فن الرسائل في العصر العباسي
أولاً-إضاءة :
أحد فنون النثر التي انتشرت في العصر العباسي وبشكل كبير وهي أنواع :
أ-الرسائل الديوانية :
وتعد هذه الرسائل من أهم ما كتب في العصر العباسي لأنها مرتبطة بسياسة الخليفة وما يحتاجه من مراسلات مع الولاة والقادة ، ويشترط فيمن يكون قيما أن تكون لديه خبرة واسعة في الكلمة وفي فهم التاريخ والدين والواقع ، إذ إن من كان يستوزر برئيس للديوان كان يحظى بمنزلة رفيعة ، ومن هنا كان معظم الوزراء من المقتدرين علمياً وثقافياً وأدبياً ولغوياً ،
وأهم موضوعاتها:
وقد تناولت الرسائل الديوانية النقاط التالية:
1- أعمال الدولة .
2- البيعة للخلفاء .
3-الفتوح والجهاد.
4- تولية الولاة .
5- تعين ولاة العهود .
6- مواسم الحج والأعياد.
7- أمور الرعية المنقولة إلى الخلفاء.
-وأبرز من كتبوا في هذا الفن :
عمارة بن حمزة
1– اسماعيل بن صبيح
2– محمد بن الليث.
وقد بلغت الرسالة الديوانية في عصر المأمون الذروة مركزة على :
1-العناية بالجمال الفني .
2-التدقيق في المعاني بشكل كبير .
يقول اسماعيل بن صبيح في رسالة باسم الخليفة الرشيد إلى الولاة بمبايعة الأمين والمأمون من العهد بعده وتعليق هذا العهد في بيت الله الحرام :
"وقد كان من نعمة الله عز وجل عند أمير المؤمنين وعندك وعند عوامِّ المسلمين ما تولى الله من محمد وعبد الله ابني أمير المؤمنين من تبليغه بهما أحسن ما أملت الأمة ومدت إليه أعناقها، وقذف الله لهما في قلوب العامة من المحبة لقوام أمورهم ، وصلاح دهمائهم حتى ألقوا إليهما أزمتهم وأعطوهما بيعتهم بالعهود ووكيد الأيمان المغلظة عليهم أراد الله فلم يكن له مردٌّ ، وأقضاه فلم يقدر أحد من العباد على نقضه ولا إزالته ".
ب-الرسائل الإخوانية :
وهي الرسائل التي تصور عواطف الأفراد ، وما يفعل في نفوسهم من رغبة ورهبة ومديح وهجاء وعتاب واعتذار كما في رسائل ابن المقفع " الأدب الكبير والأدب الصغير" . وما جاء بهما من تصوير للأخوة والصداقة ، كما في مناسبات الزواج والظفر على الأعداء وغير ذلك من الأمور ، وقد تميزت هذه الرسائل بدقة التصوير للمعاني والتعبير عنها بأساليب جديدة.
يقول إبراهيم بن الهدي في رسالة يهنئ فيها المعتصم في انتصاره في عمورية:
"الحمد لله الذي تم لأمير المؤمنين غزوته ، فأذل بها رقاب المشركين وشفى بها صدور قوم مؤمنين ، ثم سهل الله له الأوبة سالماً غانماً ".
ج- الرسائل الأدبية:
وهي فرع نما من دوحة الرسائل الإخوانية ، يتناول النفس الإنسانية ، ويصور أهواءها وأخلاقها، ويوضح طريقها كي لا تسقط هذه النفس في مهاوي الشر .
وقد برز من كتّاب هذا النوع :
1-يحيى بن زياد –
2-بن عبد الحميد.
-يقول يحيى بن زياد راداً على رسالةٍ لابن المقفع في انعقاد الأخوة:
"فنسبنا الإخاء فوجدناه في نسبته لا يستحق اسم الإخاء إلا بالوفاء ، فلما انتقلنا عنه إلى الوفاء فنسبناه انتسب لنا إلى البر ، فوجدناه محتوياً على الكرم والنجدة والصدق والحياء والنجابة ".
د-نماذج من الرسائل في العصر العباسي :
1-كتب أبو منصور الثعالبي المتوفي سنة 429 هـ :
خبر عز على مستمعه , وأثر في قلبي موقعه . خبر تستاء له المسامع وترتج منه الأضالع , خبر يهد الرواسي ويفلق الحجر . كادت القلوب تطير والعقول تطيش والنفوس تطيح . خبر يشيب الوليد . ويذيب الحديد , قد كاد من الحزن أن تنقبض الألسن عن هذا النعي الفادح , وتخرس , وتقصر الأيدي عن التعزية بهذا الرزء الفادح وتيبس .
2-كتب ابن الرومي المتوفي سنة 284 هـ إلى بعضهم :
أذن الله في شفائك وتلقيه داءك بدوائك , ومسح بيد العافية عليك , ووجه وفد السلامة إليك وجعل علتك ماحية لذنوبك مضاعفة لثوابك .
3-وكتب أبو بكر الخوارزمي المتوفي سنة 383 هـ :
وصل كتابك يا سيدي فسرني نظري إليه ثم غمني اطلاعي عليه , لما تضمنه من ذكر علتك , جعل الله أولها كفارة وآخرها عافية , ولا أعدمك على الأولى أجرا ً وعلى الأخرى شكرا ً .
وبودي لو قرب على متناول عيادتك , فاحتملت عنك بالتعهد والمساعدة بعض أعباء علتك فلقد خصني من هذه العلة قسم كقسمك , ومرض قلبي فيك لمرض جسمك , وأظن إني لو لقيتك عليلا ً لانصرفت عنك , وأنا أعلُّ منك فإني بحمد الله جلد على أوجاع أعضائي غير جلد على أوجاع أصدقائي – شفاك الله وعافاك .
4-كتب في التهنئة بميلاد الأولاد أبو منصور الثعالبي المتوفي سنة 429 هـ :
أهلا ً وسهلا ً بعقيلة النساء وأم الأبناء وجالبة الأصهار والأولاد الأطهار
ولو كان النساء كمثل هذي لفضلت النساء على الرجال
فما التأنيث لاسم الشمس عيب ٌ ولا التذكير فخر ٌ للهلال
والله يعرفك البركة في مطلعها والسعادة بموقعها فالدنيا مؤنثة والناس يخدمونها والذكور يعبدونها , والأرض مؤنثة ومنها خلقت البرية وفيها كثرت الذرية والسماء مؤنثة وقد زينت بالكواكب وحليت بالنجوم الثواقب . والنفس مؤنثة وهي قوام الأبدان وملاك الحيوان والحياة مؤنثة ولولاها لم تتصرف الأجسام ولا تحرك الأنام , والجنة مؤنثة وبها وعد المتقون وفيها تنعم المرسلون فهنيئا ً ما أوليت وأوزعك الله شكر ما أعطيت , وأطال بقاءك ما عرف النسل وبقي الأبد .
5-وكتب بديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة 398 هـ إلى الداوودي يهنئه بمولود
حقا ً لقد أنجز الإقبال وعده ووافق الطالع سعده وإن الشأن لفيما بعده وحبذا الأصل وفرعه وبورك الغيث وصوبه وأينع الروض ونوره وحبذا سماء اطلعت فرقدا ً , وغابة أبرزت أسدا ً وظهر وافق سندا ً وذكر يبقى أبدا ً ومجد يسمى ولدا , وشرف ٌ لحمة وسدى .
6-وكتب في التهنئة بالقدوم أبو منصور الثعالبي المتوفي سنة 429 هـ :أهنئ سيدي ونفسي تطيب بما يسر الله من قدومه سالما وأشكر الله على ذلك شكرا دائما ً جعل الله قدومك مقرونا بالخيرة التامة العامة . والكفاية الشاملة الكاملة .
غيبة المكارم مقرونة بغيبتك وأوبة النعم موصولة بأوبتك فوصل الله قدومك من الكرامة , بإضعاف ما قرن به مسيرك من السلامة وهناك بإيابك وبلغك غاية محابك , ما زلت بالنية معك مسافرا ً وباتصال الذكر والفكر ملاقيا ً إلى أن جمع شمل سروري بأوبتك وسكن نافر قلبي بعودتك .
7-وكتب أبو منصور الثعالبي المتوفي سنة 429 هـ : أيضا في التهنئة برمضان
ساق الله إليك سعادة إهلاله وعرفك بركة كماله لقاك فيه ما ترجوه ورقاك إلى ما تحب في تتلوه , جعل الله ما يطول من هذا الصوم مقرونا ً بأفضل القبول مؤذنا ً بدرك الغيبة ونجح المأمول , ولا أخلاك من بر مرفوع ودعاء مسموع , قابل الله بالقبول صيامك وبعظيم المثوبة تهجدك وقيامك أعاد الله إلى مولاي أمثاله وتقبل فيه أعماله , وأصح في الدين والدنيا أحواله , وبلغه منها آماله . أسعد الله مولاي بهذا الشهر ووفاه فيه أجزل المثوبة والأجر .
8-وكتب أبو الفرج الببغاء المتوفي سنة 398 هـ تهنئة :
سيدي – أيده الله – أرفع قدرا وأنبه ذكرا وأعظم تبلا ً وأشهر فضلا من أن نهنئه بولاية وإن جل خطرها وعظم قدرها لأن الواجب تهنئة الأعمال بفائض عدله والرعية بمحمود فعله والأقاليم بآثار رياسته والولايات بسمات سياسته فعرفه الله يمن ما تولاه ورعاه في سائر ما استرعاه , ولا أخلاه من التوفيق فيما يعانيه والتسديد فيما يبرمه ويمضيه .
9-كتب الأمير أبو الفضل الميكالي المتوفي سنة 436 هـ :
إنما أشكو إليك زمانا سلب ضعف ما وهب وفجع بأكثر مما متع وأوحش فوق ما أنس وعنف في نزع ما ألبس , فإنه لم يذقنا حلاوة الاجتماع حتى جرعنا مرارة الفراق , ولم يمتعنا بأنس الالتقاء حتى غادرنا رهن التلف والاشتياق .
( والحمد لله تعالى على كل حال ) يسوء ويسر ويحلو ويمر , ولا أيأس من روح الله في إباحة صنع يجعل ربعه مناخى ويقصر مدة البعاد والتراخي , فألاحظ الزمان بعين راض ويقبل إلى حظي بعد إعراض واستأنف بعزته عيشا عذب الموارد والمناهل , مأمون الآفات والغوائل .
10-كتب بديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة 397 هـ :
لئن ساءني أن نلتني بمساءة لقد سرني إني خطرت ببالك
الأمير أطال الله بقاءه في حالي بره وجفائه متفضل , وفي يومي إدنائه وإبعاده متطول وهنيئا ً له من حمانا ما يحله ومن عرانا ما يحله ومن أعراضنا ما يستحله .
بلغني انه – أدام الله عزه – استزاد صنيعه فكنت أظنني مجنيا ً عليه مساء إليه , فإذا أنا في قرارة الذنب ومثارة العتب وليت شعري أي محظور في العشرة حضرته أو مفروض من الخدمة رفضته أو واجب في الزيارة أهملته وهل كنت إلا ضيفا ً أهداه منزع ٌ شاسع وأداه أمل واسع وحداه فضل وإن قل , وهداه رأي وإن ضل , ثم لم يلق إلا في آل مكال رحله ولم يصل إلا بهم حبله , ولم ينظم إلا فيهم شعره , ولم يقف إلا عليهم شكره . ثم ما بعدت صحبة إلا دنت مهانة ولا زادت حرمة إلا نقصت صيانة ولا تضاعفت منة ٌ إلا تراجعت منزلة ولم تزل الصفة بنا حتى صار وابل الإعظام قطره وعاد قميص القيام صدره ودخلت مجلسه وحوله من الأعداء كتيبة فصار ذلك التقريب ازورارا ً وذلك السلام اختصارا والاهتزاز إيماء والعبارة إشارة وحين عاتبته آمل أعتابه وكاتبته أنتظر جوابه وسألته أرجوا جوابه , أجاب بالسكوت فما ازددت له إلا ولاء وعليه ثناء ولا جرم إني اليوم أبيض وجه العهد واضح حجة الود طويل لسان القول , رفيع حكم العذر , وقد حملت فلانا من الرسالة ما تجافى القلم عنه . والأمير الرئيس – أطال الله بقاءه – ينعم بالإصغاء لما يورده موفقا ً إن شاء الله تعالى .
11-وكتب أيضا إلى القاسم الكرجي المتوفي سنة 400 هـ :
أنا – وإن لم ألق تطاول الإخوان إلا بالتطول , وتحامل الأحرار إلا بالتحمل – أحاسب مولاي – أيده الله – على أخلاقه ضنا ً بما عقدت يدي عليه من الظن به , والتقدير في مذهبه , ولولا ذلك لقلت في الأرض مجال ٌ إن ضاقت ظلالك وفي الناس واصل إن رثت حبالك وأخذه بأفعاله . فإن أعارني أذنا واعية ونفسا ً مراعية وقلبا متعظا ً ورجوعا ً عن ذهابه ونزوعا ً عن هذا الباب الذي يقرعه ونزولا عن الصعود الذي يفرعه فرشت لمودته خوان صدري وعقدت عليه جوامع خصري ومجامع عمري وإن ركب من التعالي غير مركبه وذهب من التغالي في غير مذهبه أقطعته خطة أخلاقه ووليته جانب إعراضه .
لا أذود الطير عن شجر قد بلوت المر من ثمره
فإني وإن كنت في مقتبل السن والعمر , قد حلبت شطري الدهر وركبت ظهري البر والبحر ولقيت وفدي الخير والشر وصافحت يدي النفع والضر وضربت إبطي العسر واليسر , وبلوت طعمي الحلو والمر ورضعت ضرعي العرف والنكر فما تكاد الأيام تريني من أفعالها غريبا ً وتسمعني من أحوالها عجيبا ً ولقيت الأفراد وطرحت الآحاد فما رأيت أحدا ً إلا ملأت حافتي سمعه وبصره , وشغلت حيزي فكره ونظره وأثقلت كتفه في الحزن وكفته في الوزن ووددت لو بادر القرن صحيفتي , أو لقي صفحتي فمالي هذا الصغر في عينه وماالذي أزرى بي عنده حتى احتجب وقد قصدته ولزم أرضه وقد حضرته .
وأنا أحاشيه أن يجهل قدر الفضل , أو يجحد فضل العلم أو يمتطي ظهر التيه على أهليه وأسأله أن يخصني من بينهم بفضل إعظام إن زلت بي مرة قدم في قصده وكأني وقد غضب لهذه المخاطبة المجحفة والرتبة المتحيفة وهو في جنب جفائه يسير فإن أقلع عن عادته وترع عن شيمته في الجفاء فأطال الله بقاء الأستاذ الفاضل وأدام عزه وتأييده .
12-وكتب أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفي بالبصرة عام 255 هـ :
والله يا قليب : لولا أن كبدي في هواك مقروحة وروحي مجروحة لساجلتك هذه القطيعة ومادتك حبل المصارمة وأرجو أن الله تعالى يديل لصبري من جفائك , فيردك إلى مودتي وأنف القلي راغم . فقد طال العهد بالاجتماع حتى كدنا نتناكر عند اللقاء والسلام .
13-وكتب أبو بكر الخوارزمي المتوفي سنة 383 إلى تلميذه : كتابي وقد خرجت من البلاء خروج السيف من الجلاء وبروز البدر من الظلماء وقد فارقتني المحنة , وهي مفارق لا يشتاق إليه , وودعتني وهي كودع لا يبكي عليه , والحمد لله تعالى على محنة يجليها , ونعمة ينيلها ويوليها كنت أتوقع أمس كتاب مولاي بالتسلية واليوم بالتهنية , فلم يكاتبني في أيام البرحاء بأنها عمته ولا في أيام الرخاء بأنها سرته ! وقد اعتذرت عنه إلى نفسي وجادلت عنه قلبي . فقلت : أما إخلاله بالأولى , فلأنه شغله الاهتمام بها عن الكلام فيها . وأما تغافله عن الأخرى فلأنه أحب أن يوفر على مرتبة السابق إلى الابتداءبنفسه على محل الاقتداء لتكون نعم الله سبحانه علي موفورة من كل جهة ومحفوفة بي من كل رتبة , فإن كنت أحسنت الاعتذار عن سيدي فليعرف لي حق الإحسان وليكتب إلي بالاستحسان , وإن كنت أسأت فليخبرني بعذره أعرف مني بسره وليرض مني بأن حاربت عنه قلبي , واعتذرت عن ذنبه , حتى كأنه ذنبي وقلت يا نفس اعذري أخاك وكفاك منه ما أعطاك , فمع اليوم غد– والعود أحمد .
14-كتب بديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة 398 هـ :
اسمع نصيحة ناصح جمع النصيحة والمقه
إياك واحذر أن تكون من الثقات على ثقة
صدق الشاعر وأجاد وللثقات خيانة في بعض الأوقات : هذه العين تريك السراب شرابا ً وهذه الأذن تسمعك الخطأ صوابا ً بمعذور إن وثقت بمحذور , وهذه حالة الواثق بعينه السامع بإذنه .
وأرى فلانا يكثر غشيانك وهو الدنيء دخلته الرديء جملته السيئ وصلته الخبيث كلمته , وقد قاسمته في رزك وجعلته موضع سرك فأرى موضع غلطك فيه , حتى أريك موضع تلافيه : أفظاهره غرك ؟ أمباطنه سرك ؟ ؟ .
يا مولاي يوردك ثم لا يصدرك ويوقعك ثم لا يعذرك فاجتنبه ولا تقربه وإن حضر بابك فاكنس جنابك وإن مس ثوبك فاغسل ثيابك وإن لصق بجلدك فاسلخ أهابك , ثم افتتح الصلاة لعنه وإذا استعذت بالله من الشيطان فاعنه .
15-وكتب أبو إسحاق الصابئ إلى بعض الرؤساء :
قد جرت العادة – أطال الله بقاء الأمير – بالتمهيد للحاجة قبل موردها وإسلاف الظنون الداعية إلى نجاحها . وسالك هذه السبيل يسيء الظن بالمسؤول فهو لا يلتمس فضله إلا جزاء , ولا يستدعي طوله إلا قضاء , والأمير بكرمه الغريب ومذهبه البديع يؤثر أن يكون السلف له والابتداء منه , ويوجب على المهاجم برغبته إليه حق الثقة به . فالحمد لله الذي أفرد بالطرائق الشريفة , ووحده بالخلال المنيفة وجعله عين زمانه البصيرة ولمعته الباقية المنيرة .
16-وكتب محمد بن عياد إلى جعفر بن محمد وزير المعتز وكان يتقرب إليه :
ما زلت – أيدك الله تعالى – أذم الدهر بذمك إياه , وانتظر لنفسي ولك عقباه , وأتمنى زوال من لا ذنب له , إلى عاقبة محمودة تكون بزوال حاله , وأترك الأعذار في الطلب على الاختلال الشديد ضنا ً بالمعروف عندي إلا عن أهله وحبا ً لرجائي إلا عن مستحقه .
17-ومن أرق الاستماحة ما كتبه عبيد الله بن طاهر إلى سليمان بن وهب :
أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا واشغفنا فيمن نحب ونكرم
فقلت له : نعماك فيها أتمها ودع أمرنا إن المهم المقدم
فأعجب سليمان بلطف طلبه في تهنئته وقضى حوائجه .
18-وكتب بديع الزمان الهمذاني في بابه إلى بعض أصحابه :
لك – أعزك الله – عادة فضل في كل فضل ولنا شبه مقت في كل وقت ولعمري إن ذا الحاجة مقيد , الطلعة ثقيل الوطاة ولكن ليسوا سواء .
19-كتب أبو منصور الثعالبي المتوفي سنة 429 هـ :
الشكر ترجمان النية ولسان الطوية وشاهد الإخلاص وعنوان الاختصاص عندي من أنعامه وخاص بره وعامه , ما يستغرق منه الشكر , ويستنفد قوة النشر ,شكر الأسير لمن أطلقه والمملوك لمن أعتقه شكر كأنفاس الأحبار أو أنفاس الرياض غب الأمطار .
20-وكتب الحسن بن وهب المتوفي سنة 482 هـ :
من شكرك على درجة رفعك إليها أو ثروة أقدرته عليها فإن شكري لك على مهجة أحييتها , وحشاشة أبقيتها ورمق أمسكت به وقمت بين التلف وبينه فلكل نعمة من نعم الدنيا حد ينتهي إليه , ومدى تقف عنده , وغاية من الشكر لا يسمو إليها الطرف , خلا هذه النعمة التي فاقت الوصف وأطالب الشكر وتجاوزت قدره وأنت من وراء كل غاية رددت عنا كيد العدو وأرغمت انف الحسود , فنحن نلجأ منك إلى ظل ظليل وكنف كريم فكيف يشكر الشاكر ؟ وأين يبلغ المجتهد ؟ .
21-وكتب الأمير أبو الفضل الميكالي المتوفي سنة 436 هـ :
فأما الشكر الذي أعارني رداءه وقلدني طوقه وسناءه فهيهات أن ينتسب إلا إلى عادات فضله وأفضاله . أو يسير إلا تحت رايات عرفه ونواله , وهو ثوب لا يحلى إلا بذكر طرازه واسم حقيقته , ولسواه مجازه , ولو انه ( حين ملك رقي بأياديه واعجز وسعي عن حقوق مكارمه ومساعيه ) خلى لي مذهب الشكر وميدانه ولو يجاذبني زمامه وعنانه – لتعلقت في بلوغ بعض الواجب بعروة طمع , ونهضت فيه ولم على وهن وظلع ولكنه يأبى إلا أن يستولي على أمد الفضائل , ويتسم ذرى الغوارب منها والكواهل , فلا يدع في المجد غاية إلا سبق إليها فارضا ً وتخلف سواه عنها حسيرا ً ساقطا ً لتكون المعالي بأسرها مجموعة في ملكه منظومة في سلكه خالصة له من دعوى القسم وشركه .
22-ولما ولى الخليفة المهدي سليمان بن وهب وزارته قام إليه رجل من ذوي حرمته فقال :- أعز الله الوزير – أنا خادمك المؤمل لدولتك السعيد بأيامك المنطوي القلب على ودك المنشور اللسان بمدحك المرتهن بشكر نعمتك , وقد قال الشاعر :
وفيت كل صديق ودني ثمنا ً إلا مؤمل دولاتي وأيامي
فأنني ضامن أن لا أكافئه إلا بتسويغه فضلي وأنعامي
وإني لكما قال القيسي : ما زلت امتطي النهار إليك واستدل بفضلك عليك حتى إذا اجتن الليل فغض البصر ’ ومحا الأثر قام الرجاء يدني سائر أملي والنفس راغبة والاجتهاد عاذر وإذ قد بلغتك فقدني , فقال سليمان : لا عليك فاني عارف بوسيلتك محتاج إلى اصطناعك وكفايتك , ولست أؤخر عن يومي هذا توليتك ما يحسن عليك أثره , ويطيب لك خبره .
23-تلطف رجل من أهل الشام في استمناح المنصور :
قدم رجل من أهل الشام على أبي جعفر المنصور فتكلم معه كلاما حسنا ً فقال له أبو جعفر : حاجتك ؟ فقال : يمليك الله يا أمير المؤمنين . قال : حاجتك فإنه ليس كل ساعة يمكنك هذا ولا تؤمر به . فقال : والله ما استقصر عمرك ولا أخاف بخلك ولا اغتنم مالك وإن سؤالك لشرف وإن عطاءك لزين وما بامرئ بذل وجهه إليك نقص ولا شين . فأمر له المنصور بمنحة سنية .
وقد ألم الرجل في أكثر معانيه بقول أمية بن أبي الصلت يستمنح عبد الله ابن جدعان القرشي :
عطاؤك زين لامرئ إن حبوته ببذل وما كل العطاء يزين
وليس بشين لامرئ بذل وجهه إليك كما بعض السؤال يشين
استمناح العتابي لأحد أصدقائه
24-كتب كلثوم بن عمرو العتابي إلى صديق له :
أما بعد – أطال الله بقاءك وجعله يمتد بك إلى رضوانه والجنة – فانك كنت عندنا روضة من رياض الكرم , تبتهج النفوس بها , وتستريح القلوب إليها , وكنا نعفيها من النعجة استنماما ً لزهرتها , وشفقة على خضرتها وادخارا ً لثمرتها , حتى أصابتنا سنة كانت عندي قطعة من سني يوسف , واشتد علينا كلبها , وغابت قطتها وكذبتنا غيومها واخلفتنا بروقها , وفقدنا صالح الإخوان فيها فانتجعتك وأنا بانتجاعي إياك شديد الشفقة عليك , مع علمي بأنك موضع الرائد , وانك تغطي عين الحاسد والله يعلم إني ما أعدك إلا في حومة الأهل , واعلم أن الكريم إذا استحيا من إعطاء القليل ولم يمكنه الكثير لم يعرف جوده ولم تظهر همته . وأنا أقول في ذلك :
إذا تكرمت عن بذل القليل ولم تقدر على سعة لم يظهر الجود
بث النوال ولا تمنعك قلته فكل ما سد فقرا ً فهو محمود
قيل : فشاطره جميع ماله .
25-كتب عبد الله بن سليمان أبو العيناء المتوفي سنة 282 هـ :
أنا – أعزك الله – وعيالي زرع من زرعك إن أسقيته راع وزكا وإن جفونه ذبل وذوى , وقد مسني منك جفاء بعد بر , وإغفال بعد تعاهد , حتى تكلم عدو , وشمت حاسد , ولعبت بي ظنون رجال كنت بهم لاعبا ً ولهم مخرسا ً .
لا تهني بعد أن أكرمتني وشديد عادة منتزعة
26-كتب ابن الرومي يستعطف القاسم بن عبيد الله :
ترفع عن ظلمي إن كنت بريئا ً وتفضل بالعفو أن كنت مسيئا فو الله إني ترفع عن ظلمي عفو ذنب لم اجنه والمس الإقالة مما لا اعرفه , لتزداد تطولا ً وازداد تذللا ً وأنا أعيذ حالي عندك بكرمك من واش يكيدها واحرسها بوفائك من باغ يحاول إفسادها واسأل الله أن يجعل حظي منك بقدر ودي بوفائك ومحلي من رجائك بحيث استحق منك والسلام .
27-وكتب إليه القاسم بن عبد الله:
لو كان في الصمت موضع يسع حالي لخففت عن سمع الوزير ونظره ولم اشغل وجها ً من فكره وما زالت الشكوى تعرب عن لسان البلوى . ومن اختلت حالته كان في الصمت هلكته وقد كان الصبر ينصرني على ستر أمري حتى خذلني .
28-كتب أبو منصور الثعالبي النيسابوري المتوفى سنة 429 هـ :
نحن في الظاهر على افتراق وفي الباطن على تلاق , نحن نناجى بالضمائر ونتخاطب بالسرائر , إذا حصل القرب بالإخلاص , لم يضر البعد بالأشخاص , أنا أناجيك بخواطر قلبي , وإن كان قد غاب شخصك عني , إن أخطأتك يدي بالمكاتبة , ناجاك سري بالمواصلة , رب غائب بشخصه حاضر ٌ بخلوص نفسه إن تراخى اللقاء , فإننا نتلاقى على البعاد , ونتلاقى نظر العين بالفؤاد .
29-وكتب أيضا ً :
أنا اشتاق لك كما تشتاق الجنان , وإن لم تتقدم لهما العينان , أنا وإن كنت ممن لا يسعد بلقائك فقد اشتمل على الإنس ببقائك , والشوق إلى محاسنك التي سارت أخبارها , ولاحت آثارها لا زالت الأيام تكشف لي من فضلك والأخبار تعرض على من عقلك , ما يشوقني إليك , وإن لم أرك ويزيدني رغبة .
30-وكتب الصاحب إسماعيل بن عباد المتوفى سنة 385 هـ :
مجلسنا يا سيدي مفتقر إليك معول في شوقه عليك , ولقد توردت خدود بنفسجه وفتقت فأرة نار نجه وانطلقت السن الأوتار وقامت خطباء الأطيار وهبت رياح الأقداح , ونفقت سوق الإنس والأفراح , وقد أبت راحته أن تصفو إلا أن تتناولها يمناك واقسم غناؤه لا طيب حتى تعيه أذناك ووجنات أترجه قد احمرت خجلا ً لإبطائك وعيون نرجسه قد حدقت تأميلا للقائك ونحن لغيبتك كعقد ذهبت واسطته وشباب قد أخذت جدته , وإذا غابت شمس السماء عنا , فلا أن تدنو شمس الأرض منا , فإن رأيت أن تحضر لتتصل الواسطة بالعقد ونحصل بك في جنة الخلد , فكن إلينا أسرع من السهم في ممره , والماء إلى مقره , لئلا يخبث من يومي ما طاب , ويعود من نومي ما طار .
31-وكتب أبو بكر الخوارزمي – المتوفى سنة 383 هـ :
كتابي وأنا بما يبلغني من صالح أخبار ( السيد ) مغتبط مسرور وبما يعرفه الزمان وأهله من اعتضادي به مصون موفور , والله على الأولى محمود وعلى الأخرى مشكور , التطفل وإن كان محظورا ً في غير مواطنه فانه مباح في أماكنه وهو وأن كان في بعض الأحوال يجمع عارا ووزرا ً فانه في بعضها يجمع فخرا ً وذخرا ً , ورب فعل يصاب به وقته فيكون سنة , وهو غير في وقته بدعة , وقد تطفلت على السيد بهذه الأحرف , اخطب بها مودته إليه , واعرض فيها مودتي عليه واسأله أن يرسم لي في لساني وقلبي رسما ً , ويخيم عليهما ختما ً فقد جعلتهما باسمة وقصرتهما على حكمه , وسأضعهما تحت ختمه , وبرئت إليه منهما وصرت وكيله فيهما , فهما على غيره حمى لا يقرب وبحيرة لا تحلب ولا تركب , ولما نظرت إلى أثار السيد على الأحرار ونشرت طراز محاسنه من أيدي القاصدين والزوار ورأيت نفسي غفلا ً من سمة مودته وعطلا ً من جمال عشرته حميتها من أن يحمى عليها ورد مورود ويحسر عنها ظل على الجميع ممدود , وعجبت من :
32-وكتب بديع الزمان الهمذاني المتوفى سنة 398 هـ :
يعز علي – أطال الله بقاء مولاي – أن ينوب في خدمته قلمي عن قدمي ويسعد برؤيته رسولي دون وصولي ويرد مشرعة الإنس به كتابي , قبل ركابي ولكن : ما الحيلة والعوائق جمة !! . وعلي أن أسعى وليس علي أدراك النجاح ، وقد حضرت داره وقبلت جداره, وما بي حب الحيطان ولكن شغفا ً بالقطان , ولا عشق الجدران ولكن شوقا إلى السكان :
أمرُّ على ديار سلمى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا
وحين عدت العوادي عنه , أمليت ضمير الشوق على لسان القلم , معتذرا ً إلى مولاي على الحقيقة عن تقصير وقع وفتور في الخدمة عرض , ولكني أقول :
إن يكن تركي لقصدك ذنبا ً فكفى أن لا أراك عقابا ً
33-وكتب أبو محمد عبد الله البطيلوسي المتوفى سنة 627 هـ :
يا سيدي الأعلى وعمادي الأسنى وحسنه الدهر الحسنى الذي جل قدره وسار مسير الشمس ذكره ومن أطال الله بقاءه لفضل يعلى منارة وعلم يحيي آثاره – نحن ( أعزك الله ) نتدانى إخلاصا , وإن تناءينا أشخاصا ً , ويجمعنا الأدب ولأن فرقنا النسب , فالأشكال أقارب , والآداب مناسب وليس يضر تنائي الأشباح إذا تقاربت الأرواح :
نسيبي في رأيي وعلمي ومذهبي وإن باعدتنا في الأصول المناسب
34-وكتب بديع الزمان الهمذاني المتوفى سنة 398 هـ :
أراني أذكر ( مولاي ) إذا طلعت الشمس , أو هبت الريح , أو نجم النجم أو لمع البرق أو عرض الغيث , أو ذكر الليث , أو ضحك الروض وإني للشمس محياه وللريح رياه , وللنجم حلاه وعلاه , وللبرق سناؤه وسناه وللغيث نداه ونداه , وفي كل صالحة ذكراه وفي كل حادثة أراه فمتى أنساه ؟ ولشدة شوقاه عسى الله أن يجمعني وإياه .
35-وكتب أبو عثمان بن عمرو بن بحر بن الجاحظ المتوفي بالبصرة سنة 255 هـ :أما بعد : فنعم البديل من الزلة الاعتذار وبئس العوض من التوبة الإصرار , فانه لا عوض من إخائك ولا خلف من حسن رأيك , وقد انتقمت مني في زلتي بجفائك , فأطلق أسير تشوقي إلى لقائك فأنني بمعرفتي بمبلغ حلمك وغاية عفوك , ضمنت لنفسي العفو من زلتها عندك , وقد مسني من الألم ما لم يشفه غير مواصلتك .
36-وكتبت زبيدة زوجة الرشيد المتوفاة سنة 216 هـ إلى المأمون :
كل ذنب – يا أمير المؤمنين – وإن عظم صغير في جنب عفوك , وكل إساءة وإن جلت يسيرة لدى حلمك , وذلك الذي عودكه الله أطال مدتك , وتمم نعمتك وأدام بك الخير , ودفع عنك الشر والضير .
وبعد : فهذه رقعة الولهى – التي ترجوك في الحياة لنوائب الدهر , وفي الممات لجميل الذكر – فإن رأيت أن ترحم ضعفي واستكانتي وقلة حيلتي وأن تصل رحمي وتحتسب فيما جعلك الله له طالبا ً وفيه راعيا ً – فافعل وتذكر من لو كان حيا لكان شفيعي إليك .
37-وكتب إليها المأمون جواب المواساة الآتي :
وصلت رقعتك يا أماه – أحاطك الله وتولك بالرعاية – ووفقت عليها وساءني – شهد الله – جميع ما أوضحت فيها لكن الأقدار نافذة والأحكام جارية , والأمور متصرفة , والمخلوقون في قبضتها لا يقدرون دفاعها والدنيا كلها إلى شتات وكل حي إلى ممات والغدر والبغي حتف الإنسان والمكر راجع إلى صاحبه .
وقد أمرت برد جميع ما اخذ لك ولم تفقدي ممن مضى إلى رحمة الله إلا وجهه , وأنا بعد ذلك على أكثر مما تختارين والسلام .
38-كتب البديع إلى بعض إخوانه يعزيه وينصح له :
وصلت رقعتك ( يا سيدي ) والمصاب لعمر الله كبير , وأنت بالجزع جدير ولكنك بالصبر أجدر , والعزاء عن الأحبة رشد كأنه الغي , قد مات الميت فليحيى الحي , فاشدد على مالك بالخمس , فأنت اليوم غيرك بالأمس , قد كان ذلك الشيخ رحمه الله وكيلك تضحك ويبكي لك , وقد مولك مما ألف بين سراه وسيره وخلفك فقيرا ً إلى الله غنيا ً عن غيره , وسيعجم الشيطان عودك , فإن استلانك رماك بقوم يقولون : خير المال ما تتلفه بين الشراب والشباب وتنفقه بين الحباب والأحباب , والعيش بين القداح والأقداح ولولا الاستعمال لما أريد المال , فإن أطعتهم فاليوم في الشراب وغدا في الخراب , واليوم واطربا للكأس وغدا واحربا من الإفلاس . يا مولاي : ذلك الخارج من العود يسميه الجاهل نقرا ً فقرا ً وذلك المسموع من النأي هو في الآذان زمر , وفي الأبواب سمر , وإن لم يجد الشيطان مغمزا ً في عودك من هذا الوجه , رماك بآخرين يمثلون الفقر حذاء عينيك , فتجاهد قلبك وتحاسب بطنك وتناقش عرسك , وتمنع نفسك وتبوء في دنياك بوزرك وتراه في الآخرة في ميزان غيرك لا , ولكن قصدا ً بين الطريقين وميلا ً عن الفريقين لا منع ولا أسرفا , والبخل فقر حاضر عاجل , وإنما يبخل المرء خيفة ما هو فيه .
ومن ينفق الساعات في جمع ماله مخافة فقر فالذي فعل الفقر
فليكن لله في مالك قسم , وللمروءة قسم فصل الرحم ما استطعت وقدر إذا انقطعت , فلأن تكون في جانب التقدير , خير من أن تكون في جانب التبذير .
39-وكتب أبو الفضل بديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة 398 هـ إلى ابن أخته : أنت ولدي ما دمت : والعلم شأنك والمدرسة مكانك والمحبرة حليفك والدفتر أليفك , فإن قصرت ولا أخالك فغيري خالك , والسلام
40-وكتب ابن العميد المتوفى سنة 360 هـ في شكر صديق له على مراسلته إياه : وصل ما وصلتني به ( جعلني الله فداك ) من كتابك بل نعمتك التامة ومنتك العامة فقرت عيني بوروده , وشفيت نفسي بوفوده , ونشرته فحكي نسيم الرياض غب المطر , وتنفس الأنوار في السحر وتأملت مفتتحة وما اشتمل عليه من لطائف كلمك وبدائع حكمك فوجدته قد تحمل من فنون البر عنك , وضروب الفضل منك جدا ً وهزلا ً ما ملأ عيني وغمر قلبي , وغلب فكري وبهر لبي , فبقيت لا ادري , اسموط در خصصتني بها أم عقود جوهر منحتنيها ولا ادري : أجدك ابلغ وألطف ؟ أم هزلك ارفع وأظرف ؟ وأنا أوكل بتتبع ما انطوى عليه نفسا ً لا ترى الحظ إلا ما اقتنيته منه , ولا تعد الفضل إلا فيما أخذته عنه , وأمتع بتأمله عينا لا تقر إلا بمثله مما يصدر عن يدك , ويرد من عندك , وأعطيه نظرا ً لا يمله , وطرفا ً لا يطرف دونه واجعله مثالا ً ارتسمه واحتذيه وأمتع خلقي برونقه , وأغذي نفسي ببهجته , وامزج قريحتي برقته , واشرح صدري بقراءته ولئن كنت عن تحصيل ما قلته عاجزا ً وفي تعديد ما ذكرته متخلفا ً لقد عرفت انه ما سمعت به من السحر الحلال .
41-وكتب أبو عثمان عمرو بن الجاحظ المتوفى بالبصرة سنة 255 هـ :
ليس عندي من الكرم والرحمة والتأميل الذي لا يكون إلا من نتاج حسن الظن , واثبات الفضل بحال المأمول , وأرجو أن أكون من الشاكرين , فتكون خير معتب وأكون أفضل شاكر , ولعل الله يجعل هذا المر سببا ً لهذا الأنعام وهذا الأنعام سببا ً للانقطاع إليكم , والكون تحت أجنحتكم , فيكون لا أعظم بركة ولا أنمى بقية من ذنب أصبحت فيه وبمثلك ( جعلت فداك ) عاد الذنب وسيلة والسيئة حسنة , ومثلك من انقلب به الشر خيرا ً والغرم غنما ً , من عاقب فقد اخذ حظه وإنما الأجر في الآخرة , وطيب الذكر في الدنيا على قدر الاحتمال , وتجرع المرائر , وأرجو أن لا أضيع ( واهلك ) فيما بين كرمك وعقلك وما أكثر من يعفو عمن صغر ذنبه , وعظم حقه , وإنما الفضل والثناء بالعفو عن عظيم الجرم , ضعيف الحرمة وإن كان العفو العظيم مستطرفا ً من غيركم فهو تلاد فيكم , حتى ربما دعا ذلك كثيرا ً من الناس إلى مخالفة أمركم فلا انتم عن ذلك تنكلون ولا على سالف إحسانكم تندمون ولا مثلكم إلا كمثل عيسى ابن مريم حين كان لا يمر بملأ من بني إسرائيل إلا اسمعوه شرا ً واسمعهم خيرا ً فقال له ( شمعون الصفار ) : ما رأيت كاليوم ! كلما أسمعوك شرا ً أسمعتهم خيرا ً ؟ فقال : (( كل امرئ ينفق مما عنده )) , وليس عندكم إلا الخير ولا في أوعيتكم إلا الرحمة , وكل إناء بالذي فيه ينضح .
42-كتب أبو منصور الثعالبي النيسابوري المتوفي سنة 429 هـ :
الكريم إذا قدر غفر وإذا أوثق أطلق , وإذا اسر اعتق , قد هربت منك إليك واستعنت بعفوك عليك , فأذقني حلاوة رضاك عني , كما أذقتني مرارة انتقامك مني , الحر كريم الظفر , إذا نال أقال , واللئيم إذا نال استطال قد هابك من استتر ولم يذنب من اعتذر , تكلف الاعتذار بلا زلة كتكلف الدواء بلا علة , مولاي يوجب الصفح عند الزلة كما يلتزم البذل عند الخلة مولاي يوليني صفيحة ويؤتيني العفو من عفوه زللت وقد يزل العالم الذي لا أساويه , وعثرت وقد يعثر الجواد الذي لا أجاريه , لا تضيقن عني سعة خلقك , ولا تكدرن علي صفو ودك , ما لي ذنب يضيق عنه عفوك , ولا جرم ٌ يتجافى تجافي تجاوزك وصفحك , والسلام .
43-رسالة أبي حيان التوحيدي إلى ابن العميد :
"اللهم هب لي من أمري رشدا ً ووفقني لمرضاتك أبدا , ولا تجعل الحرمان علي رصدا ً أقول لما رأيت شبابي هرما بالفقر , وفقري غنيا ً بالقناعة , وقناعتي عجزا ً عند أهل التحصيل , عدلت إلى الزمان اطلب إليه مكاني فيه , وموضعي منه فرأيت طرفه نابيا ً , وعنانه عن رضاي منثنيا ً . . . حتى لاحت لي غرة الأستاذ , فقلت : حل بي الويل وسال بي السيل أين أنا من ملك الدنيا والفلك الدائر بالنعمة , أين أنا من مشرق الخير ومغرب الجميل ؟ أين أنا من بدر البدور وسعد السعود ؟ أين أنا عمن يرى البخل كفرا ً صريحا ً والأفضال دينا صحيحا ً ؟ أين أنا عن سماء لا تفتر عن الهطلان وعن بحر لا يقذف إلا باللؤلؤ والمرجان ؟ أين أنا من فضاء لا يشق غباره وعن حرم لا يضام جاره ؟ أين أنا عن الباع الطويل والأنف الأشم والمشرب العذب والطريق الأصم ؟ لم لا اقصد بلاده ؟ لم لا اقتدح زناده ؟ لم لا انتجع جنابه وأرعى مزاده ؟ لم لا اسكن ريعه ؟ لم لا استدعي نفعه ؟ لم لا اخطب جوده واهتصر عوده ؟ لم لا استمطر سحابه ؟ لم لا استسقي ربابه ؟ لم لا استميح نيله واستحب ذيله ولا أحج كعبته واستلم ركنه ؟ لم لا أصلي إلى مقامه مؤتما ً بإمامه ؟ لم لا أسبح ببنانه مقدسا ً ؟
فتى صيغ من ماء الشبيبة وجهه فألفاظه جود وأنفاسه مجد
لم لا اقصد فتى للجود في كفه من البحر عينان نضاختان , لم لا أمتري معروف :
فتى لا يبالي أن يكون بجسمه إذا نال خلات الكرام شحوب
لم لا امدح : .................................................. ...............
فتى يشتري حسن المقال بروحه ويعلم أعقاب الأحاديث في غد
نعم لم لا انتهي في تقريظ فتى لو كان من الملائكة لكان من المقربين , ولو كان من الأنبياء لكان من المرسلين , ولو كان من الخلفاء لكان نعته اللائذ بالله . أصلح أديمي فقد حلم وجدد شبابي فقد هرم . وانطق لساني في اصطناعي فقد شردت صحائف النجح عند انتجاعي , ورش عظمي فقد براه الزمان , واكس جلدي فقد عراه الحدثان . اللهم فاحي به بلادك , وأنعش برحمته عبادك , وبلغه مرضاتك واسكنه فردوسك , وادم له العوم النامي والكعب العالي , والمجد والتليد والجد السعيد " . . الخ . . . ..
المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا-
hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)