بكر بينهما...وكحادثة تلقيح النخل ؟؟
نموذجان من اختلاف الصحابة:
1/ قال صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» فأدرك بعض الصحابة العصر في الطريق، فقال بعضهم : لا نصلي حتى نأتيها، أي : ديار بني قريظة...وقال بعضهم: بل نصلي، لم يُرد منا ذلك. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم» رواه البخارى ومسلم.
والحديث واضح الدلالة أن الصحابة اختلفوا فى فهم النص فمنهم من اخذ النص بظاهره ومنهم من اعمل فيه عقله ظانا أن النبى إنما كان يريد الإسراع حتى يتم الوصول لبنى قريظة قبل العصر.
وتصويب رسول الله صلى الله عليه وسلم للفريقين دليل على مشروعية كل من المذهبين.....فالحق يمكن أن يتعدد لا أن يتناقض ...وما وجدنا بصدر الصحابة شيء من ذلك وما وجدنا بعضهم يسخر من بعض بل كانوا رحماء بينهم...فأين من يعقلون؟؟؟
فهاهو عمر بن الخطاب يختلف مع عبد الله بن مسعود اختلافات يحصيها بعض العلماء كابن القيم فتبلغ ( 100) مسألة ..وما أثر ذلك على حب أحدهما للآخر
فهذا ابن مسعود يأتيه اثنان: أحدهما قرأ على عمر وآخر قرأ على صحابي آخر، فيقول الذي قرأ على عمر: اقرأنيها عمر بن الخطاب، فيجهش ابن مسعود بالبكاء حتى يبل الحصى بدموعه، ويقول: اقرأ كما أقرأك عمر فإنه كان للإسلام حصنا حصينا، يدخل الناس فيه ولا يخرجون منه، فلما أصيب عمر انثلم الحصن
2/ ما روى عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: (احتلمت في ليلة باردة في غزة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت (من التيمم) ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي فقال:«يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟» فأخبرته بالذي.....(ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما)النساء 29 فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا». رواه أبو داود والحاكم .
نموذجان من اختلاف التابعين:
1/وكان الإمام احمد بن حنبل يرى الوضوء من الرعاف( خروج الدم من الأنف) والحجامة فقيل له: فإن كان الإمام ( يقصدون مذهب مالك بن أنس حيث لا يرى الرعاف مبطلا للوضوء) قد خرج منه الدم ولم يتوضأ هل يُصلى خلفه؟ فقال: «كيف لا أصلي خلف الإمام مالك وسعيد بن المسيب».
2/قال الليث بن سعد: لقيت مالكا في المدينة، فقلت له: إني أراك تمسح العرق عن جبينك. قال: عرقت مع أبي حنيفة، إنه لفقيه يا مصري،.
قال الليث: ثم لقيت أبا حنيفة، وقلت له: ما أحسن قول هذا الرجل فيك (يشير إلى مالك) فقال أبو حنيفة: ما رأيت أسرع منه بجواب صادق، ونقد تام...
أرأيتم ؟؟ !!
كانوا يختلفون ولا يرون أنفسهم يبتدعون فى الدين ويأتون بإسلام جديد!!
وكانوا يختلفون ولا يرى من أحدهم لأخيه –من نفسه- شيئا!!
فى النهاية:
هى نصائح للمجادلين عن جهل.. لعل وعسى(وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين)
1/ لا تتحدث برأيك....يقول تعالى: (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله)«ص 26». ويقول تعالى أيضا:(وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم)«الأنعام 116».
2/ لا تتحدث بلا علم ...لا تُضحك الفاقهين عليك...اقرأ ثم تكلم تدبر معي هذه الرواية:
روى عن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر في رأسه، ثم احتلم فسأل أصحابه : هل تجدون رخصة لي في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات. فلما قدمنا رسول الله «ص» أُخبر بذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: «قتلوه قتلهم الله، ألا سألوه إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصر أو يعصب جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده ...» رواه أبو داود.
فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يعذر المفتين هنا من أصحابه بل عنّفهم وعاب عليهم أنهم أفتوا بغير علم واعتبرهم بمثابة القتلة لأخيهم، وأوضح ما تقرره القاعدة القرآنية: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) «النحل 43».
3/ لكلٍ مرجعية ومن يسير بلا مرجعية فهو جاهل مغرور...فحبذا لو اتفقنا على المرجعية عند الاختلاف فبها تستقر الأمور....إنى لأعلم أناسا يرفضون القران مرجعية للاختلاف فى أمور الدين ويحكمون أهوائهم .....لا جرم هذا شأنهم.
4/ التحدث بأسلوب لائق أولا: احتراما لنفسك....وثانيا : احتراما للحق.
5/ التخلق بآداب الحوار.
6/كم كنت أرجو أن يوجد فى صفوف أمتنا أناس-كثرة- لديهم وعى وبصيرة بحيث يُؤْثِرون المبدأَ على الشخص ويؤثرون الوحيَ على التاريخ..ولكن يبدو أنه أمل بعيد المدى إلا أن يشاء الله أمرا آخر.
7/ أخرى .
أسأل الله أن يلهمنا الصواب.
سيد يوسف