كلما عزمت الخروج من السرداب جاءني هاتف من خارج الكوة يهدهدني بصوت أبي القديم؛ بحسرة المحب، يقول: ( كُنْ حِلْسَ جُبِّكَ )،، ثم ينشدني:
: : ::
وَلَدِي... تَمَهَّلْ..
لاَ تُسَافِرْ
وَالْزَمْ جِنَانَكَ لاَ تُغَادِرْ
فَجَمِيعُ مَنْ هُمْ خَارِجَ الْجُبِّ الأَمِينِ تَفَرَّقُواْ ...
مَا بَيْنَ مَغْدُورٍ وَغَادِرْ!!
وَلَدِي...
أُعِيذُكَ أَنْ تَرَى
طِفْلاً وَثَكْلَى
مِنْ بَعْدِ مَا
آَوَتْكَ حُبْلَى...
أَوْ إِخْوَةً أَهْدَوْكَ فِي عَتْمِ الْفَلاَ
طَرْحاً وَقَتْلاَ
أَوْ أَنْ تَرَى ذِئْباً
بَرِيئاً
دُونَمَا جُرْمٍ
يُحَاصَرْ
أَوْ أَنْ تَرَى أُخْدُودَ خَدِّي
مِنْ دُمُوعٍ
كَالْخَنَاجِرْ
وَأَنَا أُحَاوِلُ أنْ أُصَابِرْ ...
لَكِنَّنِي.... عَبَثاً أُكَابِرْ
وَلَدِي... تَرَجَّلْ
لاَ تُفَكِّرْ فِي الإِيَابْ
وَالْزَمْ جِنَانَكَ
إِنَّمَا الدُّنْيَا عَذَابْ
فَالظِّلُّ عِنْدَكَ
وَالزُّلاَلُ مِنَ الشَّرَابْ
وَلَدَيْكَ يَا وَلَدِي بِجُبِّكَ
كُلُّ خَلاَّبٍ وَآَسِرْ
أَمَّا أَنَا...
فَجَمِيعُ أَحْزَانِي تَهُونْ ...
مَا دُمْتَ فِي الْجُبِّ الأَمِينْ
؛ لأَرَاكَ تَنْعَمُ
أَيُّهَا الْقَمَرُ الْقَمِينْ
بِالْجُبِّ،
بَلْ بِالْحُبِّ ...
بِالْمَاءِ الْمَعِينْ
بَدْراً تَأَلَّقَ نُورُهُ رَغْمَ الدَّيَاجِرْ....
فَعَلاَمَ تَهْجُرُ جَنَّةً،،
وَبِهَا تُقَامِرْ؟
؛ لِتَعُودَ لِلدُّنْيَا؟،
وَمَا الدُّنْيَا سِوَى سِجْنٍ وَآَسِرْ
وَعَلاَمَ يَا وَلَدِي
تُصِرُّ بِأَنْ يَخَافْ...
قَلْبِي عَلَيْكَ
مِنَ الْعَواهِرِ وَالْعِجَافْ ؟
فَجَرِيمَةُ الْعَصْرِ التَّعِيسِ
هِيَ الْعَفَافْ
ومُلُوكُنَا لَنْ يَحْكُمُوا
إِلاَّ بِمَا يُرْضِي الْعَوَاهِرْ !!
مِنْ بَعْدِ مَا نَحَتُوا السُّيُوفَ
صَدِيئَةً فَوْقَ الْمَنَائِرْ
وَغَدَتْ تَمَاثِيلُ الْخَنَاجِرِ
زِينَةً فَوْقَ الْخَوَاصِرْ؛
فَإِذَا الْتَفَتَّ
فَطَعْنَةُ الْغَدَّارِ
فِي ظَهْر الْكَوَاسِرْ
وَأَنَا أَسُفُّ الدَّمْعَ
مَلاًّ فِي الحَنَاجِرْ
وَتَقُول لِي:
فَالْتَنْسَ يَا أَبَتِي الضَّلاَلاَتِ الْقَدِيمَةْ
بِاللهِ قُلْ لِي:
كَيْفَ أَنْسَى
دَمْعَةَ الثَّكْلَى،
وَمأْسَاةَ الْيَتِيمَةْ؟
أَمْ كَيْفَ أَنْسَى الأَمْسَ ...
وَالذِّكْرَى الأَلِيمَةْ؟
ذِكْرَى الْقَمِيصِ،
مُخَضَّبٌ بِدَمَ الْبَهِيمَةْ
فَلِمَنْ خُرُوجُكَ بَعْدَ هَاتِيكَ الْمَخَاطِرْ؟
وَالنَّاسُ...
كُلُّ النَّاسِ قَدْ بَاعُوا الضَّمَائِرْ
فَاحْذَرْ وَلاَ..
تَأْمَنْ لِزَائِرْ
كُنْ حِلْسَ ( أُمِّكَ ) يَا بُنَيَّ ...
وَلاَ تُفَكِّرْ أَنْ تُغَادِرْ .