الذُّبابَةُ في العَسَل
راحَتْ تحومُ وتحومُ محدثةً طَنيناً مزْعِجاً حوْلَ «مرطَبان» العَسلِ,الذي كان مُلْقىً في العَراء..كانتْ ذبابةً قويَّةُ الإرادةِ, لا تتَورَّعُ عن فِعْلِ شيءٍ مهما كان صغيراً, فكيف إذا كان هذا الشَّيءُ «مرطباناً» مليئاً بالعسَل الطَّبيعيِّ الذي يسيلُ لَهُ لُعابُها ولا تستطيع مقاومَتَه..
حطّتْ على غطاءِ «المرطبانِ» الذي كان مُغْلَقا, وأخذتْ تحاولُ فتْحَهُ ولكنَّها لم تستطعْ, لم تكنْ من ذلك الذبابُ الذي يعرفُ اليأْسَ, نظرَتْ حوْلَها فوَجَدتْ «دبّوراً» بالقرْبِ منها, تأمّلتُهُ فإذا بهِ قَويٌّ مفتولُ العضَلاتِ, فنادتْهُ وقالت:
- هل تستطيعُ يا صديقي أن تفتَح لي هذا «المرطبان» ولكَ منّي عشرةُ قروش؟.
ابتسَمَ «الدَّبّورُ» من عرْضِها وقالَ في نفسِهِ:
- يا لهذه الذُّبابَةُ الغَبيّةُ!!.. عشرةُ قروشٍ من أجلِ فتْحِ مرطبانِ عسَل؟ لم لا؟ لن يكلِّفُني فتْحَهُ جهْداً.
طارَ «الدَّبورُ» حتى حطَّ على «المرطبانِ» وعالجَهُ حتى فتحَهُ, ففرحَت الذُّبابةُ جداً وناولتْهُ القروشَ العشرةَ فأخذَها وطارَ بعيداً.
لم تُفكِّر الذُّبابَةُ كثيراً, وانطلقْتْ كالصَّاروخِ نحوَ العَسَلِ الذي فتَحتْ شَهيّتَها رائحتَهُ, وراحتْ تلْعَقُهُ بنَهمٍ شديدٍ, وظلّت تأكلُ حتى شبِعتْ.
ولما أرادت الخُروجَ عَلِقَتْ بالعَسلِ اللَّزجِ ولمّا لمْ تتمكَّنْ من تخليصِ أرجُلِها, لجأتْ لاستعمالِ أجْنحَِتِها, ولكنَّها غاصتْ في العسَلِ أكثر, فأدركتْ أنها ستموتُ إن لم ينقذْها أحدٌ, عندئذٍ نادتْ بأعلى صوْتِها وهي تبكي:
- من يخْرِجُني من هذا العَسلِ وله عشرةُ دنانير؟!.
ولكنْ لم يسمعْها أحد.