|
الشمس تكفي لترقى حولها الفكرُ |
فكيف إن جاء معقودًا بها القمرُ |
أواه قلباه كم عانيتَ من ألمٍ |
عاينت جيشَ المرامي كيف يندحرُ |
وعدت تلثم بالأعماق تحسبها |
مرقى الشفاء ، ولكن خانها العبَرُ |
وهي التي بارح الإنصافُ رونقَها |
وهي التي بسواها يحتمي العمُرُ |
ورحت تسأل بالأطياف عن سببٍ |
على شواطئه الأوتاد تبتكرُ |
وما علمت بأنَّ السُّهد قافية |
يلهو بها الزَّهر ، والبيداء ، والمطرُ |
الشمس تكفي فلا تسمعْ لمن عذلوا |
فأنت ذو قيَمٍ ، بيْنا هم انحدروا |
لكي تزفَّ إلى الجوزاءِ مفتخرًا |
أحلى الأغانيَ ، لا يدنو لك الكدرُ |
واكبْ عيون الصَّبايا دونما غزلٍ |
فقد تصافيَ أبهى شِعرَها العبرُ |
دعِ البصيرةُ تشدو عن جواهرها |
حتى يضيءَ الدُّجى من نورها البصرُ |
واصدقْ بوصفك مرتادًا بلاغتها |
عينُ المحاسن من خدّيك تنهمرُ |
أواه قلباه أنت الآن تبعث لي |
ألحانَ روحٍ تباكى حولها الوترُ |
كالنّاي يسحر بالعشاق متئدًا |
حتى إذا هزَّهم ليل النَّوى نفروا |
أبثّك الشعر آفاقًا مزوَّقةً |
فارحمْ أديبًا سلاه الدرب والشجرُ |
الشمس تكفي ، فخذْ يا صاحبي جمًلاً |
تنسيك من وحشة الألفاظ ما ذكروا |
وانشرْ قلائد أوطارٍ نستظلُّ بها |
إلا التي منك بالقداح تعتمرُ |
أمسكْ خيوطَ المعالي فهي ناظرة |
بحور وصلك يا من زادك الظفرُ |
فالشمس تكفي ولو وافى نمارقها |
بدر البدور ، لترقى في الهوى الفكرُ |
حكايتي صاحِ ذكرىً ليس تنحصرُ |
أين الألى طربًا عن عَيْنِها شعروا |
الغيثُ والضَّوءُ في دنيا الوفا اجتمعا |
وأنتَ بينهما الألوانُ والصُّوَرُ |
فالقلبُ مبتهلٌ ، والفكرُ منشغلٌ |
والسَّمع منذهلٌ ، واستمتعَ البصرُ |
لذا حدائق روحي رقَّ مبعثها |
في بهجةِ الحسْنِ يندى وصفُها العطِرُ |
رقيقةُ الحسِّ تيمًا قال قائلها |
طوبى لمن نحو معنى مهجتي عبروا |
تيمَّموا بشذى الإحسان ما التفتوا |
إلا لروح التلاقي حيثما أمروا |
أثرَوْا من الصدق والإخلاص واغتنموا |
من جنَّتي مقصدًا أسمى فما عثروا |
ما أجمل الطيف يُبكينا ويعتذرُ |
يسري يمر على الأطلال يعتمرُ |
ما أجمل الطيف تغرينا مباهجه |
تضمد الجرح إذ نغفـو ، وتـنـتـظرُ |
تهفو إلى أكُرِ الماضين تسألها |
عن الرسوم التي أودى بها العَبرُ |
عن العيون اللواتي جفّ مدمعها |
من فرط ما تفعل الأيام والصورُ |
تجوز هيبتها ما كان من زمنٍ |
تطويه مشتاقــة ، والليل محتضرُ |
كأنها ـ وحصار الغلِّ أثقلها |
شذى المصائر تلهو حوله العُصرُ |
تهوى الينابيع علّ الأهل قد حضروا |
تـقـبّـل الشمس علّ الناس قد صبروا |
ما أجمل الطيف لو يحكي به الزهَرُ |
هذي خواطره ، والشعر والوتَرُ |
تغازل السَّحَرَ الملهوف تحرسه |
كالنازحين وفي أضعانهم خبرُ |
كالنازحين وقد طال المسير بهم |
حتى إذا أشرفوا أبكتهم الغُدُرُ |
يا طيفُ : عيني وقد تهواك مسرفة |
فهل وفيت لها ، أم خانك الحذرُ ؟ |
يا نازح الدار حزنُ الطيف أخجلني |
ومن لوامعه يـشّـقــق القمرُ |
يا نازح الدار لا شيء يُصبره |
ولا أنيس بعيد القحط لا مطرُ |
إلاك أنت فخذ قلبي وخاطرتي |
إلاك أنت فصبرًا أننا بشرُ |
ما أجمل الطيف يوحيه الندى العطرُ |
لعل شِعريَ في معناه ينهمرُ |
لعله يستقي ريّـــاه قـافـيـة |
لعلني كيفما ألقاه أفـتـخـرُ |
لعلني أبتدي بالسرّ مرتجـــلاً |
مالي أكاتمـــه والفكر مزدهرُ ؟ |
فلي فؤاد سريع النبض من ولـــهٍ |
وقـــد توسّد في دقاته القدرُ |
أكرمته فتناهى بالوفاء وكم |
نادى على من نمــاه الودّ والظفرُ |
أيامُ عزٍّ وغـنّــاءٌ بها العمُــرُ |
يطوف بالحبّ آنـــًا ثـــم ينتظـــــرُ |
ملامـــحُ الشــرقِ فيها جـدّ بيّنــــةٍ |
والشرقُ يبسُــم أنّى ردّه الســـــفرُ |
تحلو بــها نسماتُ الفجر تـنعشـنا |
يطير شوقــًا على أنفاسـها الخبــرُ |
ضوءٌ من الغيب ناداهــا وقال لنا |
أيّام عزّيَ لاحت كلها عبـــرُ |
آياتها نــــاطقاتٌ دونـما لغـــــةٍ |
لأنّها ذاتُ شــأنٍ دونه القمـــــرُ |
وإنّـها من زمانٍ دار دورتُــــه |
تـرقـبـوهــا إذاً يا أيّـها البشــــــرُ |
أيامُ عزٍّ ربيبَ الظلم مـخـبرةٌ |
أين المفـرّ وهذا الكون مستعــــرُ ؟ |
لا بُعـدَ رابع يُغــــني لا مغامـــــرةٌ |
ولا الأســاطيـلُ قـد تُـدوي ولا الفكرُ |
فاحملْ بقاياك من بؤسٍ ومن دجــلٍ |
أيام عزيَ لا تـبقي ولا تـــذرُ |
تـدوفُ بالسُّمّ زادَ الناس مستـتـرًا |
ولعبة الموت في أهليك تستـتـــرُ |
إلى جهنّـم بئسَ الرفــد قد فُـتحت |
أبوابُها حيث تجثو بعدك الزُّمَـرُ |
مثوى الطغاة ومن عاشوا بلا شرفٍ |
يقـتـلـون البرايا أينـما نفــــروا |
إذ ذاك تطفي حريقَ النفسِ ملحمتي |
والعالم الحـرّ في بلواه يحـتضـرُ |
ويغسل الحبُّ أدرانَ القلوب فــــلا |
يـبـقى هـناك سوى الأقـمار تـقـتـمـرُ |
والكف منّيَ بيضاءٌ وراحتـــــها |
كالشمس تـنساق ، يستغني بها الزَّهـرُ |
تـبّــًا لمن مزّقوا الأكباد وانحرفوا |
تـبّــًا لهم ، ولهم سُحقــًا بما كفــروا |
مانوا وراموا فنائي ، حاصروا رئـتي |
كانـوا يظنّـون أنّ الصبرَ منحســرُ |
لم يـتّـقـوا دعواتٍ ملءَ أفئــــدةٍ |
تـفـتّـقـت وهي بالإحسان تعتمــرُ |
أيَّامُ عزٍّ ، وقالــوا إنها سنـةٌ |
من بعدها لجّــة الأحداث تـنـحدرُ |
فـصْـلٌ تـفـرّق بين الخير مـلّـتـه |
وبين شِــرار عـلـوجٍ صفوهم كـدرُ |
تـبّــًا لمن أصبحوا من بعدها مِزقــًا |
هــذا يـئـنّ ، وهــذا ما لـــه أثـرُ |
من أجلِ هــذا نظمنا للورى قصصــًا |
قـصـائـدًا عظمت في نسجها الصورُ |
فانهضْ – حنانيك – نورُ المجد أيقظنا |
والدمــعُ منسجلٌ ، والطـلّ منهمرُ |
واقـرأ أناشــيدك اللائي شُغـفـنَ هــوىً |
فـأنت " حـسّـانُها " حتى ولو سخروا |
فما لهم حين تجلو التجربات سوى |
نـثـيـرةٍ خـانـهـا الأسلوبُ والهـذرُ |
وانهضْ فــإنّـك تِـربُ الشعر رونـقـه |
مـرامـك الباذخـــان الحبُّ والظـفـرُ |
وصفتَ حتى تناهت منك خاطرتي |
ورُبَّ وصفٍ به يستعذبُ السحرُ |
تقول ها أنــذا مَن ذا يناظرني |
فالشـعرُ روحٌ بــه يشّـقـق الحـجَـرُ |
يرقّ في القلب والأفـكار تحمله |
إلى السماء ، فـتحـيا الأنجمُ الزُّهـــرُ |
بل اليراع مع الإخـلاص أحسبه |
شــريانَ قـلبٍ بــأمر الروح يـأتـمــرُ |
لا الرمز لا صيغ الإبهام تعجـزه |
ولا البلاغــة فيما رمتُ تـعـتـذرُ |
لكنّـهـا حِـولُ الدنـيـا ، وأعـلـنـها |
إنّــا بمـا ســطّـر الوجــدان نـفـتـخــرُ |
نـصـبّـر الأهـل أنّ النصر مقتربٌ |
والفجرُ يعلم أنّــا في الوغى صُـبُـرُ |
أيّامُ عزٍّ تدنَّى فيضُ راحتها |
طوبى لمن شكروا طوبى لمن عبروا |
فليس ينفع قوم في غــدٍ أسفٌ |
أو إنّهم يوم جــدّ الجــدّ ما قـدروا |
أيّامنا القادمـــات الغرّ يا وطني |
تـبقى حوادثــها ما دامت العُـصُـرُ |