الخَببُ وأسرارُه واحتمالاتُهُ العروضيّة
***************************
قبلَ الخوضِ في أوزانِ الخبب لابدّ منَ التطرّقِ إلى ما كان يعتقدُ أنه أصلهُ وهو بحرُ المتدارك.
وبحرُ المتدارك هو البحرُ السادسُ عشرَ للبحورِ المعتمدةِ من قبلِ الفراهيدي والناجمُ من دائرتهِ الخامسة دائرةِ المتّفق , وهو البحرُ الذي لم يذكرْهُ الفراهيدي واستدركَ بهِ الأخفشُ على بحورِ الفراهيدي ووزنهُ:
فاعِلُنْ فاعِلُنْ فاعِلُنْ فاعِلُنْ
يستعمل تاما و مجزوءا , له عروضان و أربعة أضرب
أ - التام : عروضه صحيحة و ضربه صحيح : فاعلن
جاءنا عامر ٌ سالماً صالحاً ... بعدما كان ما كان من عامرٍ
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن .... فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن
ب - المجزوء : عروضه صحيحة ( فاعلن ) : و لها ثلاثة أضرب
1 - ضرب صحيح : فاعلن
قفْ على دارهمْ وابكِيَنْ ... بين أطلالها و الدمنْ
فاعلن فاعلن فاعلن ... فاعلن فاعلن فاعلن
2 - ضرب مذيل : فاعلن ---> فاعلان
هذه دارهمْ أقفرتْ ... أم زبورٍ محتها الدهورُ
فاعلن فاعلن فاعلن ... فاعلن فاعلن فاعلان
3 - ضرب مخبون مرفل : فاعلن ---> فعلاتن
دار سلمى بشمرِ عمانِ ... قد كساها البلى المـلَوانِ
فاعلن فاعلن فعلاتن ... فاعلن فاعلن فعلاتن
البيت مصرع ( بداية القصيدة ) ولهذا جاءت العروض فعلاتن مثل الضرب بدلا من فاعلن .
الحشو : يدخله الخبن ( حذف الثاني الساكن ) : فاعلن ---> فعِلن
ويمكن أن يدخل كافة التفعيلات : فعِلن فعِلن فعِلن فعِلن ( مرتان )
*** وملاحظتي هنا أنه لايجوز مجيء علة في الحشو .. مما يعني أنه من الخطأ مجيء ( فعْلن ) في حشو هذا الوزن.
التشعيث : حذف أحد متحركي الوتد المجموع : فاعلن ---> فعْلن
ويمكن أن يدخل كافة التفعيلات : فعْلن فعْلن فعْلن فعْلن (مرتان)
*** وكذلك ملاحظتي هنا عن الخطأ العروضي في هذه الإجازة.
و يجوز الاثنان معا : فعْلن فعْلن فعِلن فعِلن (مرتان)
*** كذلك ملاحظتي هنا بعدَم جوازِ ذلك.
من ملخص البحرِ وأوزانهِ وجوازاتهِ وزحافاتهِ يمكن أن يأتي بخبن كافة تفعيلاته :
فعِلن فعِلن فعِلن فعِلن
لكنَّ بعضَ العَروضيين أجازوا فيهِ أيضا أنْ تأتي التفعيلة (فعْلن) والذي يسمّى تشعيثا, والتشعيثُ لا يأتي إلاّ في الضروبِ والأعاريضِ عندَ التصريع, ولايَجوز أنْ يأتي في الحشو.
والملاحظةُ الأخرى هيَ حين يأتي الوزنُ ( فعْلن فعْلن ) وهنا نُلاحظ تَوالي أسبابٍ خفيفةٍ, وهي أكثرُ من اثنين وهذا ما لم يُجز في الشعرِ العَربي أو في قواعدِ العَروض التي نصّت على أنّ البناءَ الشعري لا يتَضمن أكثرَ منْ سببين للرَّبطِ بين الأوتاد.
ودعاةُ الخببِ الحديث يُجيزون توالي الأسبابِ بغضِّ النظرِ عن عددِها باعتبارِ أنَّ هذا الوزنَ ( خَببي ) خارجَ قواعدِ الشعرِ العربي , وبرأيي أنّ هذا المنطقَ غيرُ صحيحٍ , ويُخالف أسسَ بناءِ الشعر العَربي.
كما لاحظتُ في بعضِ القصائدِ ظهورَ تفعيلة ( فاعلُ ) وأوّلُ منِ استخدمها هوَ الشاعرُ الكبيرُ نزار قبّاني ثم انتشرَ استخدامها من قبلِ كثيرٍ منَ الشعراء, وأنا اعتمدتُها في بعضِ القصائدِ مؤخّرا رغمَ أنّي كنت أتحاشاها سابقاً , و(فاعلُ) تعني وجودَ وتدٍ مفروقٍ, وأصلً التفعيلة ( فاعِ لُنْ ) أو ما سأطرحهُ هنا.
وآخرُ ما لاحظتُه في بعضِ القصائد هوَ توالي خمسةِ حُروفٍ متحرّكةٍ, وهو ناجمٌ عن اعتمادِ توالي ( فاعِلُ فَعِلُن ) وهذا النمطُ يُسقطُ النصَّ منَ الشعرِ العَربي حسبَ قواعدِ العَروضِ والشعر العربي وما أقرَّهُ الفراهيدي والعَروضيّين بعدَهُ.
كما قرأتُ آراءً أخرى تَدعو لاعتبارِ الخَببِ جِسرا بينَ الشعرِ والنثرِ , وأنّه خارجَ أوزانِ الفراهيدي.
وكانتْ قناعَتي منذُ البدايةِ أنّهُ لابدَّ لهذا الوزنِ أنْ يكونَ مُنتميا للشعرِ العربي ولابدّ منْ وجودِ أسسٍ تربطهُ بالشعرِ العَربي ,
وكانَ بحثي في هذا الأمرِ منذُ فترةٍ في محاولةٍ للوصولِ إلى ما يمكنُ أنْ يربطَ الخببَ بالشعرِ العربي, للأسبابِ التالية :
- لا توجدُ تفعيلةٌ في الشعرِ العَربي تُعتبرُ تفعيلةً مستقلةً وهي (فعِلن , فعْلن , فاعلُ) وهذهِ التفعيلاتُ المزاحفةُ لابدّ أن يكونَ لها أصلٌ في التفعيلاتِ الخماسيّة والسباعيّة.
- إنّ تفعيلةَ (فعْلن) المشعّثةَ منْ (فاعِلن) لا يمكنُ أنْ تأتي في الحشوِ , واعتبار هذا الوزنِ من المتدارِكِ, ة لا يمكن أن تأتي في الحشو , لأنّها تغييرٌ في الوتدِ وهذا ما لم يُجزْ في حشوِ أيِّ بيتِ شعرٍ.
- لا يجوزُ أبدا تَوالي خمسةِ حروفٍ متحرّكةٍ في الشعرِ العربي لأنّ هذا الشّرطَ هو خطٌّ أحمرُ بينَ الشعرِ والنثرِ, والشعرُ العَربي لم يُجز توالي أكثرِ منْ أربعةِ حروفٍ متَحرّكةٍ ناجمةٍ من الفاصلةِ الكُبرى ( فِعِلَتُنْ )
- يجوزُ في المتداركِ أنْ تأتي تفعيلاتهُ جَميعا ( فَعِلُن ) مع جوازِ أن تكونَ الأعاريضُ والضروبُ باحتمالَيها (فَعِلُنْ , فَعْلُنْ) ولا يجوزُ أن تأتي (فَعْلُنْ) في الحشو. لأن (فعِلن) مازالت تَعني سببا مُزاحفا ووتداً (فَ عِلُنْ).
- ظهورُ تفعيلةِ (فاعِلُ) في الخببِ يدلُّ على وجودِ وتدٍ مفروقٍ إذ أن (فاعِلُنْ) لا تنتجُ هذه التفعيلةَ المُزاحفةَ ولا يوجدُ أي تبريرٍ آخرَ لتَحويلِ (فَعِلُنْ , فَعْلُنْ) إلى (فاعِلُ), خاصّةً وأنّ الحروفَ الثلاثةَ الأخيرةَ في ( فاعِلُنْ أو فعِلُنْ ) هي وتدٌ.
ومنْ خلالِ عدّةِ محاولاتٍ في الرّبطِ بينَ الخببِ والشعرِ العَربي والأخذِ بنظرِ الإعتبارِ ماجازَ في الخَببِ منْ تفعيلاتٍ في الحشو وما يمكنُ لأيّ وزنٍ أو تفعيلاتٍ معتمدةٍ أن توفّرَهُ , توصّلتُ لما سأطرحُهُ هنا.
أعرفُ أنّ ما سأطرحُهُ سيواجهُ معارضةً من بعضِ المجتهدين في العروضِ أو المتَمسّكين بمنهجيّةِ الفراهيدي , لكنّهُ رأيي والناجمَ ممّا تبنيّتهُ منذُ فترةٍ طويلةٍ في أسلوبِ بناءِ الشعرِ العربي.
ومنْ خلالِ التجربةِ والخطأ وجدتُ أنّهُ يمكنُ أن نجدَ حلاّ للرّبطِ بينَ الخببِ والشعرِ العربي وهوَ لو اعتَمدنا تفعيلةَ ( مُتَفاعِ لُنْ )
وهيَ التي تتكونُ منْ : سببٍ ثقيلٍ + وتدٍ مفروقٍ + سببٍ خفيفٍ .
وإذا اعتَمدنا ثلاثةَ تفعيلاتٍ لتكوّنَ الوزنَ الأصلي سيكونُ لدينا :
مُتَفاعِ لُنْ مُتَفاعِ لُنْ مُتَفاعِ لُنْ ... (مرّتان)
وللتأكدِ من صحّةِ هذا الوزنِ لابدّ منْ تَحرّي إمكانيّةِ تدويرِهِ , وقد تمّ ذلكَ وأنتجَ الأوزانَ التالية.
1 - مُتَفاعِ لُن مُتَفاع لُنْ مُتَفاع لُنْ
لُنْ مُتَفاعِ لُنْ مُتَفاعِ لُنْ مُتَفاعِ
2 - فاعِلَتانِ فاعِلَتانِ فاعِلَتانِ
تانِ فاعِلتانِ فاعِلَتانِ فاعِلُ
3 - فاعِ لاتُنُ فاعِ لاتُنُ فاعِ لاتُنُ
تنُ فاعِ لاتُنُ فاعِ لاتُنُ فاعِ لا
مُتَفاعِ لُنْ مُتَفاعِ لُنْ مُتَفاعِ لُنْ (وهو الوزن الأول المعتمد للتدوير)
وخلاصةُ التدويرِ أنهُ أنتجَ ثلاثةَ أوزانٍ .. ومايهمّنا منها الآن هو الوزنُ الأولُ, والوزنُ الثالثُ.
ولنأخذهُ على أساسِ أن تكونَ عروضُهُ (مُتَفا) وضربُهُ كذلك (مُتَفا) وذلك بحذف السببِ الخَفيفِ من آخرِ التفعيلةِ, وقطعِ ذيلِ الوتدِ.
أمّا الحشو فستكونُ تفعيلاته (مكفوفة) بحذفِ السابعِ الساكنِ وهذا جائز في تفعيلات الحشو جميعها, أسوةً بخبنِ (فاعِلُنْ) في حشوِ المتدارك فتأتي (فعِلن) .
الوزنُ المعتمد:
مُتَفاعِ لُنْ مُتَفاعِ لُنْ مُتَفا
الوزن بأسلوب البناء كأوتاد وأسباب:
مُتَ فاعِ لُنْ مُتَ فاعِ لُنْ مُتَ فا
سبب ثقيل + وتد مفروق + سبب خفيف + سبب ثقيل + وتد مفروق + سبب خفيف + سبب ثقيل + المتبقي من الوتد المفروق وهو يساوي سببًا خفيفًا.
الوزنُ بعد زحافِ الكفِّ:
مُتَ فاع لُ, مُتَ فاع لُ, مُتَ فا
الضربُ والعروضُ ينشئانِ من إيقاعِ علّتين في التفعيلةِ هما كما يلي:
مُتَفاعِ لُنْ : يحذفُ أولاً السببُ الخفيفُ منْ آخرِ التفعيلةِ (الحذف) ثمّ قطعُ آخرُ الوتد (القطع) .. ويُسميّان بالبترِ.
فعِلن : ويجوز فيها الإضمارُ بتسكينِ الثاني المُتحرّك.
ولأنّ توالي خمسةِ حروفٍ متحرّكة لا يجوزُ, فهنا يجب أن تسكّنَ اللامُ (لْ) وهذا التسكين يسمى العصب, أو تُسكنَ التاء بالإضمار (مُتْ). علمًا بأنّ توالي الحروفِ الخمسةِ وردتْ في كثيرٍ من النظم الخَببي, لكنّني كنت دائما أعترضُ عليها, لأن الشعرَ العربي لابدّ أن يخلو من هذا التوالي حتّى يكونَ شعرا.
فعِلن فعِلنْ فعْلنْ فعِلن ... (يمثّلُ إعادةَ كتابةِ التفعيلاتِ بالنّمطِ الخببي وتسكينِ التاءِ في التفعيلةِ الثانيةِ, واللاّمِ في آخرِها)
فعْلن فعْلن فعْلن فعْلن ... (كذلك مع تسكين الحَرفين لْ , تْ)
فعِلن فعْلن فعلنْ فعِلن ... (صيغةٌ أخرى)
فعِلن فعِلنْ فاعلُ فعْلن ... (صيغةٌ أخرى)
أمّا إذا أردنا أنْ نأخذَ وجها آخرَ فهوَ باعتمادِ التفعيلةِ الأصليّةِ مع حذفِ الحرفِ المتحرّكِ السادسِ وهو أوّلُ حرفٍ في السببِ الخفيفِ وهذا جائزٌ لأنّهُ زحافٌ في السببِ.
مُتَفاعِ لُنْ مُتَفاعِ لُنْ فعلن
مُتَفاعِ نْ مُتَفاعِ نْ فعلن
فَعِلُنْ فاعِلُ فعْلنْ فعلن
وهذا سيُغطي أيضا كَثيراً منَ النّظمِ الخَببي .
كما يمكنُ اعتمادُ الزّحافين والخَلطً بينَ (مُتَفالُنْ , مُتَفاعِلُ)
مُتَفالُن مُتًفاعلُ فعْلن
مُتَفالُنْ مُتًفاعِلْ فعِلن
مُتَفالُن مُتَفاعلْ فعْلن
مُتْفالُن مُتَفاعِلْ فعلن
مُتَفالُنْ مُتْفاعِلُ فعْلن
أو أنْ يَأتي (مُتَفاعِلً , مُتْفالُنْ)
وسيؤدّي لنفسِ النتيجةِ في تغطيةِ كثيرٍ منْ أوزانِ الخَببِ.
والإستثناءُ الوحيد الذي سيشذّ ويمكن اعتباره خروجا على هذا الوزنُ هو أن تكونَ التفعيلةُ الأولى ( فاعلُ ) حينَها يُمكنُ اعتبارُ الوزنِ الثالثِ هو المُعتمدُ كما سيتمُّ توضيحهُ لاحقًا.
ونعيدُ قراءةَ الأوزانِ والرّبطَ معَ البحورِ:
- إنْ جاءَ الوزنُ ( فَعِلن فَعِلن فَعِلن فَعلن ) فهو إمّا يُنسبُ للمتداركِ وإمّا لهذا الوزن .
- أينَما ظهرتْ تفعيلةُ ( فَعْلنْ أو فاعِلُ ) فهوَ يُنسبْ لهذين الوزنين المذكورين أعلاه.
- لا يُمكنُ أنْ تأتي التفعيلةُ الأولى ( فاعِلُ ) وإنْ أتتْ قيودٌ جَديدةٌ فالوزنُ يمكنُ أن ينتجَ منِ اعتمادِ الوزنِ الثاني الناتجِ عنِ التدوير وهو :
فاعِ لاتُنُ فاعِ لاتُنُ فاعِلاتُن ُ
وباعتماد العروضِ والضربِ: فَعْلُنْ أو فَعِلُنْ
فاعِ لاتُنُ فاعِ لاتُنُ فعلن
ويمكنُ الزّحافُ في التفعيلةِ (فاعِ لاتُنُ) بحذف الخامس الساكن:
فاعِ لَتُنُ فاعِ لَتُنُ فعلن
فاعلُ فعْلن فعِلنْ فعلن (بتسكينِ عينِ فعلن الثانية وتسكين نونِ فَعلنُ الثالثة)
( والعَروضُ والضربُ جازَ فيهما فعْلن أو فعِلن ) على أنْ يلتزمَ بالضربِ.
وهذا ما أشرتُ إليهِ في بعضِ الحِواراتِ أنّهُ متى ما ظَهرت (فاعِلُ) لا يجوزُ بعدَها (فعِلن) بل ( فعْلن ) لتَلافي تَوالي خَمسةِ حُروفٍ متحرّكةٍ.
وأخيرًا أقولُ بأنّ وزنَ ( فعْلن فعْلن فعْلن فعْلن ) ليسَ جَديدا فحَسبما وصَلنا أنّ أوّلَ منْ نظمَ عليهِ هو الإمامُ عليٌّ بنُ أبي طالبَ رضيَ اللهُ عنهُ وهوَ قد سبقَ الفَراهيدي بأكثرَ منْ قرنٍ.
حَقًّا حَقًّا حَقًّا حَقًّا ... صِدقًا صِدقًا صِدقًا صِدقًا
إنّ الدُّنيا قَدْ غَرَّتنا ... وَاستهوَتنا واستَلهَتنا
ياابنَ الدّنيا مَهلاً مَهلاً ... زِنْ ما يأتي وَزنًا وَزنًا
كما وردَ في القُرآنِ الكَريمِ :
( إنّا أعطَيناكَ الكَوثَر ) وفي مواضعَ أخرى لا مَجالَ لذكرِها الآن.
وحاولَ بعضُ العَروضيّين افتراضَ تفعيلةٍ ثمانيّةٍ هي (مفعولاتن) ووزنُ هذا النظم قالوا عنهُ أنّه (مَفْعولاتُنْ مَفعولاتُنْ) .. لكنَّ هذا الإفتراضَ غيرُ صَحيحٍ لخلوِّ التفعيلاتِ منَ الأوتادِ, والشعرُ العربيُّ يعتمدُ في بنائهِ عَلى الأوتادِ والأسبابِ.
لكنْ لمْ يأخذْ بهِ الفَراهيدي , ربَّما لعدمِ توصُّلهِ لتفعيلتهِ الأصليّةِ, بل هوَ لم يذكرْ بحر المتدارِكْ وهو البحرُ السادسُ عشر.
*******
أعلمُ أنَّ هناكَ اعتراضاتٌ ستظهرُ بسببِ اعتمادِ ثلاثةِ أوتادٍ مفروقةٍ .. لكنَّ الشعرَ العَربيَّ يحتملُ أيَّ تركيبٍ للبناءِ فالعربُ لم تنظم الشعرَ إلاّ باعتِمادِ الأوتادِ والأسبابِ , ولم تكنْ تُميِّزُ بين المجموعِ والمفروقِ, والذي ظهرَ عندَ ظهورِ عِلم العَروضِ , واعتمدت السّريعَ (فاعِلاتُنْ مُستفعِ لُنْ فاعِلاتُنْ) دونَ أنْ تُثبت أنّ الوتدَ في مُستفعِلن هوَ وتدٌ مفروقٌ , بل من اكتشفَ ذلكَ هو الفَراهيدي , لأنّ القاعدةَ كانت عدمَ مَجيء ثلاثةِ أسبابٍ في الشعرِ العَربي فَلجأ إلى الوتدِ المَفروقِ ليعتمدَ الوزنَ والبَحرَ , وهذا الوتدُ المفروقُ كان أساسَ بناءِ دائرةِ المشتبهِ التي ضمّت ستّةَ بحورٍ مستعملةٍ وثلاثةَ بحورٍ مهملةٍ, وشكّلت ثِقَلا واضِحا في مجموعِ بحورِ الشّعرِ العربي مقارنةً بما تضمّنتهُ الدوائرُ الأربعُ الأخرى.
وأيّ وزنٍ تامِّ التفعيلاتِ لابدّ أنْ يدورَ في دائرةٍ عروضيّةٍ , وأثبتُّ إمكانية تدويرِ الأوتادِ الثلاثةِ في موضوعِ (مفعولاتُ) وهنا أيضا ظهرَت إمكانيّةُ التدويرِ لتشكّلَ ثلاثةَ أوزانٍ.
ثمّ أنّ العَروضَ تضمّنت التفعيلاتِ التاليةَ التي ظهرَ فيها الوتدُ المفروق:
- مُستَفعِلنْ , مُستفعِ لُنْ
- فاعِلاتُنْ , فاعِ لاتُنْ
- وأنا أضفت سابقا فاعِلُنْ , فاعِ لُنْ (في الدائرة السادسة)
- فما الذي يمنعُ ظهورَ مُتَفاعِلنْ , مُتَفاعِ لنْ
وهيَ مكافئةٌ لـ (مُستفعِلنْ مُستفعِ لنْ) فيما لو سكنّا الحرفَ الثاني كما هو في بحرِ الكامل.
وتثبت أنّ الخببَ وزنٌ مرتبطٌ بالشعرِ العَربي وليس فنّا مُلحقا, ولا جِسرا بينَ الشعرِ والنّثرِ.
ولنأخذْ أمثلةً من الخبب:
فاخفِقْ لِحَبيبٍ أو وَطنٍ ... وانشُرْ ما تَعرِفُ مِنْ ألَمي
ووزنهُ الخَببي:
فعْلن فعِلن فعْلن فعِلن ... فعْلن فعْلن فعِلن فعِلن
أمّا وزنهُ حسبَ الرؤيةِ الجديدةِ فهو:
متْفاعِلُ , متْفاعِلْ فعِلن ... متفاعلْ , متفاعلُ فعِلن
ويمكنُ أيضاً إعادةُ كتابةِ التفعيلات:
مُستفعِلُ , مستفعِلْ , فعْلن ... مستفعِلْ , مستفعِلُ , فعِلن
ولنأخذْ مِثالا آخر منْ شعرِ نِزار قَباني:
إنّي خَيّرتُكِ فاخْتاري ... مابينَ الجَنّة وَالنّارِ
ووزنهُ حَسبَ الخَببي السابِق:
فعْلن فعْلن فعِلن فعْلن ... فعْلن فعْلن فعِلن فعْلن
وهذا لا يمكنُ أنْ ينسبَ للمتداركِ لمَجيء ( فعْلن ) في الحَشو.
ويبرِّرُ بعضُ المُجتهدين أنَّهُ بحرُ الخَبب الذي لا يرتبط بعروضِ الفَراهيدي أو أوزانِ الشعرِ العَربي المتعارفِ عليها,
لكنْ بإعادةِ تقطيعهِ وفقَ الرُّؤيةِ الجَديدةِ يكونُ كما يلي :
ولنأخذْ الوزنَ الثاني الناجمَ عنْ عَمليّةِ التَدويرِ:
فاع لاتنُ فاع لاتنُ فعلن
فاع ل تنُ , فاع لتنُ فعْلن
وبتسكين اللام في التفعيلة الأولى والنون في التفعيلتين
فاع لْ تنْ , فاع لَ تنْ , فعْلن
فعْلن , فعْلن , فعِلن , فعْلن
ومثالٌ آخر :
الواحةُ بَيتي يـا قَلمـي ... فاكتبْ ما شِئتَ ولا تَنمِ
فعْلن فعِلن فعْلن فعِلن ... فعْلن فعْلن فعِلن فعِلن
فاع لْ تنُ , فاع لْ تنْ, فعلن
فاعلْتنُ , فاعِلتُنْ , فعلن ... فاعلتنْ , فاعلتن , فعلن
والزحاف في (فاعلاتنُ) , تسكين السابعِ المتحركِ هو الوقفُ وهو جائزٌ هنا لأنّهُ زحافٌ في سببٍ وليس في وتدٍ, كما أنّ حذفَ الخامس الساكن هو القبضُ, أما تسكينُ الرابعِ المتحرك فهو يمكن اعتبارُه الإضمارَ مع اختلافِ موقعِ الحرفِ بسببِ اختلافِ بناءِ التفعيلةِ, أو اعتبارُه قصرا بحذفِ ساكنِ السببِ وتسكينِ ما قبلَه , واعتبارُه زحافا جائزا في الحشو.
ملاحظاتٌ أخرى:
الوزنُ الأولُ :
(متفاعِ لن متفاعِ لن متفاعِ لن) هو وزنُ الكاملِ معَ اختلافِ نوعِ الوتدِ , فهنا وتدٌ مفروقٌ بينما في الكاملِ وتدٌ مجموعٌ , أما اللفظُ فلا يختلف بينهما: (مُتَفاعِلن مُتَفاعِلن مُتَفاعِلن) ..
والفرقُ الآخرُ هو في بناءِ التفعيلةِ:
مُتَفاعِلُن : سبب ثقيل + سبب خفيف + وتد مجموع
مُتَفاعِ لُن : سبب ثقيل + وتد مفروق + سبب خفيف
ويمكنُ استخدامُ هذا الوزنِ تامّا بتفعيلاتهِ مع ملاحظةِ الزحافاتِ أن تكونَ في الأسبابِ فقط. والمعروف في الكامل أن معظم زحافاته هي في تسكين ثاني السبب الثقيلِ , وهنا سيجوزُ أيضا لأنّهُ مازالَ في السببِ الأول.
الوزنُ الثاني:
الوزنُ الثاني الناجمُ عنِ التدويرِ :
فاعِلَتانِ فاعِلَتانِ فاعِلَتانِ
وسأعتبرُهُ مُهملا في الوقتِ الحاضرِ بسببِ مَجيءِ الوتدِ المفروقِ في نهايةِ التفعيلاتِ , لكنْ فقط للتنويهِ عنْ طبيعةِ التفعيلةِ:
فاعِلَتان : وبتسكين الرابِع المُتحرّكِ ينتجُ (مفعولاتُ ) , أي قلبُ السببِ الثقيلِ إلى سببٍ خَفيف.
الوزنُ الثالثُ :
فاعِ لاتُنُ فاعِ لاتُنُ فاعِ لاتُنُ
هو أصلاً مشابهٌ لوزنٍ ناجمٍ في دوائرِ الفَراهيدي لكنْ بأوتادٍ مجموعةٍ وهو (فاعِلاتنُ فاعِلاتنُ فاعِلاتنُ) وسمّي بحرُ المتوّفرِ أو المًعتمدِ وهو بحرٌ مهملٌ في دائرةِ المؤتلف, كان يخشى من تداخلهِ مع بحرِ الرملِ فيما لو تمَّ تسكينُ نون فاعِلاتنُ, (فاعلاتنْ فاعلاتنْ فاعلاتنْ).
التفعيلات:
من خلال ما نتج هنا يمكن أن نضيف التفعيلات التالية لما اعتمد من تفعيلات في الشعر العربي وهي:
- مُتَفاعِ لِنْ , وتركيبها ( سبب ثقيل + وتد مفروق + سبب خفيف)
- فاع لاتُنُ , وتركيبها ( وتد مفروق + سبب خفيف + سبب ثقيل)
- فاعِلَتانِ , وتركيبها ( سبب خفيف + سبب ثقيل + وتد مفروق)
*******
خلاصة الأوزان :
- الوزنان المعتمدان هما:
مُتَفاعِ لُنْ , مُتَفاعِ لُنْ , مُتَفاعِ لُنْ
فاعِ لاتُنُ, فاعِ لاتُنُ , فاعِ لاتُنُ
الوزنان المعتمدان للخبب:
مُتَفاعِ لُ , مُتَفاعِلُ , فعلن (مع ملاحظة أن تسكن اللام أو التاء بين تفعيلة وأخرى لتلافي الحروف الخمسة المتحركة )
فاعِ لَتُنْ , فاعِ لَتُنْ , فعلن
لمْ أتَطرّقُ للترقيمِ , لأن المُهمَّ الآن هوَ عرضُ الفكرةِ أولاً.
*******