من دفتري القديم
أقبل مسرعا يلوح بالجريدة ويقول:
- هل سمعتم؟ الهر غونتر سيزور البلاد.
- ومن هو الهر غونتر هذا؟
- لا يهم، إنه مليونير أوروبي تجري في عروقه بقايا دماء زرقاء.
- إن اسمه يتصدر عناوين الصحف.. كأنك لا تقرأ الصحف؟!
- أي صحف؟!
- خذ.. اقرأ.
وراح يقرأ: الهر غونتر يزور فشلستان..
وارث الملايين سيصل قريبا.
مشاريع كبرى بانتظار القادم الكبير.
همس الرجل: أهلا.. بالملايين!
سرى خبر قدوم الهر غونتر في «فشلستان» وانتقل بسرعة، فاستيقظت حواس المنتفعين والوصوليين، بدءا من الحاسة السادسة إلى أعلى سلم الحواس، وسال لعابهم للملايين القادمة، ودفاتر الشيكات المتخمة، وراح بعضهم يعد الخطط والدراسات لمشاريع أحلامهم التي سيعرضونها على المستثمر الكبير، ومنهم من انتقى أفخر ثيابه وأغلاها ثمنا ليكون في مقدمة المستقبلين، فمن يدري لعله يحظى بشرف التسليم والتبرك بملامسة القادم المبارك،، وهناك من اعتبر إعداد جدول لزيارة الأماكن السياحية ومعالم البلاد عملا يستحق عليه الثناء.. وما أدراك ما الثناء.
تهبط الطائرة، وما أن تستقر على مدرج المطار، حتى تهب زوبعة من الرجال المستنفَرين نحوه، ويحاط سلم الطائرة بجيش المستقبلين، وتتدحرج السجادة الحمراء من المنصة التي أقيمت لتكريم الضيف إلى أن تقف عند الدرجة الأولى من السلم.
يهبط رجل أنيق الملبس، وسيم المحيا، تتقدمه وصيفتان شقراوان.. يتقدم الوجهاء والأعيان نحوه مرحبين مهنئين بسلامة الوصول.. وتصدح الموسيقى..
يتجه الجميع إلى الرجل يحيونه، ويرحبون بمقدمه، ويسارع بعضهم لتقديم باقات الورد له، فيتكلف الرجل ابتسامة باهتة وهو يشير إلى الباب الذي ما زال مفتوحا، تقف أمامه مضيفة جوية حسناء، فتشخص العيون إلى حيث أشار الرجل الذي يهتف بأعلى صوته مشيرا إلى سيده الهابط من أعلى السلم:
-هر غونتر.
ويصفق الجميع، ويعلو الهتاف.. ويخرج رجل آخر جليل الهيئة، يتقدمه كلب يهز ذيله بفرح حيواني، مادا لسانه الخشن بسعادة غامرة، ويهبطان السلم في هدوء ووقار.. يتوجه نحو المنصة المقامة، والرجل الوقور يسير وراءه بكبرياء الطاووس.. تعزف الموسيقى مرة أخرى ..
الرجل والكلب معا على المنصة..
يتعالى الهمس وضجيج مكبوت.. ويأتي سؤال مبحوح:
- من منهما الهر غونتر.
ويأتيه الجواب كالفحيح: يا لك من مغفل!! ألم تعرفه بعد؟!
وفي هذه الأثناء يغادر الهر غونتر المنصة، مخلفا وراءه بقعة صفراء غريبة الرائحة لا تنتمي بأي حال للعطور الباريسية الفاخرة.
+++
فلاشات
*هر بالألمانية تعني السيد.
* فشلستان: دولة عالم ثالثية مستقلة.
* الزمان: آخر أنفاس القرن العشرين.
* ومضة: يحكى أن كونتيسة ألمانية أوصت ثروتها التي بلغت تسعة عشر مليونا لكلبها الوفي.