أخي الحبيب الشاعر الفذ الأستاذ خالد الحمد
أين أنت يا بحر الشوق العامر
قلوبنا في غاية الشوق إلى حضورك السامي أيها الكريم
أما بخصوص ما تفضلت بطرحه هنا فأحب أن أقول:
أرى أنه من المفيد هنا الاطلاع على مؤلفات أستاذي الفاضل الأستاذ الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف
مثل:
- النحو والدلالة ، القاهرة ، عام 1968.
- - الجملة فى الشعر العربى ، القاهرة ، عام 1990.
- ظواهر نحوية فى الشعر الحر، القاهرة ، عام 1990.
- لغة الشعر ، القاهرة ، عام 1996. ، وهو ذاته أطروحة بعنوان: - الضرورة الشعرية فى النحو العربى.
- اللغة وبناء الشعر ، القاهرة ، عام 2001.
- الإبداع الموازى ، القاهرة ، عام 2001.
وهي بين داريْ الشروق ودار غريب بالقاهرة
كما أنصح بالاطلاع على أطروحتي للماجستير بعنوان:
"دور النحو في تفسير النص الشعري" بكلية دار العلوم جامعة القاهرة.
كما أحب ان أوضح أن النحو مفسر وليس مبررا، وأن الشعراء لا يذهبون إلى ما يسمى بالضرورة عن ضعف وإنما عن اقتدار كما يقول ابن جني:
"فمتى رأيت الشاعر قد ارتكب مثل هذه الضرورات على قبحها، وانخراق الأصول بها، فاعلم أن ذلك على ما جشمه منه وإن دل من وجه على جوره وتعسفه، فإنه من وجه آخر مؤذن بصياله وتخمطه، وليس بقاطع دليل على ضعف لغته، ولا قصوره عن اختياره الوجه الناطق بفصاحته. بل مثله في ذلك عندي مث لمجرى الجموح بلا لجام، ووارد الحرب الضروس حاسراً من غير احتشام. فهو وإن كان ملوماً في عنفه وتهالكه، فإنه مشهود له بشجاعته وفيض منته؛ ألا تراه لا يجهل أن لو تكفر في سلاحه، أو أعصم بلجام جواده، لكان أقرب إلى النجاة، وأبعد عن الملحاة؛ لكنه جشم ما جشمه على علمه بما يعقب اقتحام مثله، إدلالاً بقوة طبعه، ودلالة على شهامة نفسه".(الخصائص: 1: 216)
وإنما هو تشبيه للتوضيح ، ووجه الشبه فيه واضح جلي، فالقاعدة في ركوب الخيل أن يمسك الراكب باللجام وفي دخول الحرب أن يحتمي ولكن المتمكن الشجاع يكسر هذه القاعدة لشدة اقتداره ، إدلالاً بقوة طبعه، ودلالة على شهامة نفسه.
وكذلك الأمر بالنسبة للشاعر حين يؤثر الخروج عن القاعدة والاستعمال الأصلي ، إلى استعمال مغاير وهو ما يسميه علماؤنا الأجلاء بالضرورة لتحقيق غرض فني يتسق مع "مقتضى الحال" أي مع الموقف والسياق الخارجي والتجربة.
فما لسقراط ولهذا التشبيه ؟!
إن النحاة هنا في هذه الظاهرة كانوا بين أمرين
أن يخطئوا الشعراء
أو ينحازوا إلى الإبداع
فاختاروا الثاني مشكورين مأجورين.
أما من أراد النحو المعياري التعليمي فله كتبه التعليمية وليكتفِ بها.
وإليك هذا المثال: قال الرضي في شرح الكافية:"
ويجمع بين " يا " والميم المشددة، ضرورة، قال:
126 - إني إذا ما حدث ألما * أقول يا اللهم يا اللهما
من السهل هنا أن تقول إن الشاعر أخطأ حين جمع بين أداة النداء "يا" والميم المشددة .
ولكن النحاة كانوا منصفين حين قالوا إن ذلك ضرورة بمعنى أنها تجوز في الشعر.
وهذا يجعلنا نسأل لماذا آثر الشاعر استعمال يا رغم أن الميم عوض عنها ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوض
فأقول إن الشاعر هنا شعر بأنه في حاجة إلى الإلحاح في النداء بدليل أنه كرر أسلوب النداء.
وقد ذكر الرضي أيضا هذا البيت:
جمعت وفحشا غيبة ونميمة * ثلاث خلال لست عنها بمرعوي
في الضرورة
والأصل أن يقول : جمعت غيبة ونميمة وفحشا
ولكن الشاعر لا يلتزم بهذا الاستعمال الأصلي بل يفتن في الاستعمال وكأنه أراد أن يبين مدى احتشاد هذه الخلال فجاء بهذا التركيب الإبداعي.
وهكذا.
ويشرح المحقق القدير العلامة البغدادي هذه الظاهرة قائلا:
" وإنما معنى الضرورة أن الشاعر قد لا يخطر بباله إلا لفظه ما تضمنته ضرورة النطق به في ذلك الموضع إلى زيادة أو نقص أو غير ذلك، بحيث قد ينتبه غيره إلى أن يحتال في شيء يزيل تلك الضرورة.
ثم يفسرها بتفاسير من أهمها:
* أنه قد يكون للمعنى عبارتان أو أكثر، واحدة يلزم فيها ضرورة إلا أنها مطابقة لمقتضى الحال، ولا شك أنهم في هذه الحال يرجعون إلى الضرورة، لأن اعتناءهم بالمعاني أشد من اعتنائهم بالألفاظ. وإذا ظهر لنا في موضع أن ما لا ضرورة فيه يصلح هنالك فمن أين يعلم أنه مطابق لمقتضى الحال.
والمعنى : أن الشاعر يؤثر ما يتسق مع تجربته الإبداعية حتى لو خالف القياس الإصلي ، كما عبر سيبويه ببراعة قائلا:" وليس شيء يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجهاً".
أما في التعامل مع النصوص البليغة فالأولوية للتفسير
لأنه لا يمكن إخضاع النصوص البليغة للقاعدة
فإذا كانت القاعدة تقول:
بالجر والتنوين والندا وأل ومسند للاسم تمييز حصل
وقال الشاعر:
ما أنت بالحكم الترضى حكومته= ولا الاصيل ولا ذي الرأي والجدل.
فلا يلجأ النحاة إلى المعيارية هنا بل إلى التفسير فيقولون:
ال: موصول اسمي نعت للحكم
وأنشد الفراء:
قال: وأنشد الفراء في مثله:
أخفْن اطِّنائي إن سَكَتُّ وإنّني ... لفي شُغل عن ذَحْلها اليُتَتَبَّعُ
وأنشد المفضل:
يَقول الخَنا وأَبْغض العُجم ناطقاً ... إلى ربِّنا صوتُ الحِمار اليُجَدَّعُ
يريد: الذي يُجَدَّع.
ومن هنا كان التفسير أولى من المعيارية والتخطئة في نحو النص، وهو النحو الذي يكشف عن الإبداع في النص الأدبي ، دون الوقوف عند حدود الخطأ والصواب في الجملة الواحدة
وهاهو حازم القرطاجني يفرق بين من يلجأ للضرورة الشعرية ومن يؤثرها للتفنن والإبداع فيقول:
و قد التفت إلى هذا حازم القرطاجني التفاتة عبقرية حين قال:
" وكأن الشاعر قد عدل عن الأشهر إلى الأخفى إما اضطرارا إلى ذلك ، أو قصدا إلى الافتنان في معاني الكلام والاتساع في مذاهبه ؛
فمن عادتهم أن يتلاعبوا بالكلام على وجوهٍ من الصحة". منهاج البلغاء: 181
وتامل معي مدى ما تحمل العبارة من تفهم للإبداع والافتنان
والله أعلم
ودمتم بكل الخير والتوفيق
مصطفى