بسم الله الرحمن الرحيم
الأميّ والأميّون
د. ضياء الدين الجماس
الأميُّ في اللغة اسم منسوب إلى الأمّ أو الأمّة . فما المعاني المستفادة من هذه النسبة ؟
1- نسبة الأميّ إلى الأمّ تفيدنا في معان منها :
- الأمّ هي الأصل ، وبهذا المعنى يكون معنى الأميّ هو الأصولي الذي يرجع بالفروع إلى أصولها ليعرف حقيقتها، وهذا المعنى يشير إلى منهجية الأميّ في أصول التفكير وتقصي المعارف والعلوم.
- الأمّ هي الوالدة لولدها المنسوب لها وهو المولود على الفطرة النقية من الخبائث فيخرج بنفس كالصفحة البيضاء لا يعلم شيئاً ولكنه مؤهل للتعلم (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )
ومن هذا المعنى يكون المعنى اللغوي العام بأنَّ الأميَّ هو الفطريّ الذي لا يعلم شيئاً عموماً . وقد يكون أميَّا بشيء مخصوص كالأميَّ الذي لا يعلم القراءة والكتابة أو الأميَّ في الكتاب المقدس ، ولذلك اعتبر الفقهاء من لا يحسن قراءة الفاتحة أمياً بقراءة القرآن الكريم.. وتحت هذا المعنى يفهم قول الله تعالى ( ومنهم أميّون لا يعلمون الكتاب إلا أماني) . وهذا باب واسع في تعريف الأميّة ، فمن كان أميَّاً بشيء ما فهو جاهل بهذا الشيء . ومن هذا المنطلق قد يكون الشخص عالماً بشيء وأميَّا بشيء آخر ( جاهلاً به) وعلى هذا فقد يكون الطبيب عالماً في طبه لكنه أميٌّ في علوم الهندسة أو الفلك...
2- نسبة الأميّ إلى الأمة تفيد في تحصيل معان أخرى
- الأميّ من كان همه صلاح أمته وتوحيدها لتكون أمَّة موحدة تجتمع على علم أصولي موحد واحد ينفعها في الدارين.
- الأميَّ في عرف الكتابيين كل من لم يكن له كتاب مقدس يعلمه التعاليم الإلهية المقدسة ولذلك كان اليهود والنصارى يطلقون على كل من لم يؤمن بكتابهم أميّ (غوييم) أي الجاهل الذي لا يعلم ولا يؤمن بالتوراة والإنجيل. وبهذا يكون العرب الذين لم يتنصروا أو يتهودوا من الأميين في نظهرهم. ومن هنا نفهم من سياق الآيات القرآنية أن المقصود بالأميين في بعض الآيات الكريمة هم العرب ، وفي بعضها الآخر هم الكتابيون الجاهلون بكتابهم.
- الأميُّ هو الإمام الذي يصلح لإمامة الأمة التي تأتم به من البشر قاطبة من عرب ومن عجم.
الخلاصة :
من هذه المعاني المستنبطة من اللغة العربية والقرآن الكريم يمكن فهم معنى عبارة (النبيّ الأميّ) في القرآن الكريم أي هو إمام الرسل المصطفى بمعرفته الربانية الفائقة التي جناها من ربه الذي فتح بصيرته على أبواب العلوم الغيبية والمشهودة وقد اصفاه على علمه وأخلاقه المثالية ليكون إماماً للناس ولكنه اصطفاه ممن لم يقرأ من الكتب والصحف المكتوبة ولم يكتب أي حرف قبل البعثة كشهادة له على مصدر علومه الوحيد وهو الوحي الإلهي فقط ( إن هو إلا وحي يوحى). (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ).
وأما معنى كلمة الأميين في القرآن الكريم فالراجح أن معناها هم غير الكتابيين من البشر عموماً وخاصة العرب. فقد بعث الله تعالى نبيَّهُ عربياً منهم ليكون إماماً لهم وللعالمين جميعاً .
والله أعلم.
من هذه المعاني الواضحة يمكن فهم جميع الآيات القرآنية الكريمة ورَدِّ الشبهات المتعلقة حول مفهوم كلمة الأميّ والأميين وعلاقتها بأميّة الرسول فيما يتعلق بالقراءة والكتابة قبل البعثة وبعدها.
فالنبي عليه الصلاة والسلام أميّ بالقراءة والكتابة من جهة المفهوم اللغوي المجازي المحدود قبل البعثة قولاً واحداً بشهادة الله تعالى بذلك في كتابه العزيز تبرئة له من جني علومه من الكتب المقدسة السابقة ، ولكن ذلك لا يعني أنه لم يكن عالماً بالعلوم الإلهية والأخلاق التطبيقية الإنسانية المثالية التي بسببها كان اصفاؤه من الله تعالى متفوقاً فيها على سائر البشر صلى الله عليه وسلم.
والحمد لله رب العالمين