مرور أوّل بهذه الباذخة المعاني
وستكون لي عودة لأتمعّن صورها وتفاصيلها
دمت نبع إبداع أستاذنا
وخز النوى» بقلم خالد عباس بلغيث » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى خطبة مكانة الصحابة وفضائلهم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نسائم الإيحاء» بقلم عدنان عبد النبي البلداوي » آخر مشاركة: عدنان عبد النبي البلداوي »»»»» الحافلة» بقلم تيسير الغصين » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» تضامن» بقلم ناظم العربي » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» قصائد بالعامية» بقلم سليمان أحمد عبد العال » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» جمالُ الحبيب» بقلم سليمان أحمد عبد العال » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» شوق مُمَرّد ..» بقلم ياسر سالم » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» ( و كشـفت عن ساقيها )» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» هل الرسول(ص) حى ؟» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»»
مرور أوّل بهذه الباذخة المعاني
وستكون لي عودة لأتمعّن صورها وتفاصيلها
دمت نبع إبداع أستاذنا
في كلّ قصيدة لأستاذنا الشّاعر د. مختار محرّم أجدني أمام لوحة جميلة تتشابك صورها معًا لتنقلنا عبرها في رحلة يطيب للقلب والذّهن التنقّل في محطّاتها.
ومنذ عنوان القصيدة " خطوات الرّجوع" نجده يثير فُضولنا للمتابعة فهو يخطو نحو الرّجوع لكنّنا لا نعرف بغيته ومقصده ومن طبع الإنسان أن يغريه المبهم بالولوج إليه ليرضي فضوله.
ثمّ ننتقل إلى مطلع القصيدة حيث يقول:
لِـعَينيكِ مَـا أَلقَى مِن الوَجدِ وَالوَجَعْ
وَحُـزنِي الذِي لَم يُبْقِ لِلصَبرِ مُتَّسعْ
وهنا نراه يخاطب محبوبة واستعمال أسلوب الحوار دائما ما يلفت انتباه المتلقّي ويحفّزه على المتابعة فيقول لمحبوبته أنّه يعاني أوجاع وألام وحرقة الحبّ وأحزانه لأجلِ عينيها وهذا إن دلّ فهو يدلّ على ما للعينين من تأثير وسحر ولغة تعجز الأبجديّات عن التّعبير كما تفعله، فلغة العيون وإيماءاتها وخاصّة عندما تكون بين عاشقين يكون لها مفعول السّحر على قلب ووجدان العاشق فيتحمّل في سبيلها المشاقّ كلّها.
واختيار العين السّاكنة كقافية إنّما أتى ليعمّق مدلول الوجد والوجع الذي يعاني منه الشّاعر، كما أنّ التّصريع في المطلع زاد من بهائه وروعته.
وَفُنْجَانُكِ المَقرُوءُ فِي صَمتِ أَحرُفِي
وَسِـرِّي الذِي أَفشَتْ حِكَايَاتِهِ الرُّقَع
وهنا ينتقل بنا الشّاعر إلى معالم أخرى من حكاية عشقه وتفاصيلها وذلك الفنجان المقروء الذي يذكّرنا بقصيدة قارئة الفنجان وبطريق العشق الملأى بالصّعاب والمجهول والتي يمشي بها العاشق كالمسافر في طريق تملؤها الحفر والأخطار ولكنّ فنجانها قد قُرِئَ في صَمتِ أحرف الشّاعر أي في قَصيدته التي صمتت من وطأة العشق وتباريحه على روحه وهنا يكون دربه ما بين كلماته التي تبوح بآلام عشقه ووجده وأسرارها التي أفشيت من تلك الرّقع التي غطّى بها فجوات القصيدة وجراحها والتي تسبّب بها العشق.
ودعنا نتمعّن في هذا التّشبيه المتشابك لتأثير العشق على الشّاعر فالقصيدة هي روح الشّاعر وبما أنّ تباريح العشق هرّأت تلك الرّوح فقد هرّأت قصيدته ونراه يرقع أماكن الاهتراء تلك ورغم وجود الرّقع تتسرّب أسرار عشقه عبر تلك الرّقع من ثوب القصيدة ليعلم بها كلّ من يقرأه.
أيّ خيال هو هذا الذي يتجلّى في هذا البيت وأيّ قدرة على التّصوير يمتلكها شاعرنا.
لِـعَـيـنَـيكِ رُوحٌ كُـلَّـمَـا نَـــامَ حُـزنُـهَـا
تُـلَاحِقُ طَـيفَ الحُبِّ فِي كُلِّ مُرتَفَعْ
وهنا يكمل الشّاعر بتفاصيل حكاية عشقه فعيون محبوبته لها روح وهنا نتخيّل العيون غدت جسدا تنبض فيه الرّوح وروحها مثخنة بالوجد والحزن هي الأخرى فالحبّ متبادل بين الطّرفين وليس من طرف الشّاعر فقط وهذا الحزن والوجد كلّما غفا في روحها تلاحق تلك الرّوح طيف الحبّ باحثة عنه في كلّ مكان مرتفع وكان يمكنه أن يقول في كلّ مكان دون وصف المكان بالمرتفع لكنّ الارتفاع هنا أتى ليبرز مكانة الحبّ لدى الشّاعر فهو لا يتواجد إلّا في المرتفعات لكونه قيمة سامية لا تنحدر ولا تهبط أبدًا. ولنتمعّن عمق هذه الصّورة التي يصف بها الشّاعر روح حبيبته فهي إمّا أن تكون مثقلة بالوجد عندما يغيب عنها من تحبّ أو أن تكون باحثة عن طيف حبّه أينما حلّ وأقام فالرّوح منشغلة بعشقها في جميع الأحوال والأوقات. وقد قوّت الاستعارات هذه الصّورة وزادتها عمقا.
وَآثَـارُ إِنـسَانٍ جَـرِيحِ الـخُطَى مَضَى
كَـمُـتَّـبِـعٍ يَـــروِي حَـمَـاقَـاتِ مُـتَّـبَـع
ويكمل وصف عينيّ محبوبته بأسلوب العطف فلعينيها أيضا آثارُ إنسانٍ جَريح الخُطى وليس الإنسان هنا هو الجَريح بل الخُطى هي الجريحة، وذاك الإنسان ذو الخطوات الجريحة يمضي بدربه مثل متتبّعٍ لشخصٍ ما يروي عنه حماقاته.
ولنتمعّن تركيبة هذا التّشبيه الذي يشبّه به الشّاعر صورة بصورة أخرى في حين أنّ البيت بمجمله يأتي ليصف بُعْدًا آخر من أبعاد عينيّ المحبوبة، وهذا التشعّب في الوصف إنّما يدلّ على مالعينيّ حبيبته من مدلول عميق لديه.
فعينيها نمضي في درب العشق تعاني من جراحه والتي تشبه إنسانا يمضي بدربه بخطًى مجروحة وتخيّل كيف يمضي شخص بخطوات جريحة فهو يمضي ببطء شديد لشدّة تباريح الألم التي تشلّ حركته وذاك هو دأب العاشقة التي تجهد أشواقها وآلامها خطوها في درب عشقها فتجعلها تمرّ بها ببطء شديد، وهذا السّير ببطء مع آلام العشق وتباريحه يشبه بدوره تتبّع شخص لآخر أحمق يروي حماقاته فالأحمق لا يهب متتبّعه سوى الهموم لكونه لا يسمع سوى الحماقات ولكونه مضطرّ لسرد تلك الحماقات عنه وفي الحالتين هو المتضرّر وكذلك متتبّع العشق فهو في القرب يتضرّر وفي البُعد يتضرّر لذا فإنّ روحها المتتبّعة للعشق تتألّم في الحالتين ويثخنها الأسى والوجد.
وَذَاكِــرَةٌ صَـفـرَاءُ شَـاخَـتْ غُـصُـونُها
وَنَـجـمٌ عَـلَى أَطـلَالِ نِـسيَانِهَا وَقَـع
ويكمل الشّاعر وصف عينيّ حبيبته فلها ذاكرة صفراء كشجرة في خريف عمرها شاخت غصونها وتعرّت من كلّ مظاهر الرّبيع والورق الأخضر، وهناك نجمٌ وقع على أطلال نسيان تلك الذّاكرة.
وهنا نلمس التّناقض في مواصفات تلك العينين، فذاكرتها شاخت واصفرّت وغدت مقفرة من معالم الحبّ الذي كانت مسكونة به، أي أنّها رغم كلّ ما كان ورغم بحثها المستمرّ عنه أهملت الحبّ ودفنته في أطلال ذاكرة واهنة ضعيفة تكاد تحتضر لتعلن نهاية ذلك الحبّ.
وكم كان التّشبيه هنا بليغا وعميقا فتشبيه نسيان المحبوبة للحبّ الذي كان بينهما بصورة بهذا التّركيب والعمق إنّما أتى ليصوّر مدى بشاعة ما كان منها حين فارقته ليقاسي الوجد والحرقة وحيدا.
لِـعَـينَيكِ مِــن قَـلـبِي سَـلَامٌ كَـتَبْتُهُ
قَـصَـائِدَ شَـوقٍ بَـحرُهَا مِـنكِ مُـبتَدَعْ
ولنفس العينين الّتين أذاقاه كلّ ذلك الألم يرسل قلبه سلاما كتبه عبر قصائد شوقه إليها والتي ابتدع وابتكر بحرها من وحي تلك المحبوبة ووحي عينيها.
وهنا نرى مدى سموّ ذلك الحبّ الذي رغم ما قاساه من هجر تلك المحبوبة ونسيانها له يبقي ذكراها في قلبه ويحفظ ذلك العشق ويتغنّى به بقصائده التي يستوحيها من تلك المحبوبة التي جرحته.
يُـسَـائِلُ عَــن أَطْـلَالِ أَمْـسٍ مُـهَاجِرٍ
لِأَصـقَاعِ وَصْـلٍ لَـم يَـزُرْنِي وَلَـمْ يَدَعْ
وذاك القلب في قصائده التي يكتبها يُسائِلُ ويستفسر عن آثار الأمس المدبر والذي شهد تفاصيل ذلك العشق الذي برى قلبه ذلك الأمس الذي هاجر إلى أصقاع وصلِ تلك المحبوبة الذي لم يزره يومًا ولم يَدَعه لشأنه بل بقي يسكنه رغمَ الحرمان. فالمحبوبة لم تجد بوصلها وفي نفس الوقت لم تتركه وتقطع حبل رجائه بذلك الوصل فجعلته يتمسّك بها وبعشقها وبعد ذلك هجرته ليكابد الحسرة وحيدا ويعيش بين أطلال حبّه وذكرياته.
وكم كانت صورة ذلك الأمس عميقة حين شبّهه بالمهاجر إلى أطلال خرب ذلك الوصل.
إِلَــيـكِ كِـتَـابَـاتِي.. حُـــرُوفٌ تَـفَـنَّنَتْ
تُـفَـسِّرُ خَــطَّ الـكَفِّ وَالـرَملِ وَالـوَدَعْ
إليك أيّتها المحبوبة أرسل كتاباتي التي هي عبارة عن حروف تفنّنت في تفسير خطوط الكفّ، وقراءة الرّمل، والودع وهو هنا يربط هذه الصّورة بفنجان المحبوبة الذي قرأه سابقا والذي رمز به لمخاطر ومشاقّ رحلة الحبّ ومجاهلها، والمجاهل هنا يقصد بها محاولات تفسيره لما كان من تلك المحبوبة ولسلوكها معه، فكيف تجود من سكنها العشق بالهجر، وكيف تكون نهاية عشق بهذه القوّة أن ينزاح إلى أطلال النّسيان في ذاكرة هرمة.
بِـمَوجِكِ أَسـتَجدِي لِـخَوفِي سَفِينَةً
فَـأَنتِ شَـتَاتِي وَالـمَسَافَاتُ مُجتَمَعْ
وهنا نجد أنفسنا أمام صورة تعمّق التّناقضات التي عاشها الشّاعر في تجربته مع تلك المحبوبة فهو يستجدي موج بحرها المتقلّب ليكون لخوفه سفينةً تحمله إلى برّ الأمان، وهل يأمن الرّاكب غدر الموج فهو قد وثق بحبّها ليكون سفينة تطمئن روحه لكنّها كانت موجًا هادرًا فزادته خوفه صخبّا وهديرًا وزمجرة. ويفسّر ذلك بصورة أخرى يعطفها بالفاء فأنت يا حبيبتي شَتاتي والمسافات التي تفصلني عنك مجتمعي والشّتات هنا دليل الغربة التي ذاقها الشّاعر في حبّه لها فلو كان الحبّ صادقا وجادت هي بالوصل لكان الحبّ وطنا لكنّها بما أذاقته من الألم والهجر جعلت من ذلك الحبّ غربة وشتاتا وجعلت من المسافات والبعد مجتمعا يعيش بينه ويعزله عن المجتمعات الأخرى ليبقيه وحيدا بعيدا شريدا.
دَعِـيـنِي أُدَارِي فِـيـكِ آثَــارَ خَـيبَتِي
وَأجـبرُ ظِـلًا فِي مَدى الظُلمَةِ انْهَزَع
دَعيني يا حبيبة أداري فيك وفي عينيك آثار هذه الخيبة في حبّي لك، وأن أجبر ظلّي الذي انكسر في مساحات الظّلام على دروب شتاتي.
وهو هنا رغم كلّ الجراح التي سبّبتها له يتمسّك بذكراها ويُداري في هذه الذّكريات آثار خيبته في حبّها ويحاول أن يجبر بها ظلّه الذي انكسر في ظلمات دربه إليها الذي لم يجُد إلّا بالظلمات.
وفي عمق هذه الصّورة يتجلّى وفاء القلب الصّادق لذكرى حبّ أرهقه وأذاقه الويلات، فهو رغم كلّ ما ذاقه من آلام وأوجاع يعتبر ذكرى هذه الحبّ هي الشّفاء لروحه من الجراح التي حلّت بها.
وَأَســـأَلُ عَـنِّـي غُـربَـةً لَا تُـجِـيبُنِي
وَأخـبِـرُ عَـنَّـا مَـوعِدًا مِـنكِ مَـا اقْـتَنَع
دَعيني يا حَبيبتي أبحثُ عنّي في تلك الغربة التي سبّبها لي عشقك وأسائلها عن ذاتي التي تلاشت بها رغمَ أنّ تلك الغربة لن تُجيبَ أسئلتي ولن ترويّ قلبي بإجابة مقنعة.
ودَعيني أخبرُ ذلك الموعد الذي برعت بتسويفه وتأجيله فما عاد يقتنع بوعودك له عن قصّتنا وأخبارنا.
وَلَا تَـذكُرِي يَـومَ الـرَّحِيلِ الـذِي بَـدَا
بِــوَجـهٍ خَـرِيـفـيٍّ بِـشَـارَاتُـهُ جَـــزَع
وهو هنا يطالب المحبوبة بأن تنسى يَومَ رَحيلها عنه الذي كان وجهه يشبه وجه الخريف العابس حيث كسا الجزَع والخوف الشّديد وجهه المصفرّ العابس ليبشّر بنهاية وموت شجرة الحبّ التي جمعتهما.
وما أعمقه من وصف وما أروعها من صورة تلك التي وصفت بشاعة وقبح ملامح ذلك اليوم وما تركه من انطباع في نفسه وروحه.
إِذَا صَــارَتِ الأَيَّـام حَـيرَى كَـخُطوَتِي
وَخَـالَـفَت الآحَـادُ مَـا سَـنَّت الـجُمَع
وهو هنا يكمل ما طلبه منها من نسيان يوم فراقهما المؤلم فذلك سيتمّ إذا صارت الأيّام حائرة كما خطوته على درب عشقه المرير وشتاته، وعندما تخالف أيّام الأحد ما سنّته أيّام الجمعة، وهنا الإشارة للتّضارب بين تعاليم الدّينين وعندما تتضارب الأديان والرّسالات فهذا دليل على نهاية الحياة والكون، فحين تتوه الأيّام وتغدو كما خطوتي مترنّحة وتسود التخبّطات الحياة كما روحي التي تركتها تتخبّط في متاهات الوجع بعدما تسبّبته لي من آلام وهجر ورحيل رغم ما كان بيننا عندها أطالبك بأن تمحي ذكرى يوم رحيلك ذاك من ذاكرتك للأبد وألّا تتذكّريه أبدًا.
وَثَـارتْ جِـرَاحُ الأَمـسِ حُـزنًا وَغَادَرَتْ
عَـصَافِيرُنَا العُشَّ الذِي شَادَهُ الطَمَع
وهو هنا يكمل شروط مطلبه التي بدأها في البيت السّابق أي وعندما ثارت جراحُ أمسنا من شدّة حزنها وعندما غادرت عصافير حبّنا العشّ الذي شاده لها الطّمع، وعشّ يشيده الطّمع لن يكون ملاذا آمنا لعصافير عشق ومحبّة لذلك هجرته تلك الطّيور وتركته خاويا إلّا من ذكريات تهدر رياحها في الخواء لتزداد بها الرّوح ألما وجزعا.
وَصَـارَتْ حَـيَاتِي مَحضَ وَهمٍ مُسَافِرٍ
يُـنِـيـرُ دُرُوبِــي بِـالأَكَـاذِيبِ وَالـخُـدَع
وعندما تصبح حياتي مجرّد وهم يُسافرُ في دروب حياتي ليبعثر أكاذيبه وخداعه في أرجائها سرابا تخاله الرّوح نورًا لكنّه لا يزيدها إلّا ظلاما ورهبةً.
وهذا هو تصوير حاله بعدما تشتّت كيانه في متاهة هذا العشق الذي لم يحصد منه غير الخيبة والهجر والفقد.
فَـلَا تَـقنَطِي مِـن أَوبَـتِي ذَاتَ مَـوتَةٍ
فَحَبلُ الهَوَى بِينِي وَدُنياكِ مَا انْقَطَع
وبما أنّني لا زلت أعيش في متاهة الذّكريات وبما أنّ ذكرى حبّك التّعيسة لا تزال تسكنني فلا تيأسي أن أعود إلَيكِ حين أكرّر موتي مرّة أخرى لأنّ القرب منك هو الهلاك بعينه.
ونحن نرى عمق التّناقض فيما يكابده الشّاعر فرغم خيبة الأمل ورغم اعتباره لتجربته في الحبّ موتا وهلاكا إلّا أنّه لا يقطع حبل الرّجاء بالعودة إليها وذلك لأنّه لا زال يحتفظ بخبّه ولم يزله من ذاكرته كما فعلت تلك الحبيبة القاسية التي هجرته وخلّفته نهبة لمخالب الوجد والحسرة والتشرّد والضّياع.
سَـأَرحَلُ عَني كَي أَعُودَ فَليسَ لِي
هُـنَـا مِــن أَنَــا إِلَّا خَـطَايَاي وَالـوَجَعْ
ولكي أداوي نفسي من هذه الحالة اليائسة التي وصلت إليها عليّ أن أرحل عن ذاتي وأن أستبدها بذات جديدة كي أعودَ للحياة من جَديد، فلم يبقَ منّي غير الخَطايا والأوجاع التي تتشبّث بالموت الذي وصلت إليه رغم كلّ ما عشته في أرجائه من صراع وآلام وضياع.
حَــرِيُّ بِـحُلمِ الـوَصلِ أَنْ يَـسْتَعِيدَنَا
وَيَـرفَع دَربُ الـبَينِ بِـالهَجرِ مَـا وَضَـع
وهنا نراه يختم قصيدته بتلخيص تلك التّجربة المريرة فحلم الوصل الذي لم تجد به المحبوبة يومًا يحاولُ جاهدا رغم كلّ هذه التخبّطات والآلام والأوجاع أن يستعيد العاشقين لدربه ليكملا حكاية عشقهما كما كان ينبغي لها أن تكتمل لولا ما كان من هجر وغدر. لكنّ هجرك لي يحطّم ذلك الحلم وتلك الآمال ولا يبقي أمام قلبينا غير تلك الدّروب الوعرة المقفرة التي لن تجود إلّا بالخراب والدذمار والتشتّت والضّلال.
في كلّ بيت كنّا نقف أمام صورة عميقة متشابكة ومركّبة تجعلنا نغوص في أرجائها لنستشعر عوالم الشّاعر الدّاخليّة وتخبّطاته وحيرته التي يعيشها في ظلّ ذكريات ذلك الحبّ الذي أضنى قلبه وأتعبه ولم يمنحه غير الألم والوجع.
وقد أبدع الشّاعر في وصف عالمه الوجدانيّ ذلك بأسلوب رائع وبقدرة عالية على توظيف الاستعارات والتّشابيه والتّشخيص في نحت صور تصف مشاعره بكلّ تفاصيلها.
دام إبداعك ينحت الجمال على صخور الكلمة أستاذنا
مودّتي
التعديل الأخير تم بواسطة فاتن دراوشة ; 16-05-2016 الساعة 11:30 AM
عينة من الشعر الجميـــــــــل ..
دمت رائعًا ومحلقًا .
واسأل عني غربة لا تجيبني
وأسأل عنا .....، كم انت رائع استاذي ،أعجبني هذا البيت وذكرني بكثير آلام ومواجع لقلبك الفرح سيدي