مقدمة
لم نجد علما من العلوم نشأ كاملا وتم صياغة قواعده مرة واحدة على يد عالم واحد , فهل علم العروض هو الاستثناء بين العلوم كلها ؟
يجيب الخليل بكل تواضع عن هذا السؤال حيث يقول (2) :
إن العرب نطقت على سجيتها وطباعها , وعرفت مواقع كلامها , وقام في عقولها علله , وإن لم ينقل ذكر عنها , ومثلي مثل رجل حكيم دخلت دارا محكمة البناء عجيبة النظم والأقسام فتيقنت حكمة بانيها , وكلما وقفت على شيء منها قلت : إنما فُعل هذا هكذا لعلة كذا وكذا , واعتللت أنا بما عندي , فإن أصبت العلة فهو الذي التمست , وإن سنح لغيري علة هي أليق مما ذكرته فليأت بها .
يطلق الخليل الدعوة لغيره أن يأت بما لديه من جديد , شريطة أن يكون أليق مما جاء هو به .
نظرة سريعة على عروض الخليل :
بداية يجب أن نعرف كيف وضع الخليل علم العروض , وكيف قام ببناء النموذج النظري له , ومدى اقتراب هذا النموذج من الواقع الشعري الذي درسه الخليل واعتمد عليه في التقعيد .
كيف وضع الخليل علم العروض :
يقول الأخفش : (أما وضع العروض , فإنهم جمعوا كل ما وصل إليهم من أبنية العرب , فعرفوا عدد حروفها ساكنها ومتحركها)(1).
اكتشف الخليل أن الإيقاع الموسيقي للشعر العربي ينشأ من التتابع المنتظم والمتكرر للحركات والسكون المصاحب للحروف وبعد أن عكف الخليل على دراسة وتحليل ما جمع من أوزان وجد أن مادتها الأولية التي تتكون منها جميعا هي الحركة والسكون(2), وتنتظم في عدة مقاطع إيقاعية (الكلمات الإيقاعية) , وضع لها رموزا كما وضع لها أسماء وهي :
حركة فسكون / O السبب الخفيف
حركتان // السبب الثقيل
حركتان فسكون //O الوتد المجموع
حركة فسكون فحركة /O/ الوتد المفروق
ثلاث حركات فسكون ///O الفاصلة الصغرى
أربع حركات فسكون ////O الفاصلة الكبرى
التفاعيل العشرة المستعملة والتفعيلة المهملة :
لاحظ الخليل أن الكلمات الإيقاعية الأربعة الأولى السابقة (السبب الخفيف , السبب الثقيل , الوتد المجموع , الوتد المفروق) تنتظم معا لتكون عشرة أجزاء (الجمل الإيقاعية) مستعملة , وجزءا واحدا مهملا , والتفعيلات تنتظم معا لتكون الأوزان (العبارات الإيقاعية) , سماها الخليل البحور و مجزوءاتها .
فعولن فاعلن
11ه1ه 1ه11ه
مفاعيلن فاعلاتن مستفعلن
11ه1ه1ه 1ه11ه1ه 1ه1ه11ه
مفاعلتن فاعلاتك متفاعلن
11ه111ه 1ه11ه11 111ه11ه
فاع لا تن مستفع لن مفعو لات
1ه1 1ه1ه 1ه1ه1 1ه 1ه1ه 1ه1
التفاعيل الأصلية والتفاعيل الفرعية :
جعل الخليل التفاعيل الأربعة التي تبدأ بوتد (مجموع أو مفروق) جعلها أصولا , ويتفرع منها التفاعيل الأخرى بتقديم الأسباب على الأوتاد , مستخدما معرفته بالرياضيات والاحتمالات , ليخرج بأربعة تفاعيل أصلية مستعملة , وست تفاعيل فرعية مستعملة , وتفعيلة واحدة فرعية مهملة , وترتيبها كالتالي :
(1) فعولن 11ه1ه أصل ويتفرع منها فاعلن 1ه11ه بتقديم السبب على الوتد .
(2) مفاعيلن 11ه1ه1ه أصل ويتفرع منها فاعلاتن 1ه11ه1ه بتقديم السبب الأخيرعلى الوتد .
مفاعيلن 11ه1ه1ه يتفرع منها أيضا مستفعلن 1ه1ه11ه بتقديم السببين على الوتد .
(3) مفاعلتن 11ه11 1ه ويتفرع منها فاعلاتك 1ه11ه11 - وهي التفعيلة المهملة - بتقديم السبب الأخير على الوتد .
مفاعلتن 11ه111ه يتفرع منها أيضا متفاعلن 111ه11ه بتقديم السببين - الفاصلة الصغرى - على الوتد .
(4) فاع لا تن 1ه1 1ه1ه أصل ويتفرع منها مستفع لن 1ه1ه1 1ه بتقديم السبب الأخير على الوتد المفروق .
فاع لا تن 1ه1 1ه1ه يتفرع منها أيضا مفعو لات 1ه1ه 1ه1 بتقديم السببين على الوتد المفروق .
تصنيف الأوزان إلى البحور ومجزوءاتها :
صنف الخليل الأوزان التي جمعها إلى خمسة عشر وزنا رئيسيا , سماها البحور التامة , اجتهد في استخلاصها مما جمعه ودرسه من الشعر في عصر الاحتجاج (1) ,
واضعا قاعدة عامة في نموذجه النظري وهي : أن أصل البحور التمام مع سلامة الأجزاء ؛ ثم يطرأ عليها التغيير في عدد حروف الأجزاء سماه الزحافات , ونقص في عدد الأجزاء (التفاعيل) سماه الجزء .
وفي محاولة منه لاستنباط الصيغ التامة لأوزان البحور التي لم يجدها مستعملة إلا مجزوءة , عمد الخليل إلى وضع الدوائر العروضية الخمسة , استخرج منها خمسة عشر بحرا تاما سالم الأجزاء , وسبعة بحور مهملة (لم ينظم عليها العرب شعرا) .
ثم ألحق كلا من الأوزان الثلاثة والستين - التي استخلصها من أشعار العرب - كأوزان تابعة للصيغ الأصلية المستخرجة من الدوائر.
ولتقريب النموذج النظري - الأوزان الأصلية المستخرجة من الدوائر - مع الواقع الشعري وضع الخليل قواعد للتغييرات التي تطرأ على التفاعيل (قسمت للزحافات والعلل) , كما وضع مفهوم الجزء ليصنف الأوزان المتشابهة معا تحت بحر واحد (2) .
وإليك صيغ البحور التامة السالمة كما صاغها الخليل :
(1) فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن (البحر الطويل)
11ه1ه 11ه1ه1ه 11ه1ه 11ه1ه1ه
(2) مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن (البحر البسيط)
1ه1ه11ه 1ه11ه 1ه1ه11ه 1ه11ه
(3) فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن (البحر المديد)
1ه11ه1ه 1ه11ه 1ه11ه1ه 1ه11ه
(4) مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن (البحر الهزج)
11ه1ه1ه 11ه1ه1ه 11ه1ه1ه
(5) فاعلاتن فاعلاتن فاعلا تن (البحر الرمل)
1ه11ه1ه 1ه11ه1ه 1ه11ه1ه
(6) مستفعلن مستفعلن مستفعلن (البحر الرجز)
1ه1ه11ه 1ه1ه11ه 1ه1ه11ه
(7) مفاعلتن مفاعلتن مفاعلـ ـتن (البحر الوافر)
11ه111ه 11ه111ه 11ه11 1ه
(8) متفاعلن متفاعلن متفاعلن (البحر الكامل)
111ه11ه 111ه11ه 111ه11ه
(9) مستفعلن مستفعلن مفعو لات (البحر السريع)
1ه1ه11ه 1ه1ه11ه 1ه1ه1ه 1
(10) فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن (البحر الخفيف)
1ه11ه1ه 1ه1ه1 1ه 1ه11ه1ه
(11) مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن (البحر المجتث)
1ه1ه1 1ه 1ه11ه1ه 1ه11ه1ه
(12) مستفعلن مفعو لات مستفعلن (البحر المنسرح)
1ه1ه11ه 1ه1ه 1ه1 1ه1ه11ه
(13) مفعو لات مستفعلن مستفعلن (البحر المقتضب)
1ه1ه 1ه1 1ه1ه11ه 1ه1ه11ه
(14) مفاعيلن فاعلاتن مفاعيلن (البحر المضارع)
11ه1ه1ه 1ه11ه1ه 11ه1ه1ه
(15) فعولن فعولن فعولن فعولن (البحر المتقارب)
11ه1ه 11ه1ه 11ه1ه 11ه1ه
ملاحظات على صيغ البحور في نموذج الخليل :
(1) خمسة بحور يقول عنها الخليل أنها لم تستعمل إلا مجزوءة , وهي ( المديد , الهزج , المقتضب , المضارع , و المجتث ) .
(2) بحران يقول عنهما الخليل لم يستعملا إلا تامين , وهما (الطويل , والمنسرح) (1) .
(3) وأما عن ( الوافر, السريع , والرمل ) فيقول الخليل :
الوافر لم يستخدم إلا مقطوفا , والسريع لم يأت إلا مكشوفا مطويا أو مكشوفا مخبولا , والرمل لم يأت إلا محذوفا ؛ وكل هذه المصطلحات تعني أن الجزء الأخير نقص منه سبب , فجاء على خمسة أحرف بدلا من سبعة .
(4) أما المتقارب فيقول الخليل عن مجزوءه أنه لم يأت إلا محذوفا , ويقول عن التام أن الجزء الأخير يجوز فيه الحذف , والواقع الشعري يقول الأكثر أن يأتي محذوفا , وإن جاء تاما يأت على فعولُ المقبوضة وتكون واوه حرف لين (2) .
(5) والبحر البسيط رغم أن الخليل ذكر أنه يأت تاما ومجزوءا, وذكر للمجزوء أربعة أعاريض , فلم يكتب البقاء إلا لوزن المخلع , وأما الأعاريض الثلاثة الأخرى فماتت مبتسرة قبل أن تخرج من العصر الجاهلي ولم تقم لها قائمة بعد (3) .
(6) لم يبق من بحور الخليل إلا ثلاثة (الرجز, الكامل ,والخفيف) , وهي التي نظم الشعراء على أوزانها تامة سالمة الأجزاء , كما نظموا على مجزوءاتها .
مع ملاحظة أن عروض الطويل لا تأتي إلا مقبوضة , وعروض البسيط لا تأتي إلا مخبونة , وعروض المنسرح والمقتضب لا تأتي إلا مطوية , ويقول الأخفش أن أصل مستفع لن في الخفيف مفاعلن وأن أصل مفعولات في المنسرح والمقتضب فاعلات .
(7) ونضيف لما سبق البحور السبعة المهملة التي استخرجها الخليل من دوائره , والتي لم يكتب لأي منها أن يولد لا تاما ولا مجزوءا على مدى أكثر من ألف ومائتي عام بعد الخليل وإلى اليوم , إلا محاولات البعض لنظم عدة أبيات عليها .
ما ذكرناه من ملاحظات يعطي دلالات أولية على البون الشاسع بين نموذج الخليل النظري والواقع الشعري ؛
ولم يعطنا الخليل ولا العروضيون من بعده تفسيرات شافية لما ذكرناه من تلك الملاحظات – وغيرها الكثير لم نذكره - والتي كانت ولا زالت مواضع للخلاف بين العروضيين قديما وحديثا .
والسؤال الآن : هل يمكن الرجوع لأصل الأوزان كما استخدمها العرب في عصور الاحتجاج (1) , لنقوم ببناء نموذج آخر , يكون أليق مما جاء به الخليل ؟ وبذلك نكون قد قبلنا دعوته الضمنية في قوله : (وإن سنح لغيري علة أليق مما ذكرته فليأت بها ) .
هذا ما سنجيب عنه في هذا الكتاب .
ونبدأ بتحليل على الرغم من بساطته إلا أن غيابه قاد الخليل والعروضيين من بعده إلى (التيه العروضي) المسمى بالدوائر العروضية , فعاشوا في سرابها لما يزيد على ألف ومائتي عام .
الأسباب الخفيفة والتفاعيل الجذعية والتفاعيل الأساسية :
المادة الأولية التي يتكون منها الإيقاع الموسيقي للشعر العربي هي الحركة ورمزها الخط المائل / والسكون ورمزه الدائرة O , ومن الحركة والسكون تتكون وحدة البناء الأساسية السبب /O ,
ومن السببين المتجاورين يتشكل الوتد بحذف ساكن السبب الأول,
/O// ← O/O
وذلك على مستوي الوزن كله وليس على مستوى التفعيلة فقط ؛ فحيثما وجدنا حركتين بعدهما ساكن فهو وتد تشكل من سببين متجاورين بحذف ساكن الأول ؛(1)
وإذا اقترن السببان في تفعيلة واحدة تتكون الفاصلة المترددة بتحريك ساكن السبب الأول , ونرمز (للحركة المترددة) بـ Ø .
/O/Ø/ < ← O/O
ويسمى السبب الذي تحرك ساكنه بالسبب الثقيل .
يقول الأخفش :( والسبب حرفان الآخر منهما ساكن , وهو كل موضع يجوز فيه الزحاف , وقد يقرن السببان فيكون فلْ فلْ وهو صدر مستفعلن 1ه1ه11ه [ وآخر مفاعيلن //O/O/O ] , وهما السببان المقرونان ؛ويكون السببان مفروقان , سبب في أول الجزء وسبب في أخره مثل فاعلاتن 1ه11ه1ه , ويكون السبب المقرون متحرك الثاني فلُ فلْ نحو صدر متفاعلن /O//O/Ø وآخر مفاعلتن //O/Ø/O ) .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(1) فإذا وصل أحدهم لهذا التحليل البسيط ثم حصره على مستوى التفعيلة الخليلية فقط دون الوزن كله حتى أخرج لنا مفعولات كتفعيلة أساسية يستخدمها في وصف الأوزان عاد أسيرا لعروض الخليل وقوانينه بعد أن كاد يتحرر من أغلالها ,
في العبارة الأخيرة يشير الأخفش بوضوح أن السببين المقرونين في التفعيلة الواحدة في (مستفعلن ومفاعيلن ) يتحرك ساكن السبب الأول ليشكل تفعيلتين هما ( متفاعلن ومفاعلتن) ,
مستفعلن 1ه1ه11ه ← 1هـ1ه11ه متفاعلن ( نستخدم هـ بدلا Ø لسهولة كتابتها على صفحة الواحة )
مفاعيلن 11ه1ه1ه ← 11ه1هـ1ه مفاعلتن
والأخفش في هذا يخالف الخليل , الذي جعل السبب الثقيل وحدة صوتية مستقلة , حتى وإن كان السببان مفروقين , فشكل الخليل من السبب الثقيل مع السبب الخفيف تفعيلة غير مستعملة وهي فاعلاتك /O//O// , اشتقها من مفاعلتن //O///O بتقديم السبب الخفيف على الوتد ؛ بل وذكر من البحور المهملة بحرا يتكون منها سماه (المتوفر) فاعلاتك فاعلاتك فاعلاتك ؛
لكن كلا من الخليل والأخفش وجمهور العروضيين من بعدهما لم يذكروا لنا أصل الوتد (1) , بل جعلوه أصلا في التفعيلة , وجعلوا التفعيلة التي تبدأ بوتد هي الأصل , ويشتق منها التفاعيل الأخرى , وزادوا على ذلك أن جعلوا البحر الذي يبدأ بتفعيلة أولها وتد هو رب الدائرة , ومنه يشتق باقي بحور الدائرة (عدا دائرة المشتبه), كل ذلك برغم أن الوتد يتكون في كل لحظة من الزحافات التي تدخل التفاعيل , وأكثرها شيوعا خبن مستفعلن , 1ه1ه11ه ← 11ه11ه
فإن قيل أن الوتد الناتج من خبن مستفعلن غير ثابت لأنه يظهر نتيجة الزحاف فلا يجوز الاحتجاج بتكوينه , قلنا أن الخليل وضع بنفسه آلية لتكوين وتد دائم ثابت لزوما من مفعولات في عروض البحر السريع وقد قبلها العروضيون :
مستفعلن مستفعلن مفعولات
1ه1ه11ه 1ه1ه11ه 1ه1ه1ه1
حيث ذكر الخليل أن عروض السريع تأتي مكشوفة مطوية ,
مفعولات الكشف مفعولن الطي فاعلن
1ه1ه1ه1 ← 1ه1ه1ه ← 1ه11ه
والوتد في العروض فاعلن هنا ثابت لا يتغير .
وشبيه به ما حدث في وزن مشطور السريع والذي تتحول عروضه بالكشف إلى مفعولن ثم يدخلها الخبن لتصبح فعولن
وإذا جمعنا ما حدث في مفعولات في عروض السريع التام مع ما حدث في عروض مشطور السريع
مفعولات الكشف مفعولن الطي فاعلن
1ه1ه1ه1 ← 1ه1ه1ه ← 1ه11ه
1ه1ه1ه1 ← 1ه1ه1ه ← 11ه1ه
مفعولات الكشف مفعولن بالخبن فعولن
يمكن استنتاج أن أصل كلا من فاعلن وفعولن هو مفعولن , وليس كما يذكر الخليل أن فعولن أصل ويتفرع منها فاعلن بتقديم السبب على الوتد ؛
ونسمي مفعولن تفعيلة جذعية - ثلاثية الأسباب - للتفعيلتين الخماسيتين , (بالخبن تعطي فاعلن وبالطي تعطي فعولن) , ويمكن تسمية العملية العكسية التي يتحول فيها الوتد إلى سببين بالشق(1)
فاعلن شق الوتد مفعولن
1ه11ه ← 1ه1ه1ه
فعولن شق الوتد مفعولن
11ه1ه ← 1ه1ه1ه
وبالقياس على ما ذكرنا في التفعيلتين الخماسيتين فاعلن وفعولن , يمكن القول أن هناك تفعيلة جذعية أخرى - رباعية الأسباب - مفعولاتن /O/O/O/O , هي أصل التفعيلات السباعية , بالخبن تعطي مفاعيلن , وبالطي تعطي فاعلاتن , وبحذف ساكن السبب الثالث تعطي مستفعلن ,
مفعولاتن خبن مفاعيلن
1ه1ه1ه1ه ← 11ه1ه1ه
مفعولاتن طي فاعلاتن
1ه1ه1ه1ه ← 1ه11ه1ه
مفعولاتن حذف السادس الساكن مستفعلن
1ه1ه1ه1ه ← 1ه1ه11ه
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـ
(1) الشق : زيادة ساكن بين حركتي الوتد المجموع وهو علة جديدة نضيفها إلى (العلل الجارية مجرى الزحاف) .
ونجمع إلى ما سبق رأي الأخفش في تكوين (الفاصلة المترددة)
مستفعلن بالتحريك متفاعلن
1ه1ه11ه ← 1هـ1ه11ه
مفاعيلن بالتحريك مفاعلتن
11ه1ه1ه ← 11ه1هـ1ه
ونضيف الترفيل إلى مستفعلن لتعطينا مستفعلاتن
1ه1ه11ه ← 1ه1ه11ه1ه
نستخدمها كتفعيلة أساسية في بعض الأوزان وقد سبقنا إليها حازم القرطاجني ؛
كما نضيف معكوسا لـ مستفعلاتن هو فاعلاتن لن 1ه11ه1ه 1ه
كتفعيلة تنتج من ترفيل فاعلاتن نستخدمها في تحليل الأوزان وفي تفسير الزحافات نذكر ذلك في حينه .
نحصل مما سبق على تسع تفعيلات وتدية , (فعولن – فاعلن – مفاعيلن – فاعلاتن – مستفعلن – مفاعلتن – متفاعلن – مستفعلاتن – فاعلاتن لن ) كل منها يحتوي على وتد مجموع ,
وهي فقط ما سنحتاجه في التقعيد وبناء النموذج النظري الجديد لعلم العروض, فلن نحتاج إلى مصطلح الوتد المفروق , ولا لأي من تفعيلاته الثلاث , ( فاع لاتن مستفع لن مفعولات ) نستغني عنها بأسمائها وزحافاتها وعللها ؛
ما ذكرناه عن تكوين الوتد المجموع من حذف ساكن السبب الأول من السببين المتجاورين ليس للتنظير المجرد , فغياب هذا التحليل البسيط عن الخليل قاده إلى مفهوم الوتد المفروق ( /O/ ) وقد شكل منه مع الأسباب الخفيفة تفاعيل ثلاث , ثم أدخل الوتد المفروق في دائرة من دوائره (دائرة المشتبه) وأخرج منها تسعة بحور ثلاث مهملة وستة مستعملة , فكانت أكثر الدوائر إثارة للجدل والخلاف بين العروضيين , وأكثرها مساهمة في تعقيد علم العروض .
دائرة الوتد المفروق أفسدت علم العروض :
نذكر صيغ البحور التسعة (الستة المستعملة ثم الثلاث المهملة) التي استخرجها الخليل من دائرة المشتبه , ونلقي الضوء على أهم ما ساهمت به تلك الدائرة في تعقيد علم العروض :
(1) مستفعلن مستفعلن مفعولات (السريع)
(2) مستفعلن مفعولات مستفعلن (المنسرح)
(3) مفعولات مستفعلن مستفعلن ( المقتضب )
(4) فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن (الخفيف)
(5) مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن ( المجتث )
(6) مفاعيلن فاع لاتن مفاعيلن ( المضارع )
(7) مفاعيلن مفاعيلن فاع لاتن (المنسرد)
(8) فاع لاتن مفاعيلن مفاعيلن (المطرد)
(9) فاعلاتن فاعلاتن مستفع لن (المتئد)
دائرة المشتبه - والتي أساسها الوتد المفروق - ساهمت وحدها بثلاث بحور مهملة (المنسرد والمطرد والمتئد) , من أصل سبعة استخرجها الخليل من دوائره , كما ساهمت أيضا بثلاث بحور مستعملة من أصل خمسة يقول عنها الخليل أنها لم تستعمل إلا مجزوءة , وهي (المقتضب والمجتث والمضارع) ؛
لكن أكبر المشكلات التي ساهمت بها دائرة المشتبه هي ترسيخها لمفهوم البحور المركبة :
فإن كانت دائرة المختلف قد أسست لمفهوم البحور المركبة بين التفاعيل السباعية والخماسية , فإن دائرة المشتبه هي من رسخت لفكرة تركيب البحور بشكل مطلق , وذلك بتركيب البحور بين التفاعيل السباعية ؛ ففتحت الباب على مصراعيه أمام بعض العروضيين لتوليد ما يسمى بالبحور الجديدة , باستخدام كل احتمالات التركيب بين التفاعيل , حتى وصلت حد الهوس , فيدعي البعض أن عدد البحور يعد بالمئات وربما الآلاف , ولديهم منطق سليم في القياس على بحور الخليل المستعمل منها والمهمل(1) .
وإليك جانبا من طريقتهم في القياس المنطقي على بحور الخليل
يقولون إذا كان وزن الرجز هو : مستفعلن مستفعلن مستفعلن
والأوزان الأصلية المستخرجة من دائرة المشتبه للبحور الثلاث (المقتضب , والمنسرح , والسريع) هي :
(1) مفعولات مستفعلن مستفعلن ( المقتضب )
(2) مستفعلن مفعولات مستفعلن (المنسرح)
(3) مستفعلن مستفعلن مفعولات (السريع)
فيبدو بوضوح أن استبدال واحدة من تفعيلات البحر الرجز الثلاث بـ مفعولات يعطينا بحرا جديدا في كل مرة , فاستبدال التفعيلة الأولى يعطينا البحر المقتضب , واستبدال التفعيلة الثانية يعطينا البحر المنسرح , واستبدال التفعيلة الثالثة يعطينا البحر السريع , والبحور الثلاث مستعملة .
ويقولون أيضا : إذا كان وزن البحر الرمل عند الخليل هو :
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
والأوزان الأصلية المستخرجة من دائرة المشتبه للبحور الثلاث (المجتث , الخفيف , والمتئد) هي :
(1) مستفع لن فـاعـلاتـن فـاعـلاتـن ( المجتث )
(2) فـاعـلاتـن مستفع لن فـاعـلاتـن (الخفيف)
(3) فـاعـلاتـن فـاعـلاتـن مستفع لن (المتئد)
يبدو بوضوح أن استبدال إحدى تفعيلات البحر الرمل الثلاث بـ مستفع لن يعطينا بحرا جديدا في كل مرة , فاستبدال التفعيلة الأولى يعطينا البحر المجتث , واستبدال التفعيلة الثانية يعطينا البحر الخفيف , واستبدال التفعيلة الثالثة يعطينا البحر المتئد , والبحران المجتث والخفيف مستعملان والمتئد عند الخليل بحر وإن وصفه بالمهمل .
وللمرة الثالثة إذا كان وزن البحر الهزج عند الخليل هو :
مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن
والأوزان الأصلية المستخرجة من دائرة المشتبه للبحور الثلاث (المطرد , المنسرد , والمضارع) عند الخليل هي :
(1) فاع لاتن مفاعيلن مفاعيلن (المطرد) بحر مهمل
(2) مفاعيلن فاع لاتن مفاعيلن ( المضارع )
(3) مفاعيلن مفاعيلن فاع لاتن (المنسرد) بحر مهمل
للمرة الثالثة يبدو بوضوح أن استبدال إحدي تفعيلات البحر الهزج بـ فاع لاتن يعطينا بحرا جديدا في كل مرة , فاستبدال الأولى يعطينا المطرد , واستبدال الثانية يعطينا المضارع , واستبدال الثالثة يعطينا المنسرد , والمضارع بحر مستعمل عند الخليل , والمطرد والمنسرد عند الخليل بحران لكنهما مهملان .
هذا المنطق البسيط في تحليل أوزان البحور السابقة دفعت عددا من العروضيين إلى الاعتقاد أنه بالإمكان توليد بحور جديدة من البحور القديمة باستبدال تفعيلة من أي بحر قديم بإحدى التفاعيل العشرة ؛ متمسكين بالقياس الصحيح على بحور الخليل ؛
وانقسم علماء العروض في كل العصور إلى واحد من ثلاث :
أولهم : متعصب لبحور الخليل البسيطة منها والمركبة
وثانيهم : من يقبل على استحياء بعض الأوزان الجديدة ويسميها المستدركات
وثالثهم : متحرر من دوائر الخليل وبحوره لا يقبل قيدا أو شرطا في توليد البحور الجديدة .
البحر الخفيف وأسرار علم العروض :
بالإضافة لما سبق من إسهامات دائرة المشتبه في تعقيد علم العروض , فقد أخفى الخليل في صياغته للبحر الخفيف - وهو أحد أهم بحور دائرة المشتبه - أخفى فيه أهم أسرار البناء الموسيقي للشعر العربي , وسنبدأ بهذا البحر لنكتشف القواعد الأساسية لعلم العروض في صياغته الجديدة .
استخرج الخليل وزن البحر الخفيف من الدائرة وصاغ أوزانه كما يلي :
فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن الخفيف التام
1ه11ه1ه 1ه1ه1 1ه 1ه11ه1ه
فاعلاتن مستفع لن فعلا الخفيف التام
1ه11ه1ه 1ه1ه1 1ه 111ه المحذوف المخبون
فاعلاتن مستفع لن مجزوء الخفيف
1ه11ه1ه 1ه1ه1 1ه
ويقول عن مستفع لن في الخفيف بأنها مفروقة الوتد وتتألف من سببين خفيفين يفصل بينهما وتد مفروق 1ه1ه1 1ه ؛ وأنها غير مستفعلن مجموعة الوتد , والتي تتألف من سببين خفيفين متتاليين بعدهما وتد مجموع 1ه1ه11ه ؛
ويقول : أن الزحاف يدخل مستفع لن في كل من سببيها , فيدخلها الخبن (حذف السين) , كما يدخلها الكف (حذف النون) ؛ لكن الواقع الشعري يقول شيئا آخر ويفرض نفسه على العروضيين سواء المعاصرين للخليل و من جاء بعده ؛
يقول الأخفش في البحر الخفيف :
( وما أرى أصل مستفع لن 1ه1ه1 1ه فيه إلا مفاعلن 11ه11ه , والسين زيادة ) (1) ,
ويجمعها في حكمه مع مفعولات في كل من المنسرح والمقتضب فيقول :
(كما أن الواو في مفعولات زائدة عندي , وجازت الزيادة كما جاز النقصان , ويدلك على ذلك أن تمامها يقبح ) (2) ,
وهو يقول عن مفعولات 1ه1ه1ه1 في موضع آخر:
(وفاعلات 1ه11ه1 فيها حسنة وعليها بنوا الشعر) (3) .
يعتمد الأخفش في حكمه على أمرين هامين :
الأول : أن أكثر ما تأتي مستفع لن في الخفيف على مفاعلن , فجعل الأكثر هو الأصل , والأقل هو المتغير,
وكذلك مفعولات في المنسرح والمقتضب فإنها أكثر ما تأتي على فاعلات , وهو ما يقر به في قوله (وعليها بنوا الشعر )
والثاني : هو حسه وذائقته الموسيقية , حيث يرى أن الإيقاع الموسيقي للشعر يقل جماله إذا جاءت مستفع لن في الخفيف تامة , كما هو الحال نفسه إذا جاءت مفعولات تامة في المنسرح أو في المقتضب , وهو ما يقرره في قوله:
(ويدلك على ذلك أن تمامها يقبح).
وماذا يقول الأخفش عن كف مستفعلن (حذف نونها) ؟
يقول :(ولم نجد ذهاب نون مستفعلن إلا في شعر لابن الرقيات , وزعموا أنه كان سبق اللحن , فمن جعله في الشعر إماما جوز حذف نونها , ومن لم يجعله إماما لم يجوز حذف ذلك ) (1)
ويقول : (ومن زعم أن السين زائدة لم يستقبح ذهاب نون فاعلاتن قبلها) (2) .
في العبارة الأخيرة يتحدث الأخفش عن فريق من العلماء يرى أن أصل السين في مستفعلن زيادة كما يراها الأخفش .
والآن لنكتب أوزان البحر الخفيف كما يراها الأخفش ومن معه ممن زعم أن السين زيادة :
الخفيف التام فاعلاتن مفاعلن فاعلاتن
1ه11ه1ه 11ه11ه 1ه11ه1ه
والمحذوف المخبون فاعلاتن مفاعلن فعلا
1ه11ه1ه 11ه11ه 111ه
والخفيف المجزوء فاعلاتن مفاعلن
1ه11ه1ه 11ه11ه
ولكي نجمع الأجزاء المتشابهة في علم العروض نذهب الآن للبحر المتقارب , وعلى الرغم من أن الخليل جعل المتقارب في دائرة وحده (دائرة المتفق) , إلا أنه افترض فيه التمام مع سلامة الأجزاء وجعل وزنه كما يلي :
المتقارب التام فعولن فعولن فعولن فعولن
11ه1ه 11ه1ه 11ه1ه 11ه1ه
و المجزوء فعولن فعولن فعولن
11ه1ه 11ه1ه 11ه1ه
لكن الواقع الشعري جعل الخليل يقول عن المجزوء أنه لم يستخدم إلا محذوفا
فعولن فعولن فعو
11ه1ه 11ه1ه 11ه
ويقول الخليل عن التام : ويجوز في عروضه القبض والحذف في القصيدة الواحدة , والواقع الشعري يقول أن الغالب في المتقارب التام أن يأتي محذوفا , ويأتي في الغالب الأعم على صيغة معينة , حيث تنتهي بـ فعول //O/ المقبوضة , وتكون واوها حرف لين ممدود في الغالب , أو ساكن فيما ندر(1)؛
وسيرا على منهج الخليل في فك البحور من الدوائر , فك أحدهم (يشاع أنه الأخفش) بحرا من دائرة المتفق , وسماه البحر المتدارك وجعل وزنه كالتالي :
التام فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن
1ه11ه 1ه11ه 1ه11ه 1ه11ه
والمجزوء فاعلن فاعلن فاعلن
1ه11ه 1ه11ه 1ه11ه
وعلى طريقة الخليل في اعتبار الأصل المستخرج من الدائرة يتغير عند الاستخدام , يقول : ولم يستعمل إلا مخبونا أو مقطوعا
المخبون فعلن فعلن فعلن فعلن
111ه 111ه 111ه 111ه
والمقطوع فع لن فع لن فع لن فع لن
1ه1ه 1ه1ه 1ه1ه 1ه1ه
والواقع الشعري خليط بين فعلن و فع لن ويسمونه بالخبب .
وإلى اليوم لا يزال الخلاف قائما بين العروضيين في أمر البحر المتدارك والخبب , فريق ينسب الخبب لبحور الخليل , ويزعم أنه المتدرارك المستخرج من دائرة المتفق وقد دخله الخبن والقطع ؛
وفريق يقول أن المقطوع المخبون ليس له علاقة بدوائر الخليل , ولا ينتمي إلى بحوره , ويقول أن الوزن الأصلي للمتدارك (فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن ) من البحور المهملة ولم تنظم عليه العرب.
فهل حقا أهملت العرب هذا البحر ولم ينظموا عليه ؟ بمعنى هل أهملت العرب التفعيلة فاعلن ولم يركبوا منها بحرا ؟؟
للإجابة عن هذا السؤال سنتخذ منهج الأخفش في اعتبار أن المستعمل هو الأصل , فإذا كان مجزوء المتقارب لم يستخدم إلا محذوفا , فسنفترض نحن أن أصل مجزوء المتقارب أن يكون محذوفا , وسنبحث عن شقيقه في الدائرة ونتوقع أن يشبهه , ( لا نقصد هنا تدوير مجزوء المتقارب فقد ثبت لدينا فساد مبدأ التدوير)
فإذا كان مجزوء المتقارب فعولن فعولن فعو
11ه1ه 11ه1ه 11ه
فنتوقع أن يكون مجزوء المتدارك فاعلن فاعلن علن
1ه11ه 1ه11ه 11ه
ولو وجده الخليل مستخدما بهذه الصيغة لقال عنه : ولم يستخدم إلا مقطوعا مخبونا , وسيقول وأصل عروضه فاعلن دخلها القطع فصارت فع لن , ثم دخلها الخبن فصارت فعن , ثم نقلت إلى علن ,
فاعلن قطع فع لن خبن علن
1ه11ه ← 1ه1ه ← 11ه
ولو أعدنا تقطيع وتسمية وزن مجزوء المتدارك كما توقعناه
فاعلن فاعلن علن
1ه11ه 1ه11ه 11ه
1ه11ه1ه 11ه11ه
فاعلاتن مفاعلن
النتيجة واضحة تماما , فمجزوء المتدارك هو نفسه مجزوء الخفيف , أخفاه الخليل في صياغته للبحر الخفيف , وزاده خفاء بصياغة المتقارب باعتبار أن أصله التمام مع سلامة الأجزاء (1).
ولو أردنا وصف ما حدث لمجزوء المتقارب ومجزوء الخفيف نقول : في مجزوء المتقارب تكررت التفعيلة فعولن مرتين , ثم جاءت الثالثة وقد حذف سبب من آخرها (فعولن فعولن فعو)؛
وفي مجزوء الخفيف حدث أمر مشابه , حيث تكررت التفعيلة فاعلن مرتين , ثم جاءت الثالثة وقد حذف سبب لكن من أولها , (فاعلن فاعلن علن)
فهل تكررهذا الأمر في بحور أخرى؟ نعم نجد الأمر قد تكرر في
(1) الوافر: مفاعلتن مفاعلتن مفاعي وتنقل إلى (فعولن)
11ه1هـ1ه 11ه1هـ1ه 11ه1ه
حيث تكررت مفاعلتن مرتين , والثالثة (حذف سبب من آخرها),
(2) السريع : مستفعلن مستفعلن تفعلن وتنقل إلى (فاعلن)
1ه1ه11ه 1ه1ه11ه 1ه11ه
أيضا تكررت مستفعلن مرتين , والثالثة (حذف سبب من أولها) ,
ولو سألنا الخليل ماذا حدث لـ مستفعلن ؟ سيجيب : دخلها القطع فصارت مفعولن 1ه1ه1ه ثم دخلها الطي فصارت فاعلن 1ه11ه
(3) الرمل: فاعلاتن فاعلاتن فاعلا وتنقل إلى(فاعلن)
1ه11ه1ه 1ه11ه1ه 1ه11ه
وأيضا تكررت فاعلاتن مرتين , والثالثة (حذف سبب من أخرها)
لكن نلاحظ هنا أن التفعيلة فاعلاتن 1ه11ه1ه تبدأ بسبب وتنتهي بسبب , فنتوقع أن يكون لها صيغة أخرى , حيث تتكرر فيها فاعلاتن مرتين , والثالثة يحذف سبب من أولها , وتكون صيغته كالتالي :
(4) فاعلاتن فاعلاتن علاتن وتنقل إلى (فعولن)
1ه11ه1ه 1ه11ه1ه 11ه1ه
ولو سألنا الخليل ماذا حدث لـ فاعلاتن ؟ سيجيب دخلها التشعيث فصارت فالاتن 1ه1ه1ه , ثم دخلها الخبن فصارت فلاتن 11ه1ه , ونقلت لـ فعولن,
فاعلاتن تشعيث فالاتن خبن فلاتن (فعولن)
1ه11ه1ه ← 1ه1ه1ه ← 11ه1ه
والخليل بالفعل وجد هذا الوزن , لكن كعادته أخفاه في صيغة أخرى , استخرجها من الدائرة الأولى (دائرة المختلف), واعتبره بحرا مستقلا, وصنفه على أنه من البحور المركبة , وسماه المديد , وافترض فيه التمام مع سلامة الأجزاء , شأنه شأن أخويه في الدائرة (الطويل والبسيط) , وصاغه كالتالي :
فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن
1ه11ه1ه 1ه11ه 1ه11ه1ه 1ه11ه
لكن الواقع الشعري جعل الخليل يقول : أن العرب لم تستعمله إلا مجزوءا , وبإعادة تقطيع وتسمية الوزن المجزوء يبدو الأمر جليا
فاعلاتن فاعلن فاعلاتن
1ه11ه1ه 1ه11ه 1ه11ه1ه
1ه11ه1ه 1ه11ه1ه 11ه1ه
فاعلاتن فاعلاتن فعولن
لمزيد من التوضيح نجمع المتشابه معا لنؤصل لقاعدة التصنيف:
ذكرنا من قبل أن الخليل جمع أربعة وثلاثين وزنا للشطر الأول , وثلاثة وستين وزنا للشطر الثاني , لكنه عند التصنيف لم يجعل كل وزن منها بحرا على حده , وإنما جعل البحور خمسة عشر بحرا فقط , فجمع الأوزان المتشابهة معا تحت بحر واحد ؛
فقد صنف الخليل ثلاثة أوزان تحت مسمى البحر السريع هي :
مستفعلن مستفعلن فاعلن 1ه1ه11ه 1ه1ه11ه 1ه11ه
مستفعلن مستفعلن فعلن 1ه1ه11ه 1ه1ه11ه 111ه
مستفعلن مستفعلن فعولن 1ه1ه11ه 1ه1ه11ه 11ه1ه
في كل منها تتكررت مستفعلن مرتين ثم يزيد بعدها مرة بـ فاعلن ومرة ثانية بـ فعلن وثالثة بـ فعولن في المشطور ؛
كما صنف وزنين تحت مسمى البحر الوافر , ( مجزوء الوافر , والوافر التام المقطوف) ,
مجزوء الوافر يتكرر فيه مفاعلتن مرتين , والوافر التام المقطوف يزيد عن المجزوء بـ فعولن في نهايته ,
مفاعلتن مفاعلتن 11ه1هـ1ه 11ه1هـ1ه
مفاعلتن مفاعلتن فعولن 11ه1هـ1ه 11ه1هـ1ه 11ه1ه
فكان من المنطقي أن يصنف الخليل وزن (مجزوء المديد) تحت بحر الرمل ,
فمجزوء الرمل يتكرر فيه فاعلاتن مرتين , والرمل التام المشعث المخبون (مجزوءالمديد) يزيد عن المجزوء بـ فعولن في نهايته
فاعلاتن فاعلاتن 1ه11ه1ه 1ه11ه1ه
فاعلاتن فاعلاتن فعولن 1ه11ه1ه 1ه11ه1ه 11ه1ه
وإن عدنا لبحر الرمل مرة أخرى , سنجد أن الخليل قد صنف وزنين تحت هذا البحر , (مجزوء الرمل , والرمل التام المحذوف) ,مجزوء الرمل تتكرر فيه فاعلاتن مرتين , والرمل التام المحذوف يزيد عن المجزوء بـ فاعلن في نهايته ,
فاعلاتن فاعلاتن 1ه11ه1ه 1ه11ه1ه
فاعلاتن فاعلاتن فاعلن 1ه11ه1ه 1ه11ه1ه 1ه11ه
كما صنف وزنين تحت مسمى البحر الكامل , ( مجزوء الكامل والكامل التام الأحذ ) ,
مجزوء الكامل يتكرر فيه متفاعلن مرتين , والكامل التام الأحذ يزيد عن المجزوء بـ فعلن في نهايته ,
متفاعلن متفاعلن 1هـ1ه11ه 1هـ1ه11ه
متفاعلن متفاعلن فعلن 1هـ1ه11ه 1هـ1ه11ه 111ه
وكذلك كان من المفترض أن يصنف الخليل أوزان السريع الثلاثة (المكشوف المطوي , والمكشوف المخبول , والمكشوف المخبون) تحت بحر الرجز ,
فمجزوء الرجز تتكرر فيه مستفعلن مرتين , والسريع يزيد عن المجزوء مرة بـ فاعلن مثل الرمل التام ومرة بـ فعلن مثل الكامل الأحذ ,وثالثة بـ فعولن مثل الوافر التام المقطوف .
مستفعلن مستفعلن 1ه1ه11ه 1ه1ه11ه
مستفعلن مستفعلن فاعلن 1ه1ه11ه 1ه1ه11ه 1ه11ه
مستفعلن مستفعلن فعلن 1ه1ه11ه 1ه1ه11ه 111ه
مستفعلن مستفعلن فعولن 1ه1ه11ه 1ه1ه11ه 11ه1ه
من وزن مجزوء الخفيف ومن وزن مجزوء المتقارب , ومن الأوزان المشابهة لهما والتي ذكرناها فيما سبق , نخرج بملاحظتين هامتين , تتكرر كظاهرة في تلك الأوزان ,
الملاحظة أو الظاهرة الأولى :
أن التفعيلة ( الجملة الإيقاعية ) تتكرر مرتين متواليتين في الوزن ( العبارة الإيقاعية ) , وهو ما سميته ظاهرة أو قاعدة ( التكرار الثنائي ) , والخط الفاصل بين الجملتين سميته ( محور التكرار ) .
الملاحظة أو الظاهرة الثانية :
أن ما يأتي بعد التكرار الثنائي يكون واحدا من أربعة :
( 11ه , 111ه , 1ه11ه , و 11ه1ه ) , وقد سميتها :( الفواصل الموسيقية ) , واحدها ( فاصلة موسيقية ) , والظاهرة نفسها سميتها ( الفصل الموسيقي ) ,
ولوعدنا لوزن الخفيف التام سنلاحظ الظاهرة الثالثة والتي سميتها (الانعكاس الموسيقي )
فـاعـلاتـن مـفـا عـلـن فـعـلاتـن
1ه11ه 1ه 11ه │ 11ه 1ه 11ه1ه
فاعلن فاعلن فعولن فعولن
حيث يظهر الخط الفاصل│ بين الوتدين المتجاورين كسطح مرآة عاكس (محور الانعكاس) , تنعكس فيه صورة النصف الأول من الوزن , ويقرأ الوزن من يسار محور الانعكاس لنهاية الوزن بنفس الترتيب الذي يقرأ به من يمين محور الانعكاس لبداية الوزن , ويقرأ من أول الوزن لآخره كما يقرأ من آخر الوزن لأوله .
وهي ظاهرة تتكرر في أوزان أخرى , ولكي نلاحظها يجب أن نذكر أن الحركة الوسطى الثابتة للفاصلة الثابتة 111ه في نهاية وزن الكامل الأحذ هي في الأصل الحركة المترددة في (الفاصلة المترددة 1هـ1ه ) , وقد تم استبدالهما بالحركة الثابتة لتصبح الحركات الثلاث متساوية وتشكل معا فاصلة موسيقية في نهاية الوزن (الفاصلة الثابتة 111ه ) ؛
والسريع المكشوف المخبول مثل الكامل فيما ذكرناه إلا أن أصل الحركة هو ساكن السبب الخفيف الأول المقرون , ويمكن كتابة الوزن مرتين , مرة بالفاصلة الثابتة ومرة بالسببين(1) , ليظهر التماثل بين نصفي الانعكاس في أصل الوزن ؛
ونجد الانعكاس الموسيقي تكرر في الأوزان التالية :
محور الانعكاس
(1) متفاعلن متـ فاعلن فعلن
الكامل الأحذ 1هـ1ه11 1هـ │ 1ه11ه 111ه
الكامل الأحذ 1هـ1ه11 1هـ │ 1ه11ه 1هـ1ه
الكامل التام 1هـ1ه11 1هـ │ 1ه11ه 1هـ1ه 11ه
(2) مستفعلن مسـ تفعلن فعلن
السريع 1ه1ه11ه 1ه │ 1ه11ه 111ه
السريع 1ه1ه11ه 1ه │ 1ه11ه 1ه1ه
الرجز التام 1ه1ه11ه 1ه │ 1ه11ه 1ه1ه 11ه
مـسـتـفـعـلاتـن فـاعـلاتـن لن علن
نلاحظ أن وزن الكامل التام يزيد عن الأحذ بوتد 11ه في نهايته ؛ كما نلاحظ أن وزن الرجز التام يزيد عن السريع بوتد 11ه في نهايته ؛ ويعمل الوتد هنا كفاصلة موسيقية بعد الانعكاس الموسيقي.
وبالمثل يمكن قراءة وزن البحر الطويل بنفس الطريقة (1) , حيث يحدث الانعكاس الموسيقى , ثم يزيد الوتد نهاية الوزن , حيث يعمل كفاصلة موسيقية بعد الانعكاس الموسيقي (2)
فعولن فعولن فاعلن فاعلن
(3) 11ه1ه 11ه1ه │ 1ه11ه 1ه11ه
الطويل 11ه1ه 11ه1ه │ 1ه11ه 1ه11ه 11ه
فعولن فعولن فاعلن فاعلن علن
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
(1) وكذلك يمكن قراءة مجزوء المديد المحذوف بنفس الطريقة
فـاعـلاتـن فـاعـلاتـن علن
المديد المحذوف 1ه11ه1ه │ 1ه11ه1ه 11ه
(2) بالإضافة لوظائف أخرى نذكرها في حينها .
الآن يمكننا القول أن علم العروض له ثلاث قواعد (ظواهر) أساسية (1) يمكن البناء عليها :
(1) قاعدة : التكرار الثنائي
(2) قاعدة : الانعكاس الموسيقى
(3) قاعدة : الفصل الموسيقي (2)
ما ذكرناه من الأوزان (التي تبدو فيها الظواهر الموسيقية الثلاث الأساسية) سيتسع ليشمل أوزانا أخرى غير التي ذكرناها , كما سيظهر التداخل والتناغم والتكامل التام فيما بينها .
دمتم أساتذتي الكرام في خير وسعادة