ما يزال رجل الشارع يدهشني بعميق ارتباطه بعتيق التراث
فهو و إن لم يُصنف في ركب المثقفين إلا أنه يسير في طريق موازٍ
لهم و ينشر كنوزه في عفوية تضمن له أكثر من المتخصصين الوصول
إلى كلِّ جيل دون عناءِ كتابة أو تكاليف دور النشر.
و من هذا ما نسمعه يتردد على ألسنة العامة من حكمٍ و أمثالٍ و تعابير
يستهجنها المتأدبون و يترفعون عن ذكرها في مجالسهم أو تحليلها في دراساتهم
رغم أصالة ما يستهجنون و جليل ما يستخفون.
فمثلاً:
تقول العامة: (سأريه النجوم في عزِّ النهار )
و هذا القول سحيق القدم
و لعلَّ الشاهد الذي بين يدي ليس هو أقدمها و لكن هو ما وجدته إلى اليوم
قول الفرزدق رحمه الله تعالى:
سمونا الى نجران اليماني وأهله= ونجرانُ أرضٌ لم تديَّثْ مَقاولُه
إلى أن يقول:
إذا فزعوا هزّوا لواء (ابن حابسٍ) =و نادوا كريماً خِيمُه و شمائلُه
سعى بتراتٍ للعشيرة أدركتْ = حفيظة ذي فضلٍ على من يفاضله
فأدركها و ازداد مجداً و رفعةً= و خيراً، و أحظى النّاس بالخير فاعلُه
أرى أهل نجران الكواكب بالضحى =و أدرك فيهم كلَّ وِترٍ يحاوله
فقوله:
أرى أهل نجران الكواكب بالضحى
هو كمثل قولنا (سأريك النَّجوم في وضح النَّهار)