إربد - أحمد الخطيب
كان الاشتباك مع النص الإبداعي قديماً، وأقصد، قبل ظهور الشبكة العنكبوتية، وتحديداً مواقع التواصل الاجتماعي، اشتباكاً مرهوناً للحظة الإبداع، لحظة الانتقال من الواقع المعاش إلى جماليات ما يُفرزه الخيال من هرمونات إبداعية، فلن تجد مبدعاً واحداً في هذا السياق إلا وقد تأبّط كتاباً، وعاقر فكرة، وأخلد إلى التجديد، وفي هذا السياق كنت تستطيع أن تؤشّر بوضوح على الشاعر والقاص والروائي والناقد، أما الآن، وفي الجبّة بعض الاستثناءات، فأصبحت الكتابة الأدبية مرهونة للظهور الإعلامي لا أكثر، لا ترى في أوعيتها إلا النزيف المتكرر والنسخ المستهجن، وغيرها من أدوات مسخ النص الإبداعي لصالح الأنا الضيقة للكاتب، ولا تستطيع أن تفرز بين نصوص الكاتب الواحد، في هذا التحقيق نستطلع آراء بعض المبدعين، حول نظرتهم للمبدع والإبداع قبل مواقع التواصل الاجتماعي وبعده، من حيث القراءة والكتابة والإعلام، هل ساهمت هذه المواقع بتحولات جادة على مستوى ( القراءة والكتابة والإعلام) أم أدت إلى هبوط حاد في هذا المستوى، وبالتالي أصبح الإبداع على مرمى حجر من الانكفاء والتخبّط.
يرى الشاعر الفلسطيني هلال الفارع أن أيّ رأي في هذه المسألة سيكون في دائرة النسبية، مضيفاً لكنه لن يختلف عاقلان على أن مواقع التواصل الاجتماعي قد عملت على تسطيح الثقافة، وتهميش القراءة الجدية، معتبراً أن وضع المثقف، أو حتى القارىء أمام خياري القراءة للوصول إلى المعلومة، أو تشغيل محرك البحث للوصول الفوري إليها، قد ألغى مسافة تعليمية محتملة ربما تكون أساسية في تشكيل قاعدة المعرفة الضرورية عند هذا المثقف، أو ذلك القارىء، صحيح أن الوصول السريع إلى المعلومة يوفر أزماناً طائلة، يمكن استغلالها في البحث عن مزيد، أو تحصيل المزيد، لكنه لا يمكن قياس التحصيل الثقافي بهذه الطريقة، فكيف إذا كان الأمر متعلقاً بالمبدع، وبالإبداع؟.
ويلفت النظر إلى أن القراءة تراجعت من حيث النوع، وتردى الخط من حيث الرسم، وغاب الوعي من حيث التكريس، بعد أن هجرت رائحة الورق قرّاءه، وفرّت المبراة من أقلامها، وانهارت أعمدة الجرائد على أسسها، هل انكفأ الإبداع، أو يكاد؟ ربما، هل دخل الإبداع مرحلة التخبط، أو اقترب؟، أيضا ربما، لكن الذي لا جدال فيه أن الإبداع لا يزال، وسيبقى، أبجدية سجادة صبغت دماء الأصابع، أو على الأقل بصماتها، خيوطها وهي تداعبها على النول، بينما لفّ الخجل الإبداع في سجادة أخرى، لها الألوان ذاتها، والقياسات عينها، لكن خيوطها تحمل بصمات آلة صماء، أو خطوط تقنية صماء.
ويقول الشاعر الفارع: هل سننتظر طويلا قبل أن يأتي الأمر: «أن احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا وسائلك؟» لست أدري.
الكسواني: اختلاط الحابل بالنابل
يؤكد الشاعر الأردني موسى الكسواني أن لكل زمان إيجابياته وسلبياته، مشيرا إلى أن صعوبة التواصل مع المبدعين والمثقفين أو المتلقي العادي كانت أكثر صعوبة قبل ظهور الشبكة العنكبوتية، إلى ذلك كانت بعض الشلليات ذات المصالح الخاصة تمنع كثيراً من الإبداعات من الظهور كما يجب أن تظهر.
ويلفت النظر إلى أن الاستنساخ الورقي والطباعة وما إلى ذلك كان يحتم على المجلة أو الصحيفة أن تنشر إلا عدداً محدداً من الإبداعات على التوالي، هذا إذا جاز لها أن تكون منصفة، ومع ذلك كان المتتبع للفعل الإبداعي متتبعاً جاداً وصادقاً وباحثا حقيقيا، لأنه يتعب كثيراً من أجل الحصول على مبتغاه، ولا نغفل بعض المبدعين العاملين في الصحف اليويمة خاصة الصفحات الثقافية أو المجلات الثقافية، لقد كان لبعض هؤلاء أثر حقيقي في إنشاء جيل من المبدعين الحقيقيين من خلال النقد الحقيقي والإرشاد البناء.
ويقول بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي اختلط الحابل بالنابل، ومع هذا ينوّه أن المبدع الحقيقي تبقى له بصمته الحقيقية والمتفردة، ولا بد أن تفرزه الذائقة المثقفة والواعية، إلى ذلك ويرى الشاعر الكسواني أن من إيجابيات الشبكة العنكبوتية أنها سهّلت الصعوبات التي كانت تقف عثرة أمام انتشار المبدع الحقيقي مع زملائه المبدعين في الوطن وخارجه.
ويؤكد الشاعر المصري يحيى سليمان أن مواقع التواصل الاجتماعي لم تقدم للقصيدة العربية الجديد الذي كان مخبأ حتى تكشفَ حجب التكنولوجيا عن أسرارها، والتي لم تساهم إلا في دعم المزيد من الداخلين عنوة إلى حرمها الشعري بلا تعارف سابق أو إضافة لاحقة.
ويرى بأن ما يحدث هو من تعكير الصفو الشعري للذائقة العربية، ولا ينبئك مثل خبير، حيث يضيف: لسنا محدثي تواصل عبر هذه الشبكات، بل كنا من المؤسسين لأكبر الملتقيات الأدبية الإلكترونية على هذه الشبكة على مدى خمسة عشر عاما، ونعرف ما أضر مما أفاد، ما أساء إلى القصيدة العربية فوق صفحات مواقع ما يعرف بالتواصل الاجتماعي وليس الشعري وليس الثقافي.
ويشير إلى أن ما يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي يتمثّل منذ نشأته في تبادل التهاني المتطورة، حتى وصلت إلى تبادل القصائد والشعراء والمجاملات والترحيب، وكأنا في فرح شعبي، وليس مكانا ملائما لتعاطي القصيدة العربية.
ويخلص الشاعر سليمان إلى أن الخطورة تتمثل في غياب سلطة الناقد، والتي كان يمثلها مشرفو ومديرو الحوار على الشبكات الثقافية المتخصصة، أما هنا في مواقع التواصل الاجتماعي، فكثير من الشعراء يعملون بوظيفة شاعر لدى السيد مارك كما يرى.