بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين و صلى الله و سلم على نبينا محمد بن عبدالله سيدنا الأولين و الآخرين و على آله و صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، أما بعد:
الشعر كلام .
و الكلام إما أن يكون منطوقاً أو مكتوباً ،و العرب قسمت الكلام إلى قسمين:
فالكلام موزون و سمته الشعر و كلام غير وزن و سمته النثر.
و قد بينت الشريعة الغراء أهمية الكلام و بينت أن ما يتلفظ به المرء أو يكتبه محسوب عليه و مجزي به ، فقال الله تعالى :
( ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد (18)) سورة ق.
و جاء في الحديث الصحيح الذي رواه معاذبن جبل رضي الله عنه:
( ألا أُخبرُك بمِلاكِ ذلك كلِّه ؟ كُفَّ عليك هذا وأشار إلى لسانِه قال : يا نبيَّ اللهِ ! وإنا لَمُؤاخذونَ بما نتكلَّم به ؟ قال : ثَكِلَتْك أُمُّك يا معاذُ ! وهل يَكبُّ الناسَ في النَّارِ على وجوهِهم إلا حصائدُ ألسنتِهم ).
و القلم أحد اللسانين كما في المثل العربي.
فإذا عُلم هذا فإن الشريعة بين حكمها في الشعر بما يلي:
( الشعر نوع من الكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، فلا يمدح لذاته ولا يذم لذاته، ولكن النظر إلى مضمون الشعر قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني (10): "وليس في إباحة الشعر خلاف، وقد قاله الصحابة والعلماء، والحاجة تدعو إليه لمعرفة اللغة العربية والاستشهاد به في التفسير، وتعرف معاني كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ويستدل به أيضاً على النسب والتاريخ وأيام العرب" ا.هـ
وقد أنشد كثير من الصحابة الشعر بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحاديثهم في الصحيحين وغيرهما وهي كثيرة، بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم حساناً وغيره بإنشاد الشعر.
وما ورد من ذم الشعراء في القرآن أو ذم الشعر في السنة، فإنما يذم من أسرف وكذب، فالغالب أن الشعراء يقولون الكذب، فيقذفون المحصنات، ويهجون الأبرياء، فوقع الذم على الأغلب، واستثني منهم من لا يفعل ذلك، كما قال سبحانه: (والشعراء يتبعهم الغاوون *ألم تر أنهم في كل واد يهيمون*وأنهم يقولون ما لا يفعلون* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا) [الشعراء:224-227]
وما ورد في السنة من ذم حفظ الشعر فالمقصود به الإكثار من ذلك حتى يشغله عن القرآن والسنة والتفقه في الدين، أو ما كان فيه تشبيب بالنساء ونحوه.
والله أعلم.) *
و جاء في جواب السؤال السادس من الفتوى رقم ( 5782 )):
( إذا اشتمل الشعر على كذب أو شرك، أو لهو، أو مجون، أو إغراء بشر ونحو ذلك، فهو ممنوع، وإذا اشتمل على دعوة إلى الخير وعلى حِكَم شرعية، ونصر للحق ونحو ذلك فهو مشروع، وبالجملة فحكمه حكم ما اشتمل عليه ...) **
(
____مسألة حكم الشعر والشعراء:
في الشعر والشعراء وسئل مالك عن إنشاد الشعر، قال: يخفف ولا يكثر، ومن عيبه أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69]. قال مالك: وقد بلغني أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري أن اجمع الشعراء واسألهم عن الشعر، وهل بقي معهم معرفته، وأحضر لبيدا لذلك. قال فجمعهم فسألهم فقالوا: إنا لنعرفه ونقوله، وسأل لبيدا عنه فقال: ما قلت بيت شعر منذ سمعت الله عز وجل يقول في كتابه العزيز: {الم} [البقرة: 1] {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2].
قال محمد بن رشد: الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، والإكثار منه والاشتغال به مذموم. وكفى من ذمه قول الله عز وجل: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224] أي الشياطين الذين يغوونهم ويزينون لهم المكروه من القول، {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء: 225] أي من القول يهيمون، {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 226] يمدحون ويذمون ويصفون ما تميل إليه أهواؤهم فيغلون. وقد «قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الثرثارين إنهم أبغض الخلق إلى الله» لما في البلاغة والتفيهق من تصوير الباطل في صورة الحق. ولهذا المعنى «قال النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ إذ مدح عمرو بن الأهتم الزبرقان بن بدر ثم ذمه في مجلس واحد بكلام بليغ استمال به النفوس وقال: أرضاني فقلت: أحسن ما علمت، وأسخطني فقلت: أسوأ ما علمت، ولقد صدقت في الأولى وما كذبت في الثانية: إن من البيان لسحرا» أي إن من بعض البيان لسحرا، فالحظ لمن كان من أهل الشعر وسهل عليه القول أن يتركه ويشتغل بما سواه من ذكر الله عز وجل وتلاوة القرآن وما يعنيه من أمر دينه ودنياه. فقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» وهذا الذي أراده عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ من الشعر، ولذلك كتب إلى أبي موسى الأشعري أن يجمعهم ويسألهم عن الشعر ويحضر لبيدا لذلك ليسمعوا قوله له توبيخا لهم. وكان لبيد بن ربيعة العامري الشاعر من فحول الشعراء شريفا في الجاهلية والإسلام، ممن سلم فحسن إسلامه. وقيل إنه لم يقل منذ أسلم شعرا إلا قوله:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ** حتى اكتسيت من الإسلام سربالا
وقد قيل إن هذا البيت لغيره، وإن الذي قاله هو في الإسلام هو قوله:
ما عاتب المرء الكريم كنفسه ** والمرء يصلحه القرين الصالح
وقد قال النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل»
وهو شعر حسن فيه ما يدل على أنه قاله في الإسلام، والله عز وجل أعلم، وذلك قوله:
وكل امرئ يوما سيعلم سعيه ** إذا كشفت عند الإله المجاهل
وكان لبيد هذا من المعمرين، مات وهو ابن مائة وأربعين سنة، وقيل ابن مائة وسبع وخمسين سنة في أول خلافه معاوية، وبالله تعالى التوفيق لا شريك له..) ***
_______________________
* موقع إسلام ويب.http://fatwa.islamweb.net/fatwa/inde...twaId&Id=17045
**(الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 187)اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو عضو نائب رئيس اللجنة عبدالعزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى .
*** محمد بن أحمد ابن رشد، ، ( البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة). http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%...&d1044668&c&p1