التفكر
, البيضاوي في تفسيره لقوله تعالى :{ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السموات والأرض } أورد حول أهمية التفكر قوله: الاستدلال والاعتبار أفضل العبادات لقوله عليه الصلاة والسلام « لا عبادة كالتفكر)" وقال النيسبوري:" إنه لما طال الكلام في تقرير القصص والأحكام عاد إلى الغرض الأصلي من هذا الكتاب الكريم وهو جذب القلوب والإسرار بذكر ما يدل على التوحيد والكبرياء ، وقد أورد حديث , عن ابن عمر, قلت لعائشة : أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فبكت وأطالت ثم قالت : كل أمره عجب . أتاني في ليلتي فدخل في لحافي ، حتى ألصق جلده بجلدي ثم قال : يا عائشة ، هل لك أن تأذني لي الليلة في عبادة ربي؟ فقلت : يا رسول الله إني لأحب قربك وأحب هواك قد أذنت لك . فقام إلى قربة من ماء في البيت فتوضأ ولم يكثر من صب الماء ، ثم قام يصلي فقرأ من القرآن وجعل يبكي حتى بلغ الدموع حقوية ، ثم جلس فحمد الله وأنثى عليه وجعل يبكي ثم رفع يديه فجعل يبكي حتى رأيت دموعه فقد بلت الأرض . فأتاه بلال يؤذنه بصلاة الغداة فرآه يبكي فقال له : يا رسول الله أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : يا بلال ، أفلا أكون عبداً شكوراً؟ ثم قال : وما لي لا أبكي وقد أنزل الله عليّ في هذه الليلة { إن في خلق السموات والأرض...الخ } ثم قال : ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها)"
ومن تفسير الدر المنثور, أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والأصبهاني في الترغيب عن عبد الله بن سلام قال « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتفكرون فقال : لا تفكروا في الله ولكن تفكروا فيما خلق »
لا تَكمُلُ فائدة الذكر إلا بالفكر
يقول صاحب تفسير المنارفَالَّذِينَ يَشْتَغِلُونَ بِعِلْمِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وهُمْ غَافِلُونَ عَنْ خَالِقِهِمَا ، ذَاهِلُونَ عَنْ ذِكْرِهِ، ُمَتِّعُونَ عُقُولَهُمْ بِلَذَّةِ الْعِلْمِ ، وَلَكِنَّ أَرْوَاحَهُمْ تَبْقَى مَحْرُومَةً مِنْ لَذَّةِ الذِّكْرِ َمَعْرِفَةِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ، فَمَثَلُهُمْ كَمَا قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : كَمَثَلِ مَنْ يَطْبُخُ طَعَامًا َهِيًّا يُغَذِّي بِهِ جَسَدَهُ ، وَلَكِنَّهُ لَا يَرْقَى بِهِ عَقْلُهُ ، يَعْنِي أَنَّ الْفِكْرَ وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَ مُفِيدًا لَا تَكُونُ فَائِدَتُهُ نَافِعَةً فِي الْآخِرَةِ إِلَّا بِالذِّكْرِ ، وَالذِّكْرُ وَإِنْ أَفَادَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَا تَكْمُلُ فَائِدَتُهُ إِلَّا بِالْفِكْرِ ، فَيَا طُوبَى لِمَنْ جَمَعَ بَيْنَ لْأَمْرَيْنِ وَاسْتَمْتَعَ بِهَاتَيْنِ اللَّذَّتَيْنِ ، فَكَانَ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَنَجَوْا مِنْ عَذَابِ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ ، فَتِلْكَ النِّعْمَةُ الَّتِي لَا تَفْضُلُهَا نِعْمَةٌ ، وَاللَّذَّةُ الَّتِي لَا تَعْلُوهَا لَذَّةٌ; لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يَهُونُ مَعَهَا كُلُّ كَرْبٍ ،وَيَسْلُسُ كُلُّ صَعْبٍ ، وَتَعْظُمُ كُلُّ نِعْمَةٍ ، وَتَتَضَاءَلُ كُلُّ نِقْمَةٍ ، تِلْكَ اللَّذَّةُ الَّتِي تَتَجَلَّى مَعَ الذِّكْرِ