القصيدة الرابعة :
وتعالي
لا أحتاجُ اللحظة َإلآ أنْ تقفي مثلَ الألفِ المَمْدودةِ
وأمامَكِ أجثو مثلَ الدالْ
أقدَسُ ما في كلِّ مَواقفِ عشقي أنْ تجثو الدالْ
وتـُصلـّي لتـُكوِّنَ والألـفَ الممْدودة أروع تمثالْ
وأنا عندي للقبلةِ عاداتٌ وطقوسٌ أعظمُها أنْ أضعَ الشـفتينْ
في أيِّ مكان ٍفوقَ الألفِ المَمشوقةِ يُمكنُ أن يَهويَ رأسُ الدال ِعليهِ
لا اُخفيكِ السرَّ أنا مشلولُ القدمينْ
ومَساماتُ الانثى تـَتساوى في قانون نيوتنَ للجَذبِ
فالألـَقُ المُبحرُ في العينينْ
يتساوى والعسلَ الممزوجَ معَ الخمرةِ في الشفتينْ
يتساوى وهجومَ الرمّان ِالمتوَحِّش ِفي النهدينْ
يتساوى والترفَ المصقولَ على القدمينْ
* * *
عفوا ً، لا تنسَي عندَ مَجيئكِ في الموعدِ لو خـَضـَّبْتِ الشـَعْرَ بحنـّاءْ
كانتْ اُمّي في ِليل هلال العيدْ
تـَصْبغُ كـَفـَّيَ حينَ أنامُ بها ،
تـُمْطرُني قـُبَلا ًودُعاءْ
تـُسْمِعُني بالصوتِ العَذبِ غِناءْ
(يا الأولادْ يا الأولادْ
راحَوا تجّار لبغدادْ
جابَوا رمّان مكسَّرْ
خلـّي العدو يتحسَّرْ)*
وأنا مُذ كنـْتُ صغيرا ًاعْشقـُها
كنـْتُ اُقبِّلُ كفَّ الحنـّاء المطبوع ِعلى بابِ الِمسجدِ في حارتِنا
وأرى في ذلكَ دفعَ بَلاءْ
واُحسُّ بأنَّ بها رائحة َاللهِ وألمسُ فيها جدرانَ سماءْ
لا تـَنسَي رائحة َالحنـّاءْ
أشواقي تـَتـَناسَخُ فيها ،
يَتجَلـّى العقلُ الباطنُ في أسمى لحظاتِ حلولْ
وأنا لسْتُ اُفرِّقُ بينَ رشاقةِ مِئـْذنةٍ ورشاقةِ اُنثى هيفاءْ
فمَناسِكُ روحي دائخة ٌبينـَهما وتراتيلي صَمتٌ وذهولْ
وصلاتي رقصٌ وبكاءْ
ودعائي عَزفٌ في ناي ٍ مقتولْ
وتعالي فمنارة ُشوقي مُنـْتصبهْ
وأنا عودٌ مِنْ كبريتٍ قدْ اُشـْعِلُ أو اُشـْعَلُ ،
لا فرْقَ فكلُّ مَساماتي مًلتهبهْ
وتعالي ساًقدّمً لكِ أطيبَ حلوى ،
مَنـَّا ًمِمّا خـَلـَقَ اللهً وسَلوى
ملعونٌ مَنْ قـَسَّمَ عشـْقَ الإنسانِ إلى قسمينْ :
عذريٍّ وإباحيٍّ
إنَّ الأحلى حينَ نكونُ مَعا ًأنْ نـُلـْغيَ هذين ِالاثنينْ
* * *
شـَعْري أبيضُ؟!
لا أقدرُ أنْ اُخفيَهُ عنكِ كما تبغـَينْ
لكنْ اُقسِمُ قدْ كانَ ومُذ ْ سنواتٍ عشرينْ
أسودَ أسودَ يُشـْبهُ لافتة َالنـَعـْي اللابُدَّ ستـُنشـَرُ في يوم ٍما
في إحدى ساحاتِ مَحلـَّتِنا تـَنعى فيَّ العمرَ المِسكينْ
أسناني ناقصة ٌ؟!
لا حولَ ولا قوّة َإلآ!!........
هلْ عَيْبٌ في ذلكَ ؟!
فلـْتثقي اثنين ِ لقدْ كانتْ وثلاثينْ
اثنين ِلقدْ كانتْ وثلاثينْ
وتعالي نـَسمعُ فيروزَ مَعا ًونطيرْ
نـَبْحثُ معَها عنْ (شادي)
مُذ ْ سنواتٍ خمسينَ لقدْ ضاعَ وما زالَ صغيرْ
نبْحثُ عنه فرُبَّتـَما نلقاهُ يُسابقُ فرّاراتِ وَرَقْ
ويُغنـّي فـَرَحا ً وألـَقْ
ويصادقُ وردا ًوعصافيرْ
لكنْ أخشى أنْ تـَغتالَ الصوتَ الفبروزيَّ القادمَ مِنْ مَلكوتٍ طائرة ٌ
أو عبوة ُتفجيرْ
* * *
عَفـْواً أخشى أنْ يَتزامَنَ مَوعدُنا معْ تـَيّار ِالكهْربةِ المقطوع ْ
وأنا أعشقُ في الانثى عَسَلا ًيُرشـَفُ والعطرُ يَضوع ْ
وأنا مُرتفعٌ عندي الضغطـُ
فكيفَ يُسَوَّغُ أنْ أشربَ مِنْ خدّيكِ المطرَ المالحَ
واشمَّ بجيدكِ رائحة ًتـَجعلُ مِنْ غزلي فيكِ أكاذيبْ
إنـّي أبحثُ في المرأةِ عن اِضمامةِ وردٍ ، عن قارورةِ طيبْ
أبحثُ فيها عن أنفاسِ التفـّاح ِوعن موسم تين ٍوزبيبْ
لـُطـْفاً ، أعرفُ انـّكِ قدْ أدْمنـْتِ قراءاتٍ في كتبِ الدين ِ
فأجيبيني :
في الجنـّةِ أديسونْ أمْ في النارْ ؟؟
إنْ كانَ سيُحْشـَرُ في نار فلـَرُبَّتـَما يُنـْشِىءُ فيها أحْدثَ أجهزةِ التكييفْ
وتعالي فالعُمْرُ خريفْ
والمجهولُ القادمُ يُرعبُني والجوُّ مُخيفْ
والعقلُ الباطنُ يَصرخُ في رأسي:
يا اُمّي:
(الطنطلُ)* في هذي الظلمةِ
مَنْ يقتلُ هذا الطنطلْ؟
والكابوسُ المُزمنُ يُرعبُني يَخنقُ صوتي ،
يَجْثمُ فوقَ الصدر ولا يَرحلْ
وتعالي زخـّي فوقي أمطارَ الدهشةِ فسنينُ العُمْر ِصحارى وصَدى
والاُفقُ تـَقـَلـَّصَ فيه مَدى
وتعالي
وقِفي كالألِفِ المَمشوقةِ إنـّي مثلَ الدال ِسأجثو
يا أجملَ قنديلْ
وطقوسُ الأحزانِ تـُطالبُني أنْ أجعلَ منْ ثوبك منديلْ
إنـّي وطنٌ تسكنـُني ملياراتُ النـَسماتِ مِنَ الدمع ِ
وهيَ تـُطالِبُ مَجلسَ أمن ِالامم ِالمُتـّحدَهْ
أنْ يَمْنحَني حَقـّي في تقرير ِ مصير ِالأحزانِ لأبكي
وأنا لسْتُ اُؤرخ عُمري بالتقويم ِالميلاديِّ ولا الهجْريِّ
ولكنْ بالتقويم ِالمُحْزن ِوالمُبْكي
سَنـَة ُالأحزانِ مُكـَوَّنـَة ٌعندي مِنْ آلافِ الأشهرِ والليلُ بها مُرٌّ وطويلْ
فيها للحجِّ مواسمُ تسعى عينايَ بها ما بينَ تضاريس ِالشـَفـَةِ المعْسولةِ
والشعرِ الحائر ِ
والنهْدِ الثائر ِيُوشكُ تمزيقَ الثوبِ النافر ِ
فافيضُ ذهولا ًوعويلْ
واُهرْولُ والجسمُ نحيلْ
واُردِّدُ لغـْوا ًوتراتيلْ
فتعالي كيْ أجعلَ مِنْ ثوبكِ مِنديلْ
واُمارسُ حقـّي في أنْ أبكي
إنَّ الحزنَ ثقيلْ
وتعالي يا مثلَ الألِفِ المَمْشوقةِ إنـّي مثلَ الدال ِسأجثو واُطيلْ
فتعالي أفديكِ تعالي
فالعُمْرُ تـَنادى لرحيلْ
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
* هذه ترقيصة تؤديها الامهات العراقيات لصغارهنّ .
* الطنطل: كائن خرافي في الميثولوجيا الشعبية العراقية يسكن في الظلام يخيف الاطفال.
أقف حائرة أمام هذه القصيدة ...
كيف يمزج الشاعر رؤاه ذات الألوان المختلفة في الطيف الضوئي ( السياسة ...الدين ...الواقع ...الرجل المضمون ....الطفولة ...الكهولة ...) ليكون لوناً واحداً متماوجاً صريحاً ...يغمس فيه ريشة الوصف لتتشرب حتى الثمالة ؟ ثم إذا وصل إلى تشكيل المرأة يختصر اللوحة بالمرأة الجسد .. شكلاً بغير مضمون .. فيخط المرأة حرفاً وإن كان ممشوقاً ( الألف ) ويخط علاقة الرجل بها حرفاً منحنياً كأنه يتهيّأ للسجود ( الدال )....السجود للجسد ليس إلا ...
من هي المرأة عندك أيها الشاعر الذي أوقعت نفسك في مأزق الجسد الذي يطفو على السطح وما له من ثقل داخلي يشير إلى قرار عميق فيه ..ثم حاولت نفي التهمة عنك بنداء استغاثة أطلقته للمآذن... وللحناء على باب المسجد وللصلاة رقصاً وبكاء ..لا ينجيك هذا أبداً من التهمة الموجهة إليك ...
لو كان الرجل عاشقاً في نصك ...لعرّفنا على تلك المرأة كشخص يمتلك قدرة التأثر والتأثير والانفعال والتفاعل ...ولكنها لم تبدُ إلا كصنم مرمري أملس وكلاهما معا ( الرجل والمرأة في نصك ) بدوا تمثالاً حقيقياً مكوناً من جزأين متلاصقين وعلى الرغم من فرادة هذا التصميم ..إلا أنه لم ينل حقه من الإشعاع الداخلي في روح الجزء الممثل للمرأة فيه ..فقد حرمت نفسك وحرمت القارئ من متعة اكتشافه ....ذلك لأن ما بداخل الرجل في قصيدتك ...كان يخصه وحده ..كان عالمه منفصلاً عن عالمها في تصويرك للحظة اللقاء..فهو الرجل الإنسان الممتلئ بأسباب البكاء ( وطن )
إنـّي وطنٌ تسكنـُني ملياراتُ النـَسماتِ مِنَ الدمع ِ
أما هي فليست ذات ملامح واضحة ...هي أنثى وحسب ...جسد وحسب...ليس عليها أن تتفاعل حتى أن قدرتها على الانفعال مشكوك فيها بعد أن حجّرها التمثال الممشوق..هكذا يراها الشاعر إذن ...ويحرِّم عليها الانفعال والتعبير عن معاناتها عندما يرفض تقبل الماء المالح على خديها بتأثرها بحال الوطن
فكيفَ يُسَوَّغُ أنْ أشربَ مِنْ خدّيكِ المطرَ المالحَ..
امرأة بغير وجع مطلوبة له..امرأة بغير شخصية ..
حتى أن ملامحها متداخلة عنده ..وكلها سيان في لحظة تمثله لذكورته
ومَساماتُ الانثى تـَتساوى في قانون نيوتنَ للجَذبِ
فالألـَقُ المُبحرُ في العينينْ
يتساوى والعسلَ الممزوجَ معَ الخمرةِ في الشفتينْ
يتساوى وهجومَ الرمّان ِالمتوَحِّش ِفي النهدينْ
يتساوى والترفَ المصقولَ على القدمينْ
صحيح أن الصور الشعرية الحارة تسوغ متابعة القراءة بشغف..لكن هذا لا يمنع من البحث عن شخصية تلك المرأة الإنسان حتى وإن كانت أنثى..
أفلا تكون أنثى ذات مشاعر ...وردود أفعال ؟
ثوبك منديل ..لمسح الدموع ؟؟ ...
فأنتِ كجسد ..أنت ِمؤاساة للرجل الذي يعترف بمعاناته هو كإنسان
شـَعْري أبيضُ؟!
لا أقدرُ أنْ اُخفيَهُ عنكِ كما تبغـَينْ
...
أسناني ناقصة ٌ؟!
لا حولَ ولا قوّة َإلآ!!........
.....
وأنا مُرتفعٌ عندي الضغطـُ
.....
وتعالي زخـّي فوقي أمطارَ الدهشةِ فسنينُ العُمْر ِصحارى وصَدى
....
ثم إطلالة على العقل الباطن ..
لا تـَنسَي رائحة َالحنـّاءْ
أشواقي تـَتـَناسَخُ فيها ،
يَتجَلـّى العقلُ الباطنُ في أسمى لحظاتِ حلولْ
لكن أنت أيتها المرأة لست سوى جسد ....ولا نلمح من ملامحك لا عقلاً باطناً ولا ظاهراً ...لذا فالشاعر يعاملك معاملة الأطفال فيقدم لك الحلوى ليغريك بالحضور فإن كانت الحلوى مطلبك فستلبين النداء
وتعالي ساًقدّمً لكِ أطيبَ حلوى ،
مَنـَّا ًمِمّا خـَلـَقَ اللهً وسَلوى
ملعونٌ مَنْ قـَسَّمَ عشـْقَ الإنسانِ إلى قسمينْ :
إنَّ الأحلى حينَ نكونُ مَعا ًأنْ نـُلـْغيَ هذين ِالاثنينْ
ستأتين.. الشاعر لا يخشى عدم مجيئك... لكنه يخشى ما يحدث في الواقع ..هنا تتدخل السياسة كجانب آخر ينعكس على المرأة جسداً وليس روحاً فرائحة جيدها لن تكون كما يرغب الشاعر الرجل
لكنْ أخشى أنْ تـَغتالَ الصوتَ الفيروزيَّ القادمَ مِنْ مَلكوتٍ طائرة ٌ
عَفـْواً أخشى أنْ يَتزامَنَ مَوعدُنا معْ تـَيّار ِالكهْربةِ المقطوع ْ
وأنا أعشقُ في الانثى عَسَلا ًيُرشـَفُ والعطرُ يَضوع ْ
فكيفَ يُسَوَّغُ أنْ أشربَ مِنْ خدّيكِ المطرَ المالحَ
واشمَّ بجيدكِ رائحة ًتـَجعلُ مِنْ غزلي فيكِ أكاذيبْ
..شعر جميل.. .مدهش ....مثير للجدل جداً ..جداً ....
كنت أبحث فيه عن صورة المرأة التي أحبها فعثرت فيه على صورة الرجل الذي أكرهه ...
أحيي الشاعر..