وكأنما للبحر يوم صفائهِ **صوت كصوت البلبل المتغرِّدِ
وكأنما النسمات منه إذا صفا **جاءتْ بعطر المربع المتورِّدِ
والشمس لما صافحته بدا له**برقٌ كبرقِ قلائدٍ من عسجدِ
وحبائكُ الأمواج مثل سبائكٍ ** تسبي عيون الرامق المترصِّد
وله إذا ما الريح هزَّت موجه** صوتٌ كزمزمةِ السَّحاب الْمُرْعِدِ
أمواجه تغدو تروح كأنَّها ** في أمرها كالحائر المتردِّدِ
ولقد ركبتُ البحر يصرخُ موجُهُ** ويثور مثل الثائر المتمرِّدِ
فجعلتُ أستلُّ الشراعَ كأنَّه **لـمَّا بدا في الجو نصلُ مهنَّدِ
يهتزُّ حولي حبلُه وكأنّهُ** طيفٌ بدا ما بيني أمسي أو غدِي
فإذا انْثنى نحو الأمام رأيتَني ** نحو الأمام أكادُ أبلغ مقصدي
وإذا ارتَمى للخلف أرجع مثله ** في عاصف النوء الأتيِّ الأربَدِ
لكنَّ لي مهما تقهقر أو مضى ** مجدافيَ البتَّار يصرخ في يدي
فيعود نحوي ذا الشراع مداعبًا ** وجهي بمسحٍ ناعم متودِّدِ
ولقد تركت له العنان فلم يزل **يعدو على الأمواج عدو الأجرَدِ
فيروح ناحيةَ اليمين وتـارةً نـحو الشِّمال وتـارةً لا يـهتدِي!
حتى تبدَّت للعيون جزيرةٌ **خضراءُ وارفةٌ بنبتٍ أغيدِ
فهبطتها والغيث باكر أرضها **فجرتْ جداولُها بماءٍ أبردِ
وكأنها مثل الغصون تفرقَّتْ ** وتجمَّعتْ مثل الأصابع في اليدِ
وتتابعت تلك الجداول فالتقت ** نهرا يسيل بعذبه المتهدهدِ
والرَّوضُ ألوانٌ لغرس أغيدِ** والأفق ملآنٌ بغيث مُسْعِدِ
والأفق بان القوس فيه كأنَّه**قوس الكميِّ الباسل المتقلِّد
فبدا بألوان الطيوف ملوَّنا ** طربًا أمام العارضِ المتلبِّدِ
حتى إذا ما الصفو عاد رأيته ** يمضي كما سرب القطا المتبدِّدِ