تفسير الآية الشريفة (والشعراء يتبعهم الغاوون) والرد على المتنطعين
.................................................. .....................
طال الكلام من بعض الناس ..ومنهم من اعتبر أن الشعر بجميعه هو جعجعة ومنهي عنه واستدلوا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
(لإن يمتلأ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلأ شعرا) والاية الشريفة ... (والشعراء يتبعهم الغاوون)
نعم إن هذا الحديث أتى للأطلاق ولم يقيده عليه أفضل الصلاة والسلام ...لكن .السنة والشريعة قد جائتنا بالتواتر ..وهناك سنن تقريرية وهي ما أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم ..إذ كان الشعر في زمنه في ذروته وكان الشاعر لا يعلا عليه بل أتخذ الرسول صل الله عليه وسلم شاعرا له وهو (حسان ابن ثابت) ولا نريد أن نسرد الشعر والشعراء في زمان نبينا فمن أراد الحق فهو واضح بين أما من يجلس خلف شبكات العنكبوت ويحرم ويطعن ويقدح بهواه فهذا أضل من حمار أهله وهو لو كان قوالا للشعر لما ذمه..ولو أراد الحق لهداه الله اليه ..قال تعالى (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم )..وتعلمنا من الشريعة أن الحلال بين والحرام بين ونهتنا الشريعة من المتشابهات ..والشعر حرام إذا كان ماجن وأذا كان فيه كقر وشرك ودعوة لقتل أو لتفريق بين الناس فهذا لا خلاف عليه بين العامي فضلا عن العالم ..وهناك أمور حرمها الشرع في الشعر وهي لحفظ الشريعة الغراء وهو أن ليس في الدين مجاز أو كناية فلا يقال في الشعر الكفر أو الفجور والخنا وهو يقول عنه أنه مجازا أو كناية ..فهناك أمور محظورة وخطوط حمراء قد حددها الشارع ..وخلاصة القول (إن الحلال ما يطمئن به القلب والحرام ما يضيق به القلب).وأنا لا أريد أن آتي بسنن وأحاديث أو أقوال الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم لأن هذا لا تجمعه صفحة أو صفحتان بل مجلدات فأحببت أن أختصرها بذكر تفسير آية الشعراء ومن لم يرضى بكلام وتفسير العلماء فهو على شفا جرف هار...................
وهذه تفاسير لآية الشعراء جمعتها من مصادر التلقي وأمهات الكتب سائلا الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم
........
أي: الشعراء يتبعهم أهل الغي، لا أهل الرشد.
قال ابن عباس: الغاوون: رواه الشعر. وقال مجاهد، وقتادة هم الشياطين. وقال عكرمة، هم عصاة الجن. وقيل: هم السفهاء. وعن ابن عباس: أنها نزلت في رجلين: أحدهما من الأنصار، والآخر من غيرهم، تهاجيا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه. أي: سفهاء. وكذلك
قال الضحاك. وقيل: الغاوون: ضلال الجن والإنس. وقال ابن زيد: الغاوون: المشركون، والشعراء هنا: شعراء، لأن الغاوون لا يتبع إلا غاوياً مثله. قال الطبري: هم شعراء المشركين، يتبعهم غواة الناس، ومردة الشياطين، وعصاة الجن. ....(كتاب الهداية إلى بلوغ النهاية)ج 8 ص 5862
.................................................. .........
ولما كان بعض المشركين يقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - شاعر .. بيّن سبحانه حال الشعراء، ومنافاة ما هم عليه لما عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: {وَالشُّعَرَاءُ}؛ أي: شعراء الكفار الذين يهجون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ويعيبون الإِسلام، ويطعنون فيه منهم عبد الله بن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب ومسافع بن عبد مناف وأبو عزة عمرو بن عبد الله وأمية بن أبي الصلت وأبو سفيان بن حرب الأموي {يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ}؛ أي: يتبعهم سفهاء العرب، حيث كانوا (1) يحفظون هجاءهم للمسلمين، وينشدونه في المجالس والمجامع، ويضحكون منه؛ أي: إن القرآن ليس بشعر، ولا محمد بشاعر؛ لأن الشعراء يتبعهم الضالون الحائدون عن السنن القويم، والسفهاء المائلون إلى الفساد الذي يجر إلى الهلاك، وأتباع محمد ليسوا كذلك، بل هم الراشدون المراجيح الرزان والساجدون الراكعون الباكون الزاهدون.
وكان (1) الشعراء يتكلمون بالكذب والباطل، ويقولون: نحن نقول مثل ما قال محمد، وقالوا: الشعر، واجتمع إليهم غواة قومهم يستمعون أشعارهم حين يهجون محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، وكانون يروون عنهم قولهم، فذلك قوله: {يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} فهم الرواة الذين يروون هجاء المسلمين. وقيل: {الْغَاوُونَ} هم الشياطين. وقيل: هم السفهاء الضالون.
والشعراء (2) عام يدخل فيه كل شاعر، والمذموم من يهجو ويمدح شهوة محرمة، ويقذف المحصنات، ويقول الزور وما لا يسوغ شرعًا. واعلم أن الشعر في نفسه ينقسم إلى أقسام، فقد يبلغ ما لا خير فيه منه إلى قسم الحرام، وقد يبلغ ما فيه خير منه إلى قسم الواجب.
قال في "الكواشي": لا شك أن الشعر كلام حسنه كحسنه، وقبيحه كقبيحه، ولا بأس به إذا كان توحيدًا، أو علمًا ينتفع به، أو حثًا على مكارم الأخلاق من جهاد وعبادة وحفظ فرج وغض بصر وصلة رحم وشبهه، أو مدحًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - والصالحين بما هو الحق، انتهى.
وقد وردت أحاديث في ذمه وذم الاستكثار منه، ووردت أحاديث أخر في إباحته وتجويزه:
فمنها: ما روى مسلم عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقال: "هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء"؟ قلت: نعم. قال: "هيه". فانشدته بيتًا، فقال: "هيه"، ثم أنشدته بيتًا آخر، فقال: "هيه"، حتى أنشدته مئة بيت. وفي هذا دليل على العناية بحفظ الأشعار إذا تضمنت الحكم والمعاني المستحسنة شرعًا وطبعًا. وإنما استكثر النبي - صلى الله عليه وسلم - من شعر أمية؛ لأنه كان حكيمًا، ألا ترى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم" حين سمع قوله:
(تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن)ج20ص348
.................................................. ..
اعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا قَالُوا: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنَزَّلُ بِالْقُرْآنِ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا أَنَّهُمْ يَنْزِلُونَ بِالْكَهَانَةِ عَلَى الْكَهَنَةِ وَبِالشِّعْرِ عَلَى الشُّعَرَاءِ؟ ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ فَرَّقَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الكهنة، فذكر هاهنا مَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبَيْنَ الشُّعَرَاءِ، وَذَلِكَ هُوَ أَنَّ الشُّعَرَاءَ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَيِ الضَّالُّونَ، ثُمَّ بَيَّنَ تِلْكَ الْغِوَايَةَ بِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الطُّرُقُ الْمُخْتَلِفَةُ كَقَوْلِكَ أَنَا فِي وَادٍ وَأَنْتَ فِي وَادٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَمْدَحُونَ الشَّيْءَ بَعْدَ أَنْ ذَمُّوهُ وَبِالْعَكْسِ، وَقَدْ يُعَظِّمُونَهُ بَعْدَ أَنِ اسْتَحْقَرُوهُ وَبِالْعَكْسِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَطْلُبُونَ بِشِعْرِهِمُ الْحَقَّ وَلَا الصِّدْقَ بِخِلَافِ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ إِلَى آخِرِهِ بَقِيَ عَلَى طَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالتَّرْغِيبُ فِي الْآخِرَةِ وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الدنيا الثاني: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ عَلَامَاتِ الْغُوَاةِ، فَإِنَّهُمْ يُرَغِّبُونَ فِي الْجُودِ وَيَرْغَبُونَ عَنْهُ، وَيُنَفِّرُونَ عَنِ الْبُخْلِ وَيُصِرُّونَ عَلَيْهِ، وَيَقْدَحُونَ فِي النَّاسِ بِأَدْنَى شَيْءٍ صَدَرَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَسْلَافِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَا يَرْتَكِبُونَ إِلَّا الْفَوَاحِشَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْغِوَايَةِ وَالضَّلَالَةِ.
وَأَمَّا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ: فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ [الشعراء: 213] ثُمَّ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ حَيْثُ قَالَ اللَّه تَعَالَى له: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214] وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ طَرِيقَةِ الشُّعَرَاءِ، فَقَدْ ظهر بهذا الذي بيناه أن حلال مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يُشْبِهُ حَالَ الشُّعَرَاءِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ الشُّعَرَاءَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ بَيَانًا لِهَذَا الْفَرْقِ اسْتَثْنَى عَنْهُمُ الْمَوْصُوفِينَ بِأُمُورٍ أَرْبَعَةٍ: أَحَدُهَا: الْإِيمَانُ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا، وَثَانِيهَا: الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ،
(تفسير الرازي)ج24ص538
.................................................. ..............................................
{والشعراء يتبعهم الغاوون} يعني: شعراء الكفَّار كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتَّبعهم الكفَّار
{أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } في كلِّ لغوٍ يخوضون يمدحون بباطلٍ ويشتمون بباطلٍ ثمَّ استثنى شعراء المؤمنين فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
(الوجيز للواحدي)ج1ص789
.................................................. ...................
والشعراء يتبعهم أهل الغيّ لا أهل الرشاد والهدى عن عكرمة، عن ابن عباس: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) قال: الرواة.
وقال آخرون: هم الشياطين.
عن عكرمة، في قوله: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) قال: عصاة الجنّ.
وقال آخرون: هم السفهاء، وقالوا: نزل ذلك في رجلين تهاجيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(تفسير الطبري)ج19ص415
.................................................. ..................
وقوله تعالى: {والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} قال ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْكُفَّارَ يَتْبَعُهُمْ ضُلَّالُ الْإِنْسِ والجن؛ وكذا قال مجاهد رحمة الله، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ الشَّاعِرَانِ يَتَهَاجَيَانِ فَيَنْتَصِرُ لِهَذَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، وَلِهَذَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ،، فأنزل الله تعالى: {والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون}. وقال الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرْجِ إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا الشَّيْطَانَ - أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ -، لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خير له من أن يمتلئ شعراً» (أخرجه الإمام أحمد في المسند). وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} قال ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي كُلِّ فَنٍّ مِنَ الْكَلَامِ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: قَدْ وَاللَّهِ رَأَيْنَا أَوْدِيَتَهُمُ الَّتِي يخضون فيها مرة في شتيمة فلان ومرة في مديحة فُلَانٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الشَّاعِرُ يَمْدَحُ قَوْمًا بِبَاطِلٍ ويذم قوماً بباطل، وقوله تعالى: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ} قال ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَحَدُهُمَا مِنَ الْأَنْصَارِ وَالْآخَرُ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَإِنَّهُمَا تَهَاجَيَا فَكَانَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غُوَاةٌ مِنْ قَوْمِهِ وَهُمُ السُّفَهَاءُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ}، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَكْثَرُ قَوْلِهِمْ يَكْذِبُونَ فِيهِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِنَّ الشُّعَرَاءَ يَتَبَجَّحُونَ بِأَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ لَمْ تَصْدُرْ مِنْهُمْ وَلَا عَنْهُمْ فَيَتَكَثَّرُونَ بِمَا لَيْسَ لَهُمْ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا يَرِيهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا»، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه هذا القرآن ليس بكاهن ولا شاعر، لِأَنَّ حَالَهُ مُنَافٍ لِحَالِهِمْ مِنْ وُجُوهٍ ظَاهِرَةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ}، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَبِّ الْعَالَمِينَ} وهكذا قال ههنا: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}، إِلَى أَنْ قَالَ: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السمع لمعزلون}، إِلَى أَنْ قَالَ: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ؟ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ *
(تفسير ابن كثير)ج2ص662
جمع وتحرير محمد الكركوكي
.................................................. .....................
طال الكلام من بعض الناس ..ومنهم من اعتبر أن الشعر بجميعه هو جعجعة ومنهي عنه واستدلوا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
(لإن يمتلأ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلأ شعرا) والاية الشريفة ... (والشعراء يتبعهم الغاوون)
نعم إن هذا الحديث أتى للأطلاق ولم يقيده عليه أفضل الصلاة والسلام ...لكن .السنة والشريعة قد جائتنا بالتواتر ..وهناك سنن تقريرية وهي ما أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم ..إذ كان الشعر في زمنه في ذروته وكان الشاعر لا يعلا عليه بل أتخذ الرسول صل الله عليه وسلم شاعرا له وهو (حسان ابن ثابت) ولا نريد أن نسرد الشعر والشعراء في زمان نبينا فمن أراد الحق فهو واضح بين أما من يجلس خلف شبكات العنكبوت ويحرم ويطعن ويقدح بهواه فهذا أضل من حمار أهله وهو لو كان قوالا للشعر لما ذمه..ولو أراد الحق لهداه الله اليه ..قال تعالى (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم )..وتعلمنا من الشريعة أن الحلال بين والحرام بين ونهتنا الشريعة من المتشابهات ..والشعر حرام إذا كان ماجن وأذا كان فيه كقر وشرك ودعوة لقتل أو لتفريق بين الناس فهذا لا خلاف عليه بين العامي فضلا عن العالم ..وهناك أمور حرمها الشرع في الشعر وهي لحفظ الشريعة الغراء وهو أن ليس في الدين مجاز أو كناية فلا يقال في الشعر الكفر أو الفجور والخنا وهو يقول عنه أنه مجازا أو كناية ..فهناك أمور محظورة وخطوط حمراء قد حددها الشارع ..وخلاصة القول (إن الحلال ما يطمئن به القلب والحرام ما يضيق به القلب).وأنا لا أريد أن آتي بسنن وأحاديث أو أقوال الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم لأن هذا لا تجمعه صفحة أو صفحتان بل مجلدات فأحببت أن أختصرها بذكر تفسير آية الشعراء ومن لم يرضى بكلام وتفسير العلماء فهو على شفا جرف هار...................
وهذه تفاسير لآية الشعراء جمعتها من مصادر التلقي وأمهات الكتب سائلا الله أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم
........
أي: الشعراء يتبعهم أهل الغي، لا أهل الرشد.
قال ابن عباس: الغاوون: رواه الشعر. وقال مجاهد، وقتادة هم الشياطين. وقال عكرمة، هم عصاة الجن. وقيل: هم السفهاء. وعن ابن عباس: أنها نزلت في رجلين: أحدهما من الأنصار، والآخر من غيرهم، تهاجيا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه. أي: سفهاء. وكذلك
قال الضحاك. وقيل: الغاوون: ضلال الجن والإنس. وقال ابن زيد: الغاوون: المشركون، والشعراء هنا: شعراء، لأن الغاوون لا يتبع إلا غاوياً مثله. قال الطبري: هم شعراء المشركين، يتبعهم غواة الناس، ومردة الشياطين، وعصاة الجن. ....(كتاب الهداية إلى بلوغ النهاية)ج 8 ص 5862
.................................................. .........
ولما كان بعض المشركين يقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - شاعر .. بيّن سبحانه حال الشعراء، ومنافاة ما هم عليه لما عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: {وَالشُّعَرَاءُ}؛ أي: شعراء الكفار الذين يهجون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ويعيبون الإِسلام، ويطعنون فيه منهم عبد الله بن الزبعري وهبيرة بن أبي وهب ومسافع بن عبد مناف وأبو عزة عمرو بن عبد الله وأمية بن أبي الصلت وأبو سفيان بن حرب الأموي {يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ}؛ أي: يتبعهم سفهاء العرب، حيث كانوا (1) يحفظون هجاءهم للمسلمين، وينشدونه في المجالس والمجامع، ويضحكون منه؛ أي: إن القرآن ليس بشعر، ولا محمد بشاعر؛ لأن الشعراء يتبعهم الضالون الحائدون عن السنن القويم، والسفهاء المائلون إلى الفساد الذي يجر إلى الهلاك، وأتباع محمد ليسوا كذلك، بل هم الراشدون المراجيح الرزان والساجدون الراكعون الباكون الزاهدون.
وكان (1) الشعراء يتكلمون بالكذب والباطل، ويقولون: نحن نقول مثل ما قال محمد، وقالوا: الشعر، واجتمع إليهم غواة قومهم يستمعون أشعارهم حين يهجون محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، وكانون يروون عنهم قولهم، فذلك قوله: {يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} فهم الرواة الذين يروون هجاء المسلمين. وقيل: {الْغَاوُونَ} هم الشياطين. وقيل: هم السفهاء الضالون.
والشعراء (2) عام يدخل فيه كل شاعر، والمذموم من يهجو ويمدح شهوة محرمة، ويقذف المحصنات، ويقول الزور وما لا يسوغ شرعًا. واعلم أن الشعر في نفسه ينقسم إلى أقسام، فقد يبلغ ما لا خير فيه منه إلى قسم الحرام، وقد يبلغ ما فيه خير منه إلى قسم الواجب.
قال في "الكواشي": لا شك أن الشعر كلام حسنه كحسنه، وقبيحه كقبيحه، ولا بأس به إذا كان توحيدًا، أو علمًا ينتفع به، أو حثًا على مكارم الأخلاق من جهاد وعبادة وحفظ فرج وغض بصر وصلة رحم وشبهه، أو مدحًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - والصالحين بما هو الحق، انتهى.
وقد وردت أحاديث في ذمه وذم الاستكثار منه، ووردت أحاديث أخر في إباحته وتجويزه:
فمنها: ما روى مسلم عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقال: "هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء"؟ قلت: نعم. قال: "هيه". فانشدته بيتًا، فقال: "هيه"، ثم أنشدته بيتًا آخر، فقال: "هيه"، حتى أنشدته مئة بيت. وفي هذا دليل على العناية بحفظ الأشعار إذا تضمنت الحكم والمعاني المستحسنة شرعًا وطبعًا. وإنما استكثر النبي - صلى الله عليه وسلم - من شعر أمية؛ لأنه كان حكيمًا، ألا ترى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم" حين سمع قوله:
(تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن)ج20ص348
.................................................. ..
اعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا قَالُوا: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنَزَّلُ بِالْقُرْآنِ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا أَنَّهُمْ يَنْزِلُونَ بِالْكَهَانَةِ عَلَى الْكَهَنَةِ وَبِالشِّعْرِ عَلَى الشُّعَرَاءِ؟ ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ فَرَّقَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الكهنة، فذكر هاهنا مَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبَيْنَ الشُّعَرَاءِ، وَذَلِكَ هُوَ أَنَّ الشُّعَرَاءَ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَيِ الضَّالُّونَ، ثُمَّ بَيَّنَ تِلْكَ الْغِوَايَةَ بِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الطُّرُقُ الْمُخْتَلِفَةُ كَقَوْلِكَ أَنَا فِي وَادٍ وَأَنْتَ فِي وَادٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَمْدَحُونَ الشَّيْءَ بَعْدَ أَنْ ذَمُّوهُ وَبِالْعَكْسِ، وَقَدْ يُعَظِّمُونَهُ بَعْدَ أَنِ اسْتَحْقَرُوهُ وَبِالْعَكْسِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَطْلُبُونَ بِشِعْرِهِمُ الْحَقَّ وَلَا الصِّدْقَ بِخِلَافِ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ إِلَى آخِرِهِ بَقِيَ عَلَى طَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالتَّرْغِيبُ فِي الْآخِرَةِ وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الدنيا الثاني: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ عَلَامَاتِ الْغُوَاةِ، فَإِنَّهُمْ يُرَغِّبُونَ فِي الْجُودِ وَيَرْغَبُونَ عَنْهُ، وَيُنَفِّرُونَ عَنِ الْبُخْلِ وَيُصِرُّونَ عَلَيْهِ، وَيَقْدَحُونَ فِي النَّاسِ بِأَدْنَى شَيْءٍ صَدَرَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَسْلَافِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَا يَرْتَكِبُونَ إِلَّا الْفَوَاحِشَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْغِوَايَةِ وَالضَّلَالَةِ.
وَأَمَّا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ: فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ [الشعراء: 213] ثُمَّ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ حَيْثُ قَالَ اللَّه تَعَالَى له: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214] وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ طَرِيقَةِ الشُّعَرَاءِ، فَقَدْ ظهر بهذا الذي بيناه أن حلال مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يُشْبِهُ حَالَ الشُّعَرَاءِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ الشُّعَرَاءَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ بَيَانًا لِهَذَا الْفَرْقِ اسْتَثْنَى عَنْهُمُ الْمَوْصُوفِينَ بِأُمُورٍ أَرْبَعَةٍ: أَحَدُهَا: الْإِيمَانُ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا، وَثَانِيهَا: الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ،
(تفسير الرازي)ج24ص538
.................................................. ..............................................
{والشعراء يتبعهم الغاوون} يعني: شعراء الكفَّار كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتَّبعهم الكفَّار
{أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } في كلِّ لغوٍ يخوضون يمدحون بباطلٍ ويشتمون بباطلٍ ثمَّ استثنى شعراء المؤمنين فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
(الوجيز للواحدي)ج1ص789
.................................................. ...................
والشعراء يتبعهم أهل الغيّ لا أهل الرشاد والهدى عن عكرمة، عن ابن عباس: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) قال: الرواة.
وقال آخرون: هم الشياطين.
عن عكرمة، في قوله: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) قال: عصاة الجنّ.
وقال آخرون: هم السفهاء، وقالوا: نزل ذلك في رجلين تهاجيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(تفسير الطبري)ج19ص415
.................................................. ..................
وقوله تعالى: {والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} قال ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْكُفَّارَ يَتْبَعُهُمْ ضُلَّالُ الْإِنْسِ والجن؛ وكذا قال مجاهد رحمة الله، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ الشَّاعِرَانِ يَتَهَاجَيَانِ فَيَنْتَصِرُ لِهَذَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، وَلِهَذَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ،، فأنزل الله تعالى: {والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون}. وقال الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرْجِ إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا الشَّيْطَانَ - أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ -، لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خير له من أن يمتلئ شعراً» (أخرجه الإمام أحمد في المسند). وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} قال ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي كُلِّ فَنٍّ مِنَ الْكَلَامِ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: قَدْ وَاللَّهِ رَأَيْنَا أَوْدِيَتَهُمُ الَّتِي يخضون فيها مرة في شتيمة فلان ومرة في مديحة فُلَانٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الشَّاعِرُ يَمْدَحُ قَوْمًا بِبَاطِلٍ ويذم قوماً بباطل، وقوله تعالى: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ} قال ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَحَدُهُمَا مِنَ الْأَنْصَارِ وَالْآخَرُ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَإِنَّهُمَا تَهَاجَيَا فَكَانَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غُوَاةٌ مِنْ قَوْمِهِ وَهُمُ السُّفَهَاءُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ}، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَكْثَرُ قَوْلِهِمْ يَكْذِبُونَ فِيهِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِنَّ الشُّعَرَاءَ يَتَبَجَّحُونَ بِأَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ لَمْ تَصْدُرْ مِنْهُمْ وَلَا عَنْهُمْ فَيَتَكَثَّرُونَ بِمَا لَيْسَ لَهُمْ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا يَرِيهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا»، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه هذا القرآن ليس بكاهن ولا شاعر، لِأَنَّ حَالَهُ مُنَافٍ لِحَالِهِمْ مِنْ وُجُوهٍ ظَاهِرَةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ}، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَبِّ الْعَالَمِينَ} وهكذا قال ههنا: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}، إِلَى أَنْ قَالَ: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السمع لمعزلون}، إِلَى أَنْ قَالَ: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ؟ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ *
(تفسير ابن كثير)ج2ص662
جمع وتحرير محمد أحمد الجبوري