دخل حجرته في الفندق التي طلبها بالرقم، كل شيء مثلما تركه منذ أن كان هنا صحبة والده، بعض الغبار زاد من قتامة لوحة الوجه المعلقة أعلى الشرفة، أزاح بصره إلى أسفل، الزهرة مازالت في مكانها، لكنها زادت إشراقًا، تذكر كلمات أبيه عندما داعبها بأصابعه: احذر الصورة يا بني، صمتها لا يعني هدوءها، رسم على شفتيه ابتسامة ممزوجة بالحزن والغبطة، مد أصابعه يتحسسها، شعر كأن الوجه المعلق فوقها شخصت عيناه، ارتجفت يده، هز رأسه كأنه يطرد ما تسرب إلى عقله من وساوس أبيه، هي مجرد صورة ميتة، لم تستطع حتى إزالة الغبار عنها، خرج مسرعًا تاركًا مخاوفه في إحدى الزوايا، ابتلعه الزحام، عاد آخر النهار مثقلاً بهمومه وآثامه، في اليوم التالي قبل أن يغادر مد كفه إلى الزهرة، شد قبضته، سحبها بقوة، فجأة قفز الوجه من الصورة، انقض عليه بأنيابه، سالت دماؤه على الزهرة، فشربتها، حينها عرف سر نضارتها.