المدلل
قصة قصيرة للفتيان
بقلم الكاتب القاص
تيسير الغصين
ـــــــــــــــــ
يلقبونني بالمدلل، ويصفون بُنيتي بالغضة الطرية كنبات الظل لا يقوى على الصمود في وجه الشمس، ولست أدّعي عكس ذلك، لكنني أقول أن لا ذنب لي، هكذا ولدتُ في محيطٍ مُترَفٍ وأسرة غنية وفّرَت لي كل ما أحتاج وأكثر، يخافون عليّ من نسمةِ الهواء الدافئة وذرات الغبار، لا تنزل إلى الشارع، لا تلعب مع الأطفال في الحارة، لا تفعل كذا وافعل كذا، لا تَقُل كذا بل قل كذا!!
- هل كنتُ إلا طفلاً كنظرائي من الأطفال!!
- أنت طفلٌ حقاً لكنك من نوع آخر.
- وهل ينقسم الأطفال كالسيارات إلى أنواع ؟!
- لا تجادل، نحن أدرى بما يلائمك، عندما تكبر يمكنك أن تختار بنفسك ما تريد، أما الآن فأنت بحاجة إليّ ولأبيك .. فقط نفذ ما نقوله لك، فإذا التزمت بكلامنا ستصل إلى بر الأمان دون آية أضرار.
- مَللتُ هذا السجن يا أمي، أريد أن أخرج وألعب .. أركض حافياً، أصنعُ كرةً من القماشِ أركلها بقدمي، أشارك الأطفال في الحارة ألعابهم المسلية، أكون مرة في دور العسكري وأخرى مع الحرامية ..
- ماذا تقول ؟! .. أحمد الله أن والدك لم يصل من عمله بعد، ولولا ذلك لعنَّفَكَ بقسوة.
- يا أمي أنا لم أرتكب ذنباً يستدعي توبيخي!! كل ما أريده أن أعيش طفولتي ككل الأولاد في حارتنا ..
- وهل يعني ذلك النزول إلى الشارع بقذارته، لتلعب دور الحرامي مع أطفالٍ أوساخ !!
- إنها مجرد لعبة نتسلى بها !!
- أنت تُكثرُ جدالي!! أوفٍ لكَ من طفلٍ ثرثار، كم كنتُ مخطئةً عندما وافقتُ والدك على شراء هذا المنزل في حي متواضع كهذا!! لكم نصحتني جدتك بالسكنى في حي يتناسب ووضعنا الاجتماعي المرموق ..
- هذا الأمر لا يعنيني يا أمي !! كل ما أريده هو اللعب بحرية كالعصافير تنطلق في أي اتجاه تريد ..
- وأنا لا أمنعك من اللعب، فتلك غرفتك ملأى بعشرات اللعب غالية الثمن، يمكنك قضاء ساعاتٍ طويلةٍ معها دون ملل، إني أعجب حقاً لتذمرك !! هل يملك طفلٌ واحدٌ ممن تريد اللعب معهم لعبة واحدة مما لديك ؟!
أنا واثقة أن لعبة واحدة من تلك الألعاب، أمنية يحلم بها مجرد حُلم أي طفل في هذه الحارة !!
- اعلم ذلك، لكن هذا ليس كل شيء، الأهم هو إحساسي كند لأي طفل آخر .. أن أكون مثلهم جزءاً منهم لا أقل ولا أكثر ..!!
رنّ جرسُ البابِ .. ها قد عاد والدي من عمله .. أسرعتُ إليه .. لعلي أجدُ الإجابةَ عنده، عساه يفتحُ ليَّ الأبوابَ والنوافذَ، وحتى الجدران؛ لأطير كالعصافيرِ .. أحلقُ عالياً بحريةٍ، ثم أحطُ فوق شجرةٍ، أو على شاطئِ بحرٍ ، أو أركضُ حافياً .. أرْكُلُ كرةَ القماشِ بقدمي بعيداً عن جدرانِ غُرفتي وألعابها باهظة الثمن !! فقط يكون الأولاد من حولي ..!!
- انظر يا طفليَّ الحبيب (قال والدي) وتابع: ماذا أحضرتُ لكَ معي هذه المرة؟ دُبَّاً كبيرًا، يرقصُ ويغني بلمسةِ زرٍ واحدة.