يقول العلاّمة محمود شاكر رحمه الله، موضحاً معنى التجديد الحقيقي المثمر، لا ذاك المستورد المدمّر:
("الجديد" و "التجديد" لا يمكن أن يكون مفهوماً ذا معنى إلا أن ينشأ نشأة طبيعية من داخل ثقافة متكاملة متماسكة حية في أنفس أهلها. ثم لا يأتي التجديد إلا من متمكن النشأة في ثقافته، متمكن في لسانه و لغته، متذوقٍ لما هو ناشئ فيه من آداب وفنون وتاريخ ، مغروس تاريخُه في تاريخها وفي عقائدها، في زمان قوتها و ضعفها، ومع المتحدر إليه من خيرها و شرها، مُحِساً بذلك كله إحساساً خالياً من الشوائب. ثم لا يكون "التجديد" تجديداً إلا من حوارٍ ذكيّ بين التفاصيل الكثيرة المتشابكة المُعقدة التي تنطوي عليها هذه الثقافة، و بين رؤية جديدة نافذة، حين يلوح للمجدد طريقٌ آخر يمكن سلوكه، من خلاله يستطيع أن يقطعَ تشابكاً ليصله من ناحية أخرى وصلاً يجعله أكثر استقامة ووضوحًا، و أن يَحل عُقدةً من طَرَف، ليربطها من طرف آخر ربطا يزيدها قوةً ومتانة وسلاستة.
فالتجديد إذن حركة دائبة في داخل ثقافة متكاملة، يتولاها الذين يتحركون في داخلها كاملة حركة دائبة، عِمادها الخِبرة والتَّذوق والإحساس المرهف بالخطر، عند الإقدام على القطع والوصل ، وعند التهجم على الحل و الربط. فإذا فُقِد هذا كلُّه، كان القطع والحل سلاحًا قاتلًا مدمراً للأمة وثقافتها، وينتهي الأمر بأجيالها إلى الحيرة والتَّفَكُّك والضياع، إذ يُورِّث كلُّ جيلٍ منها جيلً بعده، ما يكون به أشدَّ منه حيرةً و تفككاً و ضياعاً).
رسالة فى الطريق إلى ثقافتنا، ص157ـ158